عندما يتحرك الذئب الجمهوري

 

وجّه الناخبون الأميركيون توبيخاً مفهوماً إلى الديمقراطيين، فهناك 30 مليون شخص يبحثون عن عمل، والأجور تنخفض، وملايين المنازل تعرض للبيع بأقل من تكلفتها. وبات الاقتصاد في حالة فوضى، ولم يتم إصلاحه. دفع الديمقراطيون الثمن.

وخاض الجمهوريون الانتخابات، بالطبع، كذئاب في إهاب حملان. وبعد أن أفاقوا على تحديات حزب الشاي في الانتخابات التمهيدية، أصبح المرشحون الجمهوريون فجأة مدافعين عن حقوق الشعب.

واتهموا الديمقراطيين بأنهم يزيدون من معدلات العجز لإنقاذ المصارف دون أن يفعلوا أي شيء حيال الوظائف، حتى إن رئيس مجلس النواب الجديد «جون بوينر» التقى أعضاء جماعات الضغط المصرفية لإقناعهم بأن الجمهوريين هم حماة لهم.

والآن سوف يشهد الناخبون تخلي الحملان عن إهابها وظهور الذئب. هل تذكرون الحديث عن العجوزات؟ فلننس ذلك، فالأولوية القصوى بالنسبة للجمهوريين هي توسيع نطاق جميع تخفيضات الضرائب من عهد بوش، بما يضيف تريليون دولار إلى العجز القائم على مدى 10 سنوات مقبلة لسداد التخفيضات الضريبية الإضافية الممنوحة لمن تزيد دخولهم على 250 ألف دولار سنوياً.

وثاني أولوياتهم هي التخلص من ضريبة العقارات التي لا تنطبق إلا على الأسر الأكثر ثراءً في أميركا. ويوصف هذا بوقار بأنه دفاع عن الشركات، والمزارع الصغيرة من الزيادات الضريبية في زمن الركود.

ولكن الحديث يدور هنا عن محاميي شركات وأطباء في رغد من العيش، وليس عن شركات عائلية. والجمهوريون لا يرغبون في تمديد التخفيضات الضريبية من أجل زمن الركود فحسب، وإنما هم يريدون جعلها تخفيضات دائمة.

هل تذكرون الموقف بشأن عملية إنقاذ البنوك؟ فلننس ذلك أيضاً. فقد كان إنقاذ البنوك برنامجاً جمهورياً تمت الموافقة عليه في عهد جورج بوش، وجرى تمديده في عهد أوباما. وعلى الأقل، فقد دفعت إدارة أوباما، في مواجهة العرقلة الموحدة من قبل الجمهوريين، من أجل فرض قيود على وول ستريت، بما في ذلك إنشاء مكتب الحماية المالية للمستهلك.

والذي سوف يوفر بعض أشكال الحماية للمستهلكين من إساءة المعاملة من قبل المصارف وشركات التأمين، وجهات الإقراض وما شابه ذلك. والآن أصدر «سبنسر باكوس»، النائب عن ولاية ألاباما والمرشح الأقوى لتولي منصب الرئيس الجديد للجنة الخدمات المالية في مجلس النواب، رسالة يتحدى فيها تشريعات المشتقات المالية، وهي الأمور نفسها التي وصفها «وارن بوفيت» ب«أسلحة الدمار الشامل المالية». ويتطلع الجمهوريون إلى إضعاف أو إلغاء مكتب المستهلكين.

ماذا عن تخفيضات الإنفاق؟ كان الوعد الجمهوري الأكثر واقعية عبارة عن مهلة توقف لمدة عام واحد وهي خطوة رمزية في أحسن الأحوال، وتافهة بالمقارنة مع الإنفاق والعجوزات الاتحادية. ومع ذلك، فإن هذا الرمز لم يفلح مع برنامج «التعهد» الجمهوري، وهي التي أطلقها الجمهوريون في وقت لاحق من الحملة. ويبقى أن نرى ما إذا سيصمد وسط الأولويات الجمهورية.

وما يبدو أنه يعد به زعيم الأغلبية المقبل «كانتور إيريك» النائب عن ولاية فرجينيا، هو هجوم على أشد الفئات ضعفاً في المجتمع الأميركي. وفي المنصة التي أطلقها خلال خوضه السباق للحصول على منصب زعيم الأغلبية، كرر دعوته إلى إلغاء ما تبقى من الإنفاق الوارد في قانون الانتعاش، ومعظمه إنفاق على البنية الأساسية، إلى خفض 20؟ من الإنفاق الاستهلاكي المحلي غير الأمني (كل شيء ما عدا الاستحقاقات والفوائد على الدين القومي).

إلى أين يستهدف توجيه سلاحه؟ ليس إلى الإعانات لشركات النفط الكبرى. وليس إلى الحظر الأحمق الذي منع برنامج الرعاية الطبية من التفاوض على خفض أسعار الأدوية. وليس إلى الهبات المقدمة للشركات الزراعية.

لا، فهو يدرج سلسلة من التخفيضات المحتملة، بما في ذلك إلغاء القانون المتقدم لائتمان ضريبة الدخل المكتسب للعمال ذوي الأجور المنخفضة، وخفض مبلغ كبير بقيمة 25 مليار دولار من الدعم للأمهات الفقيرات والأطفال (ومن غير الواضح ما الذي يسفر عنه ذلك). كذلك يواجه اقتراح توسيع نطاق التأمين ضد البطالة معارضة، وتفيد التقارير الصحافية أن الإنفاق على برنامج دعم التعليم والتغذية للأسر منخفضة الدخل، وعلى التعليم والصحة العامة سوف يكون هدفاً لإجراء تخفيضات كبيرة.

لقد خرج الذئب. ولا يمكن للفقراء والعاطلين عن العمل والأطفال أن تقبلوا هذه الأولويات في صمت. وحتى اللحظات الأخيرة من حياته، كان الدكتور «مارتن لوثر كنغ» يعكف على تأسيس حملة شعبية للفقراء.

فقد كان يعتقد بأنه لأمر جوهري لجلب الفقراء، من جميع الأطياف، الدينية والعرقية، إلى واشنطن، جنباً إلى جنب مع أصحاب الضمائر، للمطالبة بالحقوق الأساسية، والتي تتمثل في الحق في العمل، والحق في أجر يعين على المعيشة، والحق في تعليم لائق، والحق في الرعاية الصحية.

الآن، في أميركا التي وصمت بظلم شديد لم تشهده منذ عهد الأثرياء المبتزين، فإن الأغلبية المحافظة الجديدة في مجلس النواب تريد الإسراف في مزيد من الإعفاءات الضريبية الأثرياء وتقديم الإعانات لصالح الشركات القوية، في حين يتم خفض القدر اليسير المتبقي من الدعم للفئات الضعيفة.

لا يجب أن يسمح لهم بالقيام بذلك دون احتجاج. يجب أن يرى الأميركيون وجوه وكرامة الضعفاء الذين طالهم الضرر. ويجب أن تسمع واشنطن، من الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب إلى الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ إلى البيت الأبيض، مرة أخرى المزيد من الأصوات من خارج واشنطن . فقد حان الوقت للقيام بمسيرة.


 جيسي جاكسون - مرشح سابق للرئاسة الأميركية

جريدة القدس