عن الأسماء ... والأفعال

 

 

محمد عبد الرحيم – شام نيوز

 

 

مرة قال لي الصديق عزمي بشارة العرب لديهم منطق يقول إنه إذا غيرت أسماء الأشياء فهذا يعني تبدلا في طبيعتها.. فمثلا الهزيمة تصبح نكسة ( لاحظوا الرومانسية في التسمية ) وخسارة فلسطين تصبح نكبة ...

الدكتور عزمي قال إن هذه الطريقة في التفكير هي شعوذة وليست منطقاً .

ولكن لماذا أذكر لكم هذه القصة الآن... السبب واضح ... الشعوذة في إطلاق التسميات على الفرق العربية المشاركة في كأس آسيا , والتي غادرت جميعها البطولة من الدور الأول والثاني بعد هزائم وصفت على لسان معلقي قناة الجزيرة بأنها هزائم مشرفة , طبعا لا يوجد مثل هذا المصطلح في الجمع بين متناقضين مثل الهزيمة والشرف, إلا على لسان العرب المعاصرين.

الفرق العربية شكلت نصف عدد الفرق المشاركة في كأس آسيا في الدوحة وخرجت جميعها بدون أن تترك أي أثر طيب ... وحتى الفرق التي تأهلت الى الدور الثاني تأهلت على الأغلب على حساب فريق عربي آخر.. الأردن مثلا تأهلت على حساب سوريا , والعراق على حساب الإمارات , وقطر على حساب الكويت.

 

العرب أطلقوا على فرقهم أسماء طنانة  مثل أسود الرافدين على المنتخب العراقي ( لانحتاج لقناة ناشيونال جيوغرافيك لنعرف أن الأسود لم تتواجد يوما في بلاد الرافدين ) , والمنتخب السعودي الذي تلقى عددا وفيرا من الأهداف في ثلاث مباريات اسمه الصقور الخضر , والفريق السوري الذي هزم نفسه أطلق عليه نسور قاسيون , والأردني النشامى.

هذه التسميات الفخمة هي عادة قديمة, فمثلا تفننت منظمة التحرير الفلسطينية في إطلاق الأسماء المرعبة على قادتها في بيروت, مثل أبو الجماجم وأبو الفهود وأبو الليل ...

الهدف على ما يبدو من هذه التسميات هو إدخال الرعب الى  قلوب الخصوم, ولكن المشكلة أن هؤلاء الخصوم لا يتعاونون مع الفكرة .. فمنذ صلاح الدين الأيوبي لم ندخل الرعب الى  قلب احد في أي مجال .

كنت أتابع برنامجا تلفزيونيا على قناة الجزيرة لغسان بن جدو عن الأحداث في تونس بمشاركة الإسلامي التونسي راشد الغنوشي ورئيس تحرير صحيفة القدس العربي عبد الباري عطوان.. وعندما ذكر شخص في مكالمة هاتفية اسم ثورة الياسمين لوصف الأحداث في تونس انتفض عبد الباري بطريقة أفزعت المشاهدين وقال بغضب :  ياسمين ؟؟؟ أي ياسمين؟  هذه ثورة الدم والشهداء وثورة الأبطال.. ما هذه الميوعة في التسمية ؟ هذه ثورة سقط فيها عدد كبير من الشهداء والمناضلين...  أولاً أعرف بحسب المنظمات الدولية أنه سقط اثنان وسبعون قتيلا في أحداث تونس, يعني لم تكن معركة حامية الوطيس الى هذه الدرجة وربما حادث مروع على طريق درعا قد يؤدي الى وفاة نفس العدد..  متى أصبحنا سويسريين الى هذه الدرجة ؟...  صحيح أن كل نفس بشرية هي خسارة كبيرة , ولكن وفق منطقنا الحالي في احترام النفس البشرية قد يكون ألف قتيل رقما عادلا لتغيير رئيس بلدية أو قد لا يكفي لتغيير رئيس اتحاد كرة القدم , فكيف بطرد رئيس دولة والنصابين من عائلته وعائلة زوجته.

في تشيكيا أطلق على الثورة التي أطاحت بالشيوعية اسم الثورة المخملية , وفي أوكرانيا كان اسمها الثورة البرتقالية , وفي جورجيا ثورة الزهور ....  وهذه عادة أوروبية  في التواضع بالأسماء لصالح أهمية العمل نفسه ( يعني العمل عظيم واسمه متواضع عكس التصرفات العربية تماما, أسماء طنانة وأفعال بتخجل ) .

في الجيش البريطاني أقوى فرقة عسكرية اسمها فرقة الجرذان, وهناك فرقة باسم الأرانب, وفي الجيش الأمريكي أسماء الفرق العسكرية على اسم  قائدها غالبا, مثل جوني وديفيد, ولكن هذه الفرق تغلبت على الجيش العراقي بأسماء فرقه على شاكلة صلاح الدين وحمورابي والمدينة المنورة, وتوكلت على الله والفتح المبين الخ .

صاحب نظرية العلوج

سياسيا في أمريكا الحزب الديمقراطي الحاكم الآن اختار رمز الحمار وخصمه الحزب الجمهوري اختار حيوانا وديعا وعشبيا آخر هو الفيل كرمز له ....

هل  تعرفون أحدا في العالم العربي سيوقع طلب انتساب الى حزب رمزه الحمار , فإذا لم يكن هناك عواصف ورعود وفهود ونمور وجوارح وكواسر لن يلفت الحزب انتباه احد أو سيعتبر حزبا للشاذين جنسيا... فحتى لو كان الحزب الغاضب وشعاراته الطنانة قد قاد الناس الى كارثة مدوية فذلك أفضل عربيا من إطلاق اسم مخنث على الحزب وشعاراته .

أذكر انه عندما كنت في قناة الجزيرة واندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية ثار جدل واسع حول تسمية القتلى من الفلسطيينين برصاص الجيش الإسرائيلي, فالبعض تمسكوا بوجهة نظر انه يحب تسميتهم بالشهداء علما أنه لا يوجد أبدا في التراث الإسلامي ما يمكن وصفه باستخدام اسم شهيد أبدا وهي ترد في القران الكريم باسم الشهود بمعنى من يدلون بشهادتهم وليس بمعنى الاستشهاد, وتقول الاية الكريمة (ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون).

بالإضافة الى أن وقع الخبر سيكون أقسى بكثير إذا صيغ على شكل ( قتل الجيش الإسرائيلي فلسطينيا ) لان هذه العبارة تشير الى الفعل المحرم في كل الديانات ( القتل , لا تقتل ) وهي الوصية الأولى في العهد القديم أفضل من خبر ( استشهد فلسطيني ) التي لديها وقع محبب على نفوس المستمعين العرب ولا تستفزهم ...

والانتفاضة نفسها بدأت كانتفاضة الأقصى ثم استبدل الاسم بانتفاضة المستوطنات ثم انتفاضة الأسرى وانتهت الانتفاضة قبل أن يتمكن الفلسطينيون من إطلاق اسم عليها.

وفي النهاية أدى استخدام كلمة شهيد الى فوضى عبثية, ففي العراق عندما كان انتحاري من ( أسود القاعدة في بلاد الرافدين ) يفجر نفسه في مركز للشرطة العراقية كانت بيانات المقاومة العراقية تقول استشهد فلان, وبيانات الحكومة العراقية تقول استشهد عشرات من رجال الشرطة ... أي أن كل المشاركين في القصة  شهداء, علما أن الحديث الشريف يقول عن المشتركين في فتنة بين المسلمين بأنهم جميعهم في النار ...

والغريب أنه حتى كبير المتطرفين أسامة بن لادن لم يجرؤا على وصف أحد بالشهيد ,فعندما كان يتحدث عن انتحاري ما فجر نفسه في مترو مدريد أو لندن كان يقول: نحتسبه عند الله شهيدا, بمعنى أن المسلم في أحسن الأحوال لا يعرف ولا يمكنه فرض شيء على الله.

على أي حال.... النشامى والنسور والصقور والأسود هم الآن في طريق العودة الى غابات بلادهم ... تاركين العصافير من اليابان وكوريا والكنغارو اللطيف من أستراليا يزقزقون ويغنون في البطولة الآسيوية في الدوحة.