عن اوباما والقنبلة الايرانية

يبدو للوهلة الاولى ان القنبلة التي أطلقتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية على طهران وقعت على واشنطن خاصة وفي وقت سيء قبل سنة من الانتخابات. في ذروة مواجهة ازمات الاقتصاد الامريكي وأمراضه، وهو يواجه تحديا جمهوريا صعبا (إزاء المرشح المثير ميت رومني)، وجد اوباما على مائدته مسدس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي ينبعث الدخان منه، والذي أزال بدفعة واحدة الغموض عن نوايا ايران في المجال الذري. انه فضلا عن أن هذا الامر قد يجر البيت الابيض الى ميدان حاول ان يبتعد عنه، فان ملف البراهين الساطعة الذي كشف النقاب عنه قد يجعله يقف في موقف دفاع عن نفسه في مواجهة المعسكر الجمهوري الذي اتهم الرئيس منذ زمن قريب بسلوك مهادن للتهديد.
والى ذلك وبرغم أن العالم قد بُشر في المدة الاخيرة فقط بتكثيف الوجود الامريكي في ميدان الخليج ليكون وزنا يعادل الانسحاب من العراق، فان توجه واشنطن العام هو الامتناع قدر المستطاع عن التزامات عسكرية جديدة.
وعلى ذلك فان ضرورة الاستعداد لمواجهة ايران مثقلة ومثبطة. هذا الى جانب ان تشديد النهج في مواجهة المستنتجات يكمن فيه خطر الاشتعال العسكري الذي أخطاره بالنسبة لاوباما محسوسة وشديدة. فالتصعيد في الجبهة الايرانية قد يُثبط جهود الرئيس لمد يد المصالحة الى العالم الاسلامي ويولد في نفس الوقت موجة ارهاب على أهداف امريكية ويعيد الأمة الامريكية الى عهد حاولت الابتعاد عنه ألا وهو تهديد الارهاب العالمي. وان الارتفاع المتوقع ايضا لاسعار النفط العالمية بعد الوقف المحتمل لتيار النفط الايراني في أعقاب عملية عسكرية قد يزعزع ويضعضع اسواق العالم ويُدخل الاقتصاد العالمي في دوار ايضا. وفي هذا السياق يوجد منطق في مُضي امريكي حتى النهاية وتشديد العقوبات الى جانب العودة الى نهج عبر عنه نائب الرئيس بايدن قبل نحو من سنتين وهو منح اسرائيل 'ضوءا أصفر' في كل ما يتعلق باثارة الخيار العسكري الى مقدمة المسرح باعتباره جزءا من استراتيجية الردع ومدخلا الى تحقيق سيناريو أكثر استعمالا للقوة (إما من قبل واشنطن وإما بتأييد منها). ستُبين الشهور القريبة هل سيشدد اوباما سياسته في المجال الايراني ليواجه بنجاح التحدي الذي لم يعد يستطيع التهرب منه. اسرائيل اليوم
وكما ألمحت وزيرة الخارجية كلينتون في الاونة الاخيرة فان مركز اهتمام الولايات المتحدة في المستقبل يفترض ان يكون علاج التهديد من قبل بكين لمصالح استراتيجية حيوية في الساحة الخلفية للصين، لا في سياق ما في الشرق الاوسط.
مع ذلك تشير نظرة متعمقة في التقرير الى نافذة الفرص لاوباما. فالتهديد الايراني قد يمنح الرئيس خشبة القفز الضرورية ليجعل نفسه زعيما صارما بخلاف صورته المترددة التي أوحى بها في علاج الازمة الليبية، حينما جُر الى الهجوم الجوي بقيادة بريطانيا وفرنسا.
ليس الحديث حتى الآن، في المرحلة الحالية عن مبادرة عسكرية بالفعل بل عن المبادرة وعن التطبيق لطائفة بعيدة المدى من العقوبات الاقتصادية تشتمل على عقاب شركات (ومنها صينية) تزود ايران بمكررات النفط، وكذلك شل الجهاز المالي الايراني. وبعبارة اخرى، يوجد حتى في مواجهة تحفظ الصين وروسيا اللتين قد تُفشلا عملا قتاليا اقتصاديا مؤلما في مجلس الامن، يوجد مجال مداورة للادارة لتعمل على صورة أحادية ومع انشاء تحالف اوروبي واسع ايضا.
يستطيع اوباما وبين يديه الانتخابات ان يحظى بنقاط في صعيد القيادة كما هو مناسب لمكانة القوة العظمى، وبخاصة إزاء رؤيا العالم المجرد من السلاح الذري التي سنّها.