عمالة الأطفال السبب الرئيسي لانحراف الأحداث

تشكل طفولة الإنسان إحدى المحطات الرئيسية في مسيرة حياته الطويلة تاركة عبر أحداثها وتجاربها أعمق البصمات في بنيان شخصيته ولذلك يجدر التركيز أن الطفولة بنيان هش يتطلب عناية فائقة تضمن لذلك البنيان النماء والتكامل بصورة إيجابية متوازنة ، ومن الطبيعي أن ينعكس نقص الاهتمام بدعامة من دعامات ذلك البنيان في تماسكه وفي توازن وظائف وحداته .‏

من هنا فإن تقويض المقومات الأساسية التي ينبغي لكل طفل ان يتمتع بها في سبيل نمائه السوي من شأنه أن يقود ذلك الطفل إلى الوقوع فريسة للاضطرابات النفسية والاجتماعية والجسدية .‏

وتعد ظاهرة عمالة الأطفال من الانتهاكات الصارخة التي تعمل على زلزلة تلك المقومات إذ غالباً ما يضطر الطفل العامل إلى معايشة ظروف وأوضاع عملية بالغة الخطورة والإساءة بدءاً من رفع الأحمال الثقيلة وصولاً إلى المخاطر المتصلة بالتعامل مع الآلات .بالإضافة إلى المعاملة القاسية العنيفة التي يتلقاها الطفل من أرباب العمل حيث يتفنن هؤلاء في تعذيب الأطفال بدءاً من الإساءات اللفظية البذيئة وإلى الإساءات الجسدية تلك الإساءات التي لا تكتفي بترك بصماتها على الأجساد الغضة للأطفال وإنما تتجاوز ذلك لتوجه ضربات موجعة إلى نفسياتهم مطيحة بإحساسهم بالأمن والاستقرار النفسي‏

وقد أكدت الدراسات النفسية أن معايشة الأطفال لأنماط تفاعلية تتسم بالتسامح والود والتعاطف من شأنها الاتجاه بشخصياتهم نحو التوافق النفسي والسواء‏ خلافاً للممارسات التعسفية المتشددة والمتسلطة التي كثيراً ما تجعلهم أقل ثقة بأنفسهم واندماجاً وتوافقاً مع الآخرين .‏

وتتولد عن الانكسارات المتلاحقة التي تطارد الطفل العامل شروخ عميقة تتوطن في اللاوعي عنده وفي ظل غياب إمكان النفيس الصحي عن مشاعر القهر والعجز والاستلاب التي تتأجج في أعماقه يجنح الطفل عادة إلى اجتراح وسائل غير سوية عما يدور في وجدانه من أحاسيس سلبية خانقة .‏

إما عن الآثار الاجتماعية السلبية التي قد تنشأ عن ظاهرة عمالة الأطفال نجده يبتدأ غالباً بالأذى الواضح الذي يلحق بعملية التحصيل المدارسي ، إذ تدفع الظروف العلمية الطفل في العادة إلى إهمال دروسه والعجز عن مواجهة المتطلبات المدرسية وهذا ما يزيد من قابلية تسربه من المدرسة إن لم يكن قد تسرب منها بالفعل في وقت سابق .‏

وعقب انقطاع الصلة بين الطالب والمدرسة سرعان ما يتلقفه سوق العمالة الذي غالباً ما يتمركز ضمن نطاق الورش والشاغل في الأحياء الفقيرة هذا أن لم يتخذ من الشارع مقراً له ، وبطبيعة الحال يبذل أصحاب العمل في البداية قصارى جهدهم لاجتداث الأطفال واستدراجهم في المصيدة وذلك من خلال تضخيم حجم الفوائد العملية التي سيجبونها نظير اشتغالهم والتقليل من شأن الجوانب السلبية المنفرة التي قد يتعرضون لها‏ والتي تستقر في وعي الأطفال بوصفها جزءاً جوهرياً وضرورياً من الحياة العملية .‏

وهنا نتخيل مستوى الأخلاقيات والقيم التي يتشربها الطفل ضن أجواء كهذه التي تكسبه في أفضل الأحوال عادات سلبية كالتدخين والبذاءة والوقاحة هذا أن لم تلق به في هامية الانحراف والإدمان .‏

ويجمع كثير من الباحثين على اعتبار ظاهرة عمالة الأطفال على أنها السبب الرئيس لانحراف الأحداث إذ قد يفضي تشغيل الأحداث إلى فساد أخلاقهم وانسايقهم لارتكاب الجرائم نتيجة لظروف العمل من جهة ولطبيعة بعض الأشخاص الذين يتفاعلون معهم من جهة أخرى.‏

وفي سياق الحديث عن الآثار الناجمة عن عمالة الأطفال لابد من الإشارة إلى بعض وجهات النظر بأن لهذه الظاهرة آثاراً إيجابية نافعة حيث يوجد هناك من يرى أنها تؤمن في بعض الأحيان دخلاً يحمي الأسرة من الجوع ويقيها مؤونة سؤال الآخرين من الناس .‏

 

ولكن بالرغم من الصحة الظاهرية لهذا الرأي إلا أنه قد يشكل مبرراً يحاول تسويغ هذه الظاهرة وعدم اتخاذ الإجراءات الضرورية لمجابهتها ، وإذا افترضنا جدلاً أن لعمالة الطفل دوراً في تنمية قدراته على التعامل مع الآخرين واكتسابه خبرات وسمات شخصية قوية تؤهله لمجابهة تحديات الحياة وصعوباتها .‏

فإن من الضروري التأكيد على أن تلك الخبرات تأتي في غير وقتها الملائم كما أنها تتسم غالباً بالطابع اليدوي البسيط الذي لايترك للطفل مجالاً واسعاً لأعمال عقله وتنمية مداركه وقدراته الذهنية .‏

وفيما يتعلق بالرأي الذي يقول أن لعمالة الأطفال فضلاً في تزويد الأطفال العاملين بمشاعر الرضى الذاتي والإحساس بالتفوق والكفاءة الشخصية نتيجة إسهامهم في تأمين المتطلبات المعيشية لأسرهم .‏

لذلك يجدر القول أن تلك المشاعر الإيجابية التي يكتسبها الأطفال سرعان ما تتضاءل أمام فداحة إحساسهم بالقهر والاغتراب وأمام خطورة الآثار التي تتركها على خبراتهم السيئة في جوانب حياتهم المختلفة .‏

في المحصلة النهائية تخلص إلى القول إنه رغم الآراء التي تحاول تبرير عمالة الأطفال ومنحها نوعاً من الشرعية عبر التركيز على الآثار الإيجابية لهذه الظاهرة فإن هذه المعطيات التي ذكرناها تولد الطابع السلبي الملتصق بهذه الظاهرة حيث أنها تحرم الطفل أبسط حقوقه الأساسية وتلقي به إلى الضياع ضمن متاهة الثالوث المرعب «الفقر - الجهل- المرض» .‏

فغالباً مايفشل الطفل العامل في تحسين أوضاعه المهنية ويتدرج عادة ضمن مهن هامشية لا تساعده على اختراق الإطار المأسوي الذي يتخبط فيه .‏

 

 

شام نيوز- الفرات