عيسى و البدوي والنظام

 

إبراهيم عيسى صحفي مصري يتمتع بصفات قلما تتوفر في المصريين عموماً، أولاها الموهبة الفائقة في عمله الصحفي التي يجمع عليها من يحبه ومن يعاديه، والخاصية الثانية هي الشجاعة الفائقة في مواجهة الظلم الذي يلقاه الشعب المصري الذي ينتمى إليه، والصفة الثالثة هي حبه الشديد لعمله ولمن يعمل معه، بحيث استطاع دائماً أن يجعل من الفسيخ شربات وأن يطور فكره إلى حقيقة ناجحة فى أصعب الظروف وبأقل الإمكانيات، وأخيراً فهو رجل شديد الوطنية يحب مصر ويعمل من أجلها فقط ويدافع عنك إذا كنت على حق ويهاجمك في اليوم التالي إذا اقتنع أنك على خطأ.

أما السيد البدوي فكنا نسمع اسمه نادراً كسكرتير مساعد لحزب الوفد، ثم سمعنا اسمه كثيراً عندما افتتح سلسلة قنوات فضائية مصرية، ثم سمعنا عنه أكثر حين نجح فى انتخابات ديمقراطية لرئاسة حزب الوفد، وكان هذا النجاح والصورة الديمقراطية التي ظهر بها عاملين مذهلين في تحسين صورة حزب الوفد وانضمام كثير من الشخصيات المصرية المعروفة والمحترمة له.

وقد كتبت في «المصري اليوم» أبدي إعجابي بالانتخابات الديمقراطية للوفد، وفي الوقت نفسه قلت إن الزمن القريب سوف يظهر إذا كان ما حدث في حزب الوفد طريقاً لأن يصبح هو حزب الشعب المصري الذي يناضل من أجل الديمقراطية ومن أجل مستقبل أفضل لمصر أم سوف يصبح حزباً يأتمر بأمر النظام ويكمل الصورة الفلكلورية لديمقراطية مزيفة.

أما النظام فهو مسيطر أمنياً فى كل خرم إبرة على مصر، وقد أدى ظهور جمال مبارك كمرشح محتمل للرئاسة لغضب شديد فى الشارع المصري زادت منه المشاكل الاقتصادية الرهيبة التي أثرت على فئات واسعة من المصريين، بالإضافة إلى الفساد الذى أصبح سداح مداح، وزاد من المشكلة اتساع حجم المعارضة في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، فبدأت الحكومة بإعلان أن الرئيس هو المرشح للرئاسة ثم بالهجوم على قناة أوربت لتحجيم برنامج «القاهرة اليوم»، ثم على قناة «أون. تى. فى» التليفزيونية بعد أن ضغطت على صاحبها لإيقاف التعامل من النجم إبراهيم عيسى، ثم ضغط النظام على صاحب قناة «دريم» لتخفيض أي معارضة في أهم برنامج في مصر لمذيعته الرائعة والموهوبة منى الشاذلي، وذلك إلى أقل حيز ممكن والتحول من الموضوعات السياسية إلى الموضوعات الاجتماعية كلما أمكن ذلك.

ثم جاء موضوع جريدة «الدستور» الذي أصبح واضحاً أنه تم بتخطيط من النظام لأنه من غير الممكن أن رجل أعمال كبيراً يرأس حزباً ويرأس مجلس إدارة جريدة يفكر في شراء جريدة أخرى. السبب الوحيد هو أنها خطة أصبحت واضحة المعالم، عندما أقال إبراهيم عيسى في أول يوم لتسلمه رئاسة مجلس الإدارة رسمياً بطريقة غاية في السوء وتنم عن أن هذا الرجل الذى كان يظهر دائماً بمظهر الشخصية المؤدبة والمهذبة، فجأة تصرف بطريقة مختلفة. إذا كان الأمر مشروعاً تجارياً وهو رجل أعمال، فإن إبراهيم عيسى هو الوحيد القادر على النجاح التجاري للجريدة، أما إذا كان الأمر غير ذلك وأن هناك أوامر قد يكون تلقاها رئيس حزب الوفد فهذه تكون كارثة.

هناك اعتقاد جازم لدى الشعب المصري بأن النظام هو الذى خطط لشراء «الدستور» من صاحبها الأصلي، أما العشرون مليوناً التى تم دفعها من البدوي وإدوارد فممكن أن يسترداها بسهولة بطرق غير مباشرة من الدولة التي سبق أن جاملت بعض رجالها بمليارات الجنيهات، فليس صعباً أن تجاملهما وتعوضهما الطاق طاقين.

لقد قرر دهاة النظام التخلص من «الدستور» بهذه الطريقة التي كانوا يعتبرونها «شيك» ولا علاقة لها بالدولة، وفي الوقت نفسه كانوا يريدون فضيحة للسيد البدوي لأنه ربما يعتقد ولو للحظة أنه فعلاً رئيس حزب معارض ويستطيع أن يقول «لا» للنظام وبهذا يعرف جيداً مكانته وعلاقته مع الدولة.

وأنا لست مستغرباً مما فعلته الدولة في موضوع «الدستور»، ولكن ما أذهلني هو كيف ابتلع السيد البدوى الطعم، فرجل الأعمال الحصيف الذي أعطى صورة ممتازة لنفسه إعلامياً أثناء وبعد انتخابات رئاسة الوفد، حتى إن البعض تخيل أنه فعلاً مناضل للدفاع عن الديمقراطية - كيف يقع في هذا المطب الذي قضى على صورته السياسية بصفة نهائية بعد أن تلقى هذه الضربة القاضية من الذين ضحكوا عليه و«لبّسوه العمة»؟!

فالنظام قد نصب فخاً للسيد البدوي ليعرف الجميع أين موقعه بدقة، وهل هو فعلاً رئيس حزب معارض.

أما الخاسر الأكبر فهو حزب الوفد، لأن الحزب بعد فؤاد سراج الدين أصبح حزباً يستمع لأوامر النظام، ولكن كانت هناك شعرة بسيطة من الاستقلال ولكن الآن اتضحت أشياء كثيرة كان الكثيرون يشكّون فيها بدون دليل، والآن أصبح موقف الحزب واضحاً بدءاً من الانتخابات البرلمانية القادمة التي سوف ينجح فيها الحزب ليحتل مكان الإخوان وليصبح معارضة لطيفة مهذبة، ولكنها ممكن أن يكون لها صوت زاعق في بعض الأمور التافهة، أما عند الجد فالأوامر سوف تأتي من فوق.

عزيزى إبراهيم عيسى، أنت صحفى موهوب ومحترم وشريف وأمين ولا يمكن أن يتحملك أي نظام فاسد سواء كان حكومة أو معارضة.

 لقد أغلقت «الدستور» مرة سابقة وعادت أقوى من أول مرة بعد سنوات، وها هى فى طريقها إلى الإغلاق للمرة الثانية. وفي النهاية أقول لإبراهيم والسيد البدوي إنه ليس مهما أن يكسب الإنسان كل شيء ويخسر نفسه.

أرجو أن يعطيني الله العمر لأرى «الدستور» تصدر برئاسة إبراهيم عيسى بعد أن تتحرر مصر من الاستبداد والفساد، ولن يحدث ذلك إلا بأن يدافع المصريون عن وطنهم صفاً واحداً.

  

 المصري اليوم - د. محمد أبو الغار