على وجع الورد.. الجزء الثاني عشر

على وجع الورد.. الجزء الحادي عشر

شام إف إم – خاص

بعد دقائق من الصمت الحائر، جاءني من جديد صوت جارتي يقول:" هل تعرّض هذا الشخص لأزمات نفسية قبل سنوات قليلة من اكتشاف إصابته بالسرطان؟ "ٌ قلت: "يووووه ...لائحة أزمات طويلة لا نهاية لها، وقد سمعت فعلاً أن هذا الداء في غالبية الأحيان نفساني المنشأ.."، أردفتْ قائلة: ".. هذا كلام مثبت علمياً، فأنا أعمل كممرضة في أحد المستشفيات الكبرى المتخصصة بعلاج الأورام السرطانية في مدينة (....) ونحن دوما نقترح على مرضانا أن نساعدهم أيضا من الناحية النفسية، في محاولة لتحديد المسببات الدفينة الكامنة خلف مرضهم والسعي إلى تفكيك آلية الإصابة، فقد بات من المعروف أن المرض، أي مرض لا على التعيين، هو بحد ذاته تعبير أخير عن رفض الجسم إهمال صاحبه له... الجسم الذي تسكن فيه الذات الأصلية لشخص ما يعاني من صعوبات في التعامل المتكافئ مع محيطه المباشر، في الحياة اليومية، هذا الجسم يبدأ بالاحتجاج، ثم يضطر لأن يضع حدّا "للمرمطة" التي يفرضها عليه صاحبه، فيطلق صيحة استغاثة يقول فيها على طريقته: كفى!!! ثم تتوقف الآلة عن العمل وترفض الانصياع لمزيد من الإجهاد دون صيانة...".

لاحظتْ جارتي اهتمامي المتزايد بما تقول فتابعت عرضها للفكرة بحماس: "الأبحاث المتعلقة بالسرطان تفيد بأن الفرد يتعرض في أحد الأيام لصدمة معينة، انفعالية أو عاطفية، تهزّه في الصميم، لكنه يفضل كبت انفعالاته تجاهها لأسباب اجتماعية أو دينية أو راجعة لتربيته، ونظًرا لعدم تفريغ شحنة الانفعالات الناجمة عن الصدمة، تتغلغل الشحنات السلبية في أعماقه وتبدأ في "الاستيطان" داخل تركيبته النفسية، ثم تعمل بصمت وخبث على هدم حصون مناعته من الداخل، وتدمير برمجة توازنه الداخلي... هنالك دراسات عديدة ركزت على دلالة الإصابة في موقع معيّن من الجسم ، كل عضو من الأعضاء يشير إلى نوعية من المشاكل في جوانب الحياة وفي العلاقة مع الآخرين... تقولين في أي مكان جاءت إصابة كاتب الرواية؟"، ترددتُ في الإجابة، ولم أتمكن من نطق الكلمة.. قالت: "أفهم من صمتك أنها في موضع حساس... من المعروف علمياً ونفسياً أن الإصابات في الأعضاء التناسلية هي تعبير عن صعوبة التعايش مع تناقضاتنا الذاتية وتناقضاتنا مع الآخرين، وعلى ما أذكر أن صاحب هذه النظرية ـ وهو معالج نفسي فرنسي اسمه ميشيل أودول ـ يركز على أن إصابة المبيض لدى المرأة أو البروستات وحتى الخصية لدى الرجل مردّها إلى علاقة متوترة مع شريك الحياة يشوبها نوع من الإحساس بالذنب أو الإحباط في التعاطي مع الآخر، لعدم وضوح موقع كل من الشريكين في إطار هذه العلاقة، وبسبب عدم الاستقرار هذا، يصل المصاب إلى تحريم المتعة على نفسه ... على كل حال البحث طويل ومتشعّب جد..".

سألتها: وماذا تعرفين عن سرطان الثدي، فقد عانيت منه؟ قالت الأيمن أم الأيسر؟ استغربت، وقلت: "ألهذا الحد يأتي التشخيص دقيقاً؟"، ردت بالإيجاب وشرحت:" لقد فسرت لك دلالة السرطان، لكن مسألة الثدي الأيمن بالتحديد مرتبطة بنوع من العلاقة المتأزمة مع الأم .... هل لما أقول صدى لديكِ؟"

أجهشت بالبكاء، ثم اعتذرتُ منها، فاعتذرت بدورها، وعاد ليخيم علينا صمت محرج، هذه المرة.

 

يتبع...