"على وجع الورد....." - الجزء الثاني

شام إف إم - خاص
وإليكم المقطع الثاني
تابع للبوست السابق... حكاية بمناسبة الشهر الوردي...
"إن كنت أشبهك في شيء بالنسبة لهذا الموضوع، فهو رغبتي في الكتابة عن وقائع التجربة، عن حيثياتها، عن مرارتها، كمن يخشى أن يفقد ذرة من تفاصيل المعاناة، وكأن هذه المعاناة باتت توازي في أهميتها تجربة الفرح أو السعادة.. ما أغرب النفس البشرية".
لقد تلقيت مراحل التجربة كاللكمات غير المنتظرة، واحدة تلو الأخرى، ولم أكن مستعدة لها على الإطلاق..
أنظر... إذا كان يهمك الأمر، إليك بعض الأوراق التي سطرتها آنذاك، من المحتمل أن تجد فيها ما يستجيب لفضولك و تساؤلاتك حول معاناتي وصراعي مع الداء.
في المشفى الجراحي الكائن بالدائرة السابعة من المدينة العريقة، وسط حي الوزارات، فتحت عينيْ أقاوم بوهن آثار التخدير، وكانت شمس بعد الظهر في ذلك اليوم الربيعي تملأ الغرفة الصغيرة وهجاً ودفئاً، تحسّست الضماد فوق الثدي الأيمن فشعرت بوخز ألم حاد تحت الإبط في الجهة ذاتها... وانفجرت بالبكاء... لا، غير ممكن ! لا أصدق أن العملية الجراحية البسيطة التي كان هدفها مجرد إقتطاع خزعة من الثدي، تحولت إلى عملية استئصال ورم خبيث، وأُلحِقت بتجريف للعقد اللمفاوية تحت الإبط. يا لهم من لصوص هؤلاء الأطباء... مافيا حقيقية!!! سكرتيرة الجراح الشهير قالت لي قبيل دخولي المستشفى: يُفترض أن يكون أجر الجراح خمسة آلاف فرنك، لكن إذا تبين أثناء العملية وجود ورم سرطاني، فإنه سيضطر للكشف على العقد اللمفاوية، وربما استئصال بعضها إذا كانت الإصابة قد امتدت إليها ، حينئذ سيرتفع الأجر إلى سبعة آلاف... اللصوص!!! يريدون كسب المال بشتى الوسائل والألاعيب... مالذي يثبت لي أن العقد اللمفاوية كانت مصابة، وأصلاً لا شيء يثبت لي أنهم وجدوا الورم خبيثاً بالفعل، بإمكانهم حتى... تزوير نتائج التحاليل!!!
يا لسذاجتي... لجأت إلى نظرية "المؤامرة" التي درجنا عليها كلما وجدنا صعوبة في القبول بالأمر الواقع. لم أكن مهيأة نفسياً على الإطلاق لتقبل هذا الواقع...
جرت دموعي غزيرة دون صعوبة، الكل يعرف عني صفة البكاء السريع والضحكة الفورية، وكأن المراكز العصبية التي تتحكم بالوظيفتين متلاصقة أو موحدة.
اقتربت مني سيسيل بكل ما لديها من حنان وأمومة، وقبّلت جبهتي وهي تتمتم: دوكالم ، دوكالم...هدوء يا ابنتي... لقد تمت العملية الجراحية بخير وطمأنتني الممرضة بأن كل شيء على أحسن ما يرام، سيمر الجراح بعد قليل ليؤكد لك ذلك بنفسه. استسلمت إلى فيض حنانها لحظة ثم استعدت ثورة غضبي ضد الأطباء والجراحين، كلهم لصوص، مافيا!!
الأنابيب المتفرعة من ذراعي وتحت الإبط والثدي تعيق حركتي والألم بدأ يتكثّف.. دخلتْ الممرضة باسمة.. حبّتا مسكّن وكوب ماء.. هيّا هيّا، طفلة كبيرة مثلك تبكي؟ يا للعار.. ماذا تركت للصغار؟ كل شيء مر بسلام، هل تريدين أن تأكلي شيئا؟ كان جوابي استمرار البكاء الصامت.. قالت سأعود بعد قليل. سألتُ سيسيل عن الوقت.. الثالثة بعد الظهر.. مرّ دهرٌ وتركّز في أربع ساعات منذ أن نقلوني إلى غرفة العمليات، وراح الجراح يروي لي كيف أنه عاش بضعة أشهر في بيروت، في مطلع السبعينات، وأنه زار حلب، مسقط رأسي، ويعرف دمشق مرتع طفولتي وأنه... لم أسمع بقية الحكاية فقد دخلت في غيبوبة التخدير... أو ربما سمعت ونسيت...
هل تشعرين بالجوع ؟ سألتني سيسيل.؟...."
يتبع....