"عيون في غزة"

"نزعت الورقة التي غطت الجثمان..ساقاه كانتا (في مهب الريح )، طارتا نتيجة الانفجار (...) كانت هناك علامات للحروق الناتجة عن أضرار ألحقتها النار في العظام (...) إنه لا ينزف، و الكثير من الأنسجة المتبقية قد ماتت"، هذه كانت بداية الحكاية ليست فقط للطفل الفلسطيني الجريح بل لقصة كتاب ألفه طبيبان نروجيان.
فلم يكتف الطبيبان النروجيان مادس جلبرت وإيريك فوسا بما قدماه من خدمات طبية لعلاج جرحى العدوان على غزة أواخر العام 2008 بل أصرا على نقل الحقائق التي يجهل العالم الكثير عنها إلى العالم الخارجي من خلال كتابهما كتاب "عيون في غزة " الذي يحتوي على كثير من الصور المؤلمة والوحشية، ويقدم لمعاناة سكان غزة، وما تكبدوه خلال ثلاثة أسابيع من الهجمات العسكرية الإسرائيلية.
ولكن لماذا هذا الكتاب؟ يصف الطبيبان الكتاب والحاجة إليه بقولهما على غلافه الأخير: "إنه قصة إنسانية عميقة تهز الإنسان، تتحدث عن الصدمة والألم والجحود من ناحية، وعن البطولة والمعاناة والتضامن من ناحية أخرى؛ فخلال 22 يوماً من الهجوم العسكري والطويل ضد السكان المحاصرين في قطاع غزة 2008-2009، قتل أكثر من 1400 فلسطيني، من بينهم المئات من الأطفال، كما أصيب أكثر من 5000 شخص بجروح".
وقد صدرت الترجمة العربية للكتاب حديثا بعد أن صدر باللغة النروجية وعدة لغات حيث ترجمته الكاتبة المغربية زكية خيرهم ونشرته دار الشروق الأردنية كما عرضت له نادية سعد معوض ونشره مركز الزيتونة للدراسات و الأبحاث.
والكتاب يمثل وثيقة مهمة، ورواية درامية تدور أحداثها في أروقة وعنابر وغرف العناية وعمليات مستشفى الشفا، وشهادات الكاتبيْن تعيد للحياة قصة وتسجلها من أجل أن "لا تستعصي على النسيان".
وحظيت غزة بتعاطف دولي مع معاناتها التي بدا العالم يتلمس معالمها ويتحدث عن ويلاتها ما دفع المخرج السويدي "بيو هولمكفيست" أن يطلق على فيلمه الوثائقي الأخير اسم "غزتي"، لتوضيح طبيعة علاقته بالمدينة، التي ظل يزورها وينجز أفلاما عنها طيلة ثلاثين عاما.
ويروي الكتاب أيضاً كيف كانا يحملان ويجمعان الأجساد والأشلاء والجثث المحترقة والممزقة نتيجة القنابل الإسرائيلية دقيقة التوجيه اذ "سقط أكثر من 300 طفل ضحايا لتلك القنابل الذكية والفسفورية التي استخدمتها آلة البطش الصهيونية في العدوان على غزة".
ومن أصعب ما صادفاه "اتخاذ قرار ببتر عضو مصاب فكيف عندما يتعلق الأمر بحياة زهور وبراعم ستواجه مصير عيش بقية حياتها من دون طرف أو أطراف لتشهد على فظاعة الحرب، وهنا تظهر المعضلة بين الحفاظ على حياة المصاب الطفل أو الصبي بكامل أطرافه وبين خيار قطع الطرف الذي يهدد حياته".
وجاء في الكتاب " ما أظهرته وسائل الإعلام يمثل فقط القشرة الخارجية للواقع وللحقيقة ،فهنا نحن نرى صوراً للقنابل والسيارات ولأقارب المرضى البائسين..إنها الحقيقة التي يجب أن لا تنسى".
شام نيوز - جريدة القدس