عن العقد الاجتماعي

خيري الذهبي - تشرين
بعد مجموعة قوانين جوستينيان الإمبراطور الذي حكم من القسطنطينية والتي أصدرها تحت اسم القوانين المدنية corpus juris civilis في القرن السادس الميلادي لم تضف إلى الحركة الحقوقية والقانونية في العالم إضافات مهمة,. وقد استمر ذلك حتى القرن الثالث عشر عند صدور السيه ياه سيه, والتي تعني الشرائع الثلاث التي أصدرها جنكيز خان والتي حكمت الثقافات الطورانية على اختلاف تجلياتها حتى العصر الحديث،هذه السيه ياه سيه والتي عرفت في العربية تحت اسم السياسة مساوقة لكلمة السياسة العربية المشتقة من ساس يسوس أو روض الحصان, ولكن لا علاقة ولا رابط قانونياً بين الكلمتين . في القرن نفسه الذي ظهرت فيه السيه ياه سيه المغولية والتي تحدد من هو وارث الملك بعد وفاته ومتى يجتمع مجلس الوصاية لاختيار الملك القادم ...الخ. وفي زمن متقارب جداً صدرت في إنكلترا الماغنا كارتا وهي الميثاق العظيم الذي أصدره الملك جون بعد ثورة كبرى للرجال الأحرار في إنكلترا, وفي هذا الميثاق العظيم حددت صلاحيات وامتيازات الملك, وصلاحيات وامتيازات النبلاء, وصلاحيات وامتيازات الكهنة، وصلاحيات وامتيازات الرجال الأحرار في إنكلترا, وكان صدور الماغنا كارتا عام 1215 مقارباً لصدور السيه ياه سيه المغولية . أما في شرقنا العربي الإسلامي وبعد معركة عين جالوت وانتصار المماليك على المغول في هذه المعركة في عام 1260 م بقيادة السلطان المملوكي الجديد قطز, ثم اغتياله على يد المملوك القفجاقي بيبرس البندقداري وإسراعه إلى الخيمة التي يجتمع فيها المماليك ثم إعلانه أمامهم أو أمام المملوك الكبير سيف الدين بلبان الصالحي : لقد قتلت السلطان, وكأن مجلس المماليك الكبار كانوا قد عرفوا بقتل قطز قبل إعلان بيبرس ذلك, لأن المملوك بلبان سيسأل وكأنما ليتوثق من الجواب : من قتل السلطان أيها الأمير ؟فيكرر بيبرس : أنا قتلت السلطان, وعندئذ يشير بلبان إلى العرش : تفضل يا خوند (أي يا صاحب الجلالة )فالعرش لك . منذ تثبيت هذه السابقة دخل عرف جديد إلى علم السياسة والرياسة في عالم المماليك وربما كان هذا العرف من الأعراف والمواريث الطورانية ...اقتل السلطان فتصبح السلطان !. والغريب أن يصدر في القرن الثالث عشر الميلادي في إنكلترا شبه البربرية الماغنا كارتا, ويصدر في آسيا المغولية السيه ياه سيه, وأن يصدر في سرة العالم المتحضر أي الإسلامي هذا العرف البربري الذي أقره المماليك :اقتل السلطان فتصبح السلطان, هذا العرف الذي ظل سارياً طيلة حكم المماليك وحتى قانصوه الغوري. وربما لا يعرف الكثيرون أن سبب المعركة الأساسي بين إيران الصفوية بقيادة الشاه إسماعيل والدولة العثمانية هو هروب ابني أخ للسلطان سليم إلى الشاه إسماعيل, ومماطلة إسماعيل في إعادتهما, فسير سليم ضده الجيوش وهزمه في معركة غالديران ولم يتخلص الشاه إسماعيل من الأزمة إلا بخنق الطفلين ابني أخ السلطان سليم وتخلصه من احتمال استخدامه لهما في إثارة أي حرب ضده أو ثورة معادية له, وكان أي سليم قد خنق أخاه قرقط, وقتل أخاه أحمد, ثم طارد قاسم ابن أخيه إلى مصر, ولم يهدأ له بال حتى عرف أن خاير بيك المملوك قد قتله . طبعاً هذا القتل الفظيع الذي مارسه سليم على إخوته, وعلى أبيه المريض من قبل كان استجابة لتعليم من تعاليم السيه ياه سيه بأن لا يكون أخ حي للسلطان قد ينافسه يوماً . ومن الملاحظ أن الأسر الحاكمة الإسلامية كلها ليست فيها أسرة تجاوزت المئتي عام في الحكم, فالأموية قاربت التسعين عاماً, والعباسية قاربت المئتي عام وكذلك الفاطمية... الخ .والأسرة الوحيدة التي طال زمن حكمها حتى طاول الستمئة عام كانت الأسرة العثمانية, وما ذلك إلا لالتزامها بالسيه ياه سيه المغولية التي لا تسمح بوجود أخ ربما يكون منافساً للسلطان . مما تقدم كله نلاحظ أن نظام الحكم في الإسلام والذي لم يضع قاعدة للحكم وتوارثه وانتقاله، ولم يضع قانوناً للانتخاب واختيار الحاكم, وقع ضحية لقانون العنف المغولي, وكثير من الحكام في الحضارة الإسلامية انتهوا بالقتل, والسؤال :لماذا يمكن اختصار تاريخ الحكومات في حضارة الغرب بمات الملك عاش الملك, واختصار تاريخ الحكومات في الحضارة الإسلامية بمات الملك فاصطرع الورثة, ولماذا اختصر الغرب الأمر بإقامته الماغنا كارتا والعقد الاجتماعي والكونستيتيوشن أو الدستور الأميركي والانتقال السلمي للسلطة فارتاح وأراح . وأبت الحضارة العربية إلا البحث عن جذر إلهي ديني للحاكم بما يعنيه هذا من يد مطلقة في الحكم واستباحة للدم والمال الأمر الذي ينتهي دائماً بـ (اصطراع الورثة). |
|