على وجع الورد.. الجزء الثامن

شام إف إم - خاص
الحلقة الثامنة
"... كنت أحاول إقناع نفسي بأن كل هذه الأعراض لا أهمية لها طالما أن الأمر غير مرئي للآخرين...
لكني كنت واهمة في ظني بأن ما أمرّ به لم يكن مرئياً للآخرين، الحقيقة أن مظهري الخارجي تبدّل بشكل غير متوقع.. اليوم عندما أتأمل بعض الصور التي التقطها الأصدقاء لي آنذاك، لا أكاد أصدق كم تغيرت ملامحي حينها وكيف ارتدى جسدي غلافاً شحمياً منتفخاً، وكأن امرأة أخرى انتحلت اسمي وشخصيتي وراحت تقدم نفسها على أنها أنا.. حتى اليوم مازلت محتفظة بورقة صغيرة كتبت سطورها بعد أسابيع قليلة من بدء العلاجات الدوائية والشعاعية، وكنت أخاطب نفسي بكلمات تأنيب..."
غاصت يدها في عمق حقيبتها واستخرجت منديلاً مسحت به دمعها الجاهز دائماً وأبداً، ومن محفظة جلدية أنيقة سحبت ورقة مطوية بعناية قرأت منها هذه الكلمات التي بدت لي في وقعها، وكأن كلاً منها كان يتشظى عنقودياً كالمحرم من القنابل.
بخط يدها كانت قد كتبت: "كتلة من الخلايا المكتنزة بالشحوم والدهون، أنا اليوم!!! في أي زاوية أو داخل أي تجويف من هذا المكعب البشع تقبع منكمشة "أناي" الأصلية، ترتعد خوفا من الغولة التي ابتلعتها دون أن تدري كيف ومتى، أنظر إلى المرآة فلا أعرف من هذه التي باتت تحمل اسمي وتتقمص شخصيتي وأنا منها براء.. لقد احتلتني ونسجت حولي سجناً على هيئة شبكة متراصة من القضبان الوهمية المتمثلة في استدارات وتكتلات دهنية قميئة المظهر لا تناسق فيها. تُرى هل سأتحرر من سجني هذا يوماً ما؟"
عبر هذه الكلمات، لمستُ بعقلي وقلبي حجم المعاناة التي مرّت بها وأخفتها عني طويلاً، ربما من باب الخجل..
ثم في محاولة للتخفيف من وطأة الجو المشحون بالانفعالات المتضاربة التي خيمت علينا فجأة، قالت بشيء من التهكم الذاتي الذي كانت تجيده بحق نفسها: "صحيح أني قبل الجراحة والعلاج لم أكن ملقبة بغصن البان، ولم أكن مشهورة بالقد المياس ـ يا عمري!!!ـ بس موهيك!!!.. "
وأطلقت ضحكة مجلجلة وسط دموعها ثم تابعت قائلة: "لحسن الحظ أني تمالكت زمام الأمور قبل أن يبدأ الميزان بالصراخ والأنين تحت قدميّ، لم أترك له فرصة الوصول إلى الرقم "مئة" لكني لم أكن بعيدة عنه.. عضة كوساية!!!
يتبع...