عندما يصبح التعذيب روتينا

في كل مرة يكشف موقع ويكيليكس حقائق للرأي العام، حول الحرب في أفغانستان ثم حول العراق، فإنه يتهم بالتحيز والافتقار إلى المسؤولية. كان وزير الدفاع الأميركي «روبرت غيتس» قد صرح في التاسع والعشرين من تموز الماضي أن كشف 90 ألفاَ من الوثائق السرية حول الحرب في أفغانستان يعرض حياة الأفغان للخطر. |
وبعد مرور أقل من أسبوعين، اعترف «غيتس» في رسالة إلى «كارل ليفين»، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، بأن التسريبات لم تكشف عن أي أسرار استخبارية قومية هامة. |
ولم تكشف وزارة الدفاع الأميركية حتى تاريخه عن أي «مصادر استخبارية حساسة وأساليب تعرضت للخطأ بسبب هذا التسريب». وهذا يوقف توجيه التهمة نفسها الآن فيما يتعلق بالإفراج عن 400 ألف وثيقة تقريبا حول بالعراق. |
لقد بذلت محاولات كثيرة لتبرير غزو العراق، ولكن إحدى أكثر هذه المحاولات شيوعاً وإثارة للسخرية كانت، بغض النظر عن عدم وجود أسلحة دمار شامل، تدور حول وضع حد لوحشية نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ويعتبر واجبا أخلاقياً. حسناً، الآن بين أيدينا شواهد، وهي من أوساط مسؤولة بشأن الاستخدام المنظم للتعذيب على يد الحكومة العراقية التي أسستها الولايات المتحدة بدلا من نظام صدام. |
ويبدو أن أسوأ الممارسات من عهد صدام لم تمت معه، وبينما تظهر سجلات عديدة قيام أعضاء في التحالف بمحاولات أصيلة من أجل وقف التعذيب في السجون العراقية، من الواضح ما بذلوه من جهود كان متقطعاً وفاتراً. في أسوأ الظروف، يمكن للمرء الاستنتاج بشكل منطقي أن مجموعة قائمة على التعذيب والبلطجة قد حلت محلها أخرى. |
كل ما هنالك أن هذه المجموعة قد حظيت ولا تزال تحظى بغطاء سياسي: مثل غطاء الأمر العسكري «فراغو242» الذي ينص على عدم قيام قوات التحالف بالتحقيق في أي خرق لقوانين الحرب، مثل إساءة معاملة المحتجزين ما لم تكن قوات التحالف طرفا مباشرا فيه، وغطاء جميع هذه التقارير يخلص إلى نتيجة محددة هي: «لا مزيد من التحقيق»، وغطاء الزعم بأن الولايات المتحدة لا تحتفظ بسجلات للمدنيين الذين قتلوا. |
وهذا الإدعاء الأخير يتعارض بشكل كبير سجلات الحرب التي تظهر أن هناك أكثر من 109 آلاف قتيل في أحداث عنف منذ عام 2004 وحتى نهاية عام 2009، وهو العدد الذي يشمل، وفق بيانات هيئة الإحصاء العراقية 15 ألف قتيل من المدنيين غير مسجلين. إن حرب العراق ليست حرب باراك أوباما. فهو ليس جورج بوش، ولكن هناك ظروفاً مثل تلك، التي تتصرف من خلالها إدارته كما لو كان هو الذي وجه الأمر بذلك. |
والتقارير المستمرة بشأن إساءة معاملة المحتجزين في العراق ليست صراحة في مصلحة بلد سوف يواصل إيواء عشرات الألوف من القوات في العراق كمدربين ومستشارين في مرحلة ما بعد الصراع. |
وقد كان رد فعل الحكومة العراقية على نشر سجلات الحرب مزدوجاً، حيث كان عبارة عن غضب من مكتب نوري المالكي، الذي اتهم موقع ويكليكس بمحاولة تخريب جهود رئيس الوزراء الحالي لتشكيل حكومة جديدة، ومن ناحية طمأنة وزارة الداخلية العراقية بأنها سوف تتابع جميع التقارير المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان. ومن بين الوجهين السابقين، فإن الأول هو الأكثر مصداقية. |
فلم إذا ينبغي على السلطات العراقية أن تكون أكثر حرصاً على الاحتفاظ بأدلة الجرائم التي ارتكبتها قواتها، من الولايات المتحدة لمقاضاة مجرميها المزعومين؟ |
فالملاحقات القضائية لهؤلاء المتورطين في قضية إطلاق النار من شركة الأمن الخاص «بلاك ووتر ورلد وايد» في ميدان بغداد التي قتل فيها 17 عراقياً تنهار. وميدان المعركة قد لا يكون مكاناً مهيأ للحفاظ على الأدلة، ولكن مجرد الافتقار إلى الاهتمام الرسمي يعتبر معدياً. |
بعد كشوفات ويكليكس بم يبدأ الكونغرس أي تحقيق بشأن الانتهاكات الأميركية في الحرب على العراق، والتي جعلت كبير المحققين في الأمم المتحدة المعني بقضية التعذيب، «مانفريد نواك»، يطالب أوباما بأن يأمر بإجراء تحقيق كامل.
THE GUARDIAN |