على هامش معرض الفنان محمد الوهيبي المتجول في سويسرا

تواصل مؤسسة تقاسيم للفنون عرض أعمال الفنان التشكيلي محمد الوهيبي في عدد من الصالات السويسرية، إذ من المفترض أن تنتقل أعمال الوهيبي من صالة الزيتونة في جنيف إلى إحدى الصالات في نيو شاتيل.
تنتمي أعمال الوهيبي المنفذة بتقنيات الحفر المختلفة إلى ذهنية تجريبية خاصة ومنفتحة على أي فكرة جديدة، على الرغم من اشتغالها على المفردات الميثولوجية للمنطقة.
والمتأمل للوحات الوهيبي المشغولة بفن الحفر يدرك أن هذا الفنان هو السليل المباشر لفناني الحفر الأوائل الذين تركوا لوحاتهم في الكهوف وعلى حجارة هضبة الصفاة، قبل آلاف السنين، فمن هذا المعين الروحي الهائل تنهل لوحات الوهيبي.
ونرى رموز الميثولوجيا الخاصة بمنطقتنا بدءاً من الثور إلى الماعز والقمر، إضافة إلى رموز خاصة بالوهيبي كالبيضة والجوزة وحبة الرمان، وكل ذلك من خلال نساء ذوات جمال خاص وملامح محلية يحق لنا أن نسميهن نساء الوهيبي.
ينجز الوهيبي لوحتة بجهد نفسي وعضلي كبيرين، فهو يرسم اللوحة تفصيلاً تفصيلاً وخطاً خطاً، حتى لتخال نفسك أمام تحفة فنية أنجزها عشرات الفنانين المحترفين، غير أن الحقيقة غير ذلك، فالوهيبي ابتكر تقنيات وأسرار تتيح له التعامل مع اللوحة بمرونة عالية وسيطرة كاملة على مختلف التفاصيل.
أما لوحات الوهيبي المشغولة بالزيت أوبالإكليريك فهي نمط خاص أدخل عليه الوهيبي تقنية الحفر بالسكرـ وهي تقنية من ابتكاره واستطاع أن يحقق فرادة في هذا الفن جعلت البعض يسعون لتقليده دون جدوى.
يقول الفنان الوهيبي: (العلاقة بين الفكرة والتقنية بالنسبة لي علاقة معقدة ولا أستطيع أن أقول إن الفكرة سابقة على التقنية أو أن التقنية سابقة على الفكرة، ولكنني أستطيع أن أقول إن الفكرة الجديدة تحتاج إلى تقنية جديدة، والتقنية الجديدة تحتاج إلى فكرة جديدة، وهكذا تبدو العلاقة أعقد مما نتصور للوهلة الأولى).
ويضيف: (لقد أدركت منذ البداية بأنني فنان ينتمي إلى تراث عريق جداً من فن الحفر، إن الهوية التشكيلية لمنطقة المشرق التي أنتمي إليها هي تقنية الحفر، لقد حفر أسلافنا على الخشب وعلى الحجارة وعلى الطين، وطوروا هذه التقنيات على مدار آلاف السنين حتى أنك تذهل عندما ترى لوحة مثل لوحة السفينة التي جسد فيها الحفار الآرامي القديم جميع مفردات البحر بتقنية حفر عالية، تجعلنا نتوقف معقودي اللسان أمامها. وأيضاً ماذا يمكن أن يقال أمام مئات بل آلاف الأعمال التي تركها العرب القدماء في هضبة الصفاة شرقي دمشق حيث نرى أكبر معرض للحفر على الحجارة والصخور في العالم، لقد استغل هؤلاء الأسلاف تناقضات الألوان على الحجارة وتأثيرات الحك وتوصلوا إلى أعمال أقل ما يقال فيها إنها أعمال عبقرية).
ويؤكد الوهيبي أن هدفه منذ البداية كان (البحث عن لغة تشكيلية خاصة تنتمي إلى منظومة بصرية تميز منطقتنا، وتقدم جماليات غير مألوفة بالنسبة للتشكيل المعاصر، وقد عثرت على هذه التقنية بنفسي من خلال التجريب والتجريب والتجريب.. ولكن هذا لا يعني أنن اكرر تقنياتي لا، الأمر ليس كذلك فهذا باب مفتوح على مصراعيه وفيه احتمالات غير متناهية من التجديد والابتكار، ولكن الأمر يتعلق بطريقة تفكير تشكيلي جديدة، عثرت عليها. وأعمل من خلالها).
ويشرح الوهيبي هذه التقنية التي توصل إليها بقوله : (تقوم التقنية التي أتحدث عنها على فكرة قديمة لدى الفنان المشرقي القديم، وهي عكس فكرة التصوير التي يعمل عليها فن التصوير التشكيلي المعاصر. والذي نجد جذوره في لوحات الفسيفساء الإغريقية والرومانية، فالفن التشكيلي المعاصر القائم على فكرة مزج الألوان وصولاً إلى اللوحة، ينسجم من حيث التقنية مع تركيب حجارة الفسيفساء لتشكيل اللوحة أو مع تلوين السطوح الجصية التي انتشرت في فترة الحضارة الرومانية).
ويرى الوهيبي أن فكرة الرسم في منطقتنا أتت من حفر السطوح وإحداث خدوش فيها وصولاً إلى تشكيل جمالي، فالتقنية هنا تفكيكية وليست تركيبية. هذه التقنية التفكيكية تحتمل مئات الحلول التقنية على عكس التقنية التركيبية التي لا تحتمل إلا تقنيتين أو ثلاثة أو حتى عشرة.
ويخلص الوهيبي إلى أن (غاية الحفر التي ابتكرها أسلافنا ليست تحضير كليشيه للطباعة أو للاستنساخ، بل حفر مباشر لعمل واحد ونهائي ولا يمكن استنساخه، وهو الأسلوب الذي أعتمده تماماً، إذن أنا أعتبر نفسي سليل الحفارين السوريين القدماء الذي ما تزال أعمالهم تذهل المشاهدين حتى بعد مضي 2000 عام أو 3000 عام).
تيسير أحمد - شام نيوز