غاتيلوف : نحن لا نريد تكرار المأساة الليبية في سورية

أكد غينادي غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسي الذي استضافه برنامج " حديث اليوم" ان مؤتمر "جنيف -2" يجب ان يكون لكل السوريين وان قرارات حقوق الانسان منحازة ضد الحكومة السورية ، لكنه أشار أيضا الى ان المشاورات مع الامريكان ايجابية ولا عودة للحرب الباردة مع الامريكان. وقال غاتيلوف اننا لا نريد تكرار الماساة الليبية ويجب عقد " جنيف -2 " بمشاركة جميع الاطراف السورية وكذلك بمشاركة ممثلي دول الجوار وايران. وحول قرار مجلس حقوق الانسان في جنيف حول القضية السورية قال غاتيلوف انه لم يكن القرار الاول او الوحيد الذي إتخذه  مجلس حقوق الانسان بخصوص سورية.

القرار الاخير لا يختلف كثيرا عن قرارات الدورات السابقة لمجلس حقوق الانسان؛ كلها  احادية الجانب توجه  النقد بانتهاكات حقوق الانسان الى  الجانب السوري الحكومي الامر الذي لايطابق  الواقع، لان كلا طرفي النزاع السوري المسلح  يتحملان المسؤولية كما يعرف هذا كل العالم .  فبنفس القدر ترتكب الفصائل المسلحة انتهاكات حقوق الانسان وقد رصد عدد من المنظمات غير الحكومية المعنية بقضايا حقوق الانسان وقائع كثيرة بهذا الصدد .

أما موقف روسيا فهو  متواصل وثابت ومبدئي . نحن  نعتقد ان حقوق الانسان لا تقبل التجزئة وان حمايتها  تقع على  الجميع وبشكل خاص الاطراف المتورطة في النزاعات المسلحة  وهذا ما يجري بالضبط في سورية . لذلك  نعتقد ان القرارات المتخذه في جنيف والتي تدين الحكومة السورية لا تسمح بخلق مناخ مناسب في اطار البحث  عن تسوية سياسية للازمة السورية .وهذا ما يؤكد عليه  السيد  لافروف وزير خارجية بلادنا. الموقف الروسي يستند الى الحقائق وينطلق من واقع ان القرارت الاحادية الجانب  لن تفضي الى عقد مؤتمر للسلام او ما يصطلح عليه الان باسم " جنيف -2"- المؤتمر الذي نسعى باخلاص ونزاهة للتحضير له وعقده. 

وفيما يتعلق باللقاء الثلاثي لبحث موضوع مؤتمر جنيف قال غاتيلوف: كان هذا اللقاء الثاني ضمن صيغة الترويكا ، واعني بذلك بين ممثلي روسيا والولايات المتحدة والامم المتحدة، والهدف من المشاورات تحديد صيغة مؤتمر "جنيف-2". وكما تعلمون فان الدعوة للمؤتمر جاءت على لسان وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة اثناء زيارة الوزير جون كيري الى موسكو في السابع من مايو /حزيران الماضي.  وشكلت تلك الدعوة حافزا للبحث عن تسوية سياسية للنزاع في سورية. 

وكما أسلفت فقد اجرينا جولتين من المشاورات مكرسة لتحديد الاطراف التي ينبغي ان تشارك في "جنيف -2" سواء  من ممثلي الفرقاء السوريين او ممثلي اللاعبين الخارجيين. كما ناقشنا طائفة من القضايا التنظيمية للمؤتمر المزمع عقده. وقد توصلنا الى تفاهمات مشتركة في الكثير من القضايا وتولد لدينا  الانطباع بان الشركاء الامريكان يؤمنون بالعمل المشترك معنا ومع منظمة الامم المتحدة لتحديد هدف وابعاد مؤتمر "جنيف-2" . ان هذا يمثل موقفا ايجابيا برأينا .  من الامور الرئيسية التي جرى الاتفاق عليها ان المؤتمر سيعقد  برعاية الامم المتحدة وان يشارك في اعماله ممثلون عن الحكومة السورية وآخرون  عن المعارضة  كما بحثنا مسألة  تحديد  الاطراف الاقليمية التي ينبغي ان تشارك في المؤتمر من منطلق انها تلعب دورا لايمكن اغفاله في الازمة السورية، ويمكن ان تسهم مساهمة فعالة في البحث عن تسوية سياسية للنزاع.  للاسف فقد ظهرت اثناء المشاورات مع الشركاء الامريكان خلافات ليست بالقليلة .  بل لابد من القول انها تباينات  في النظر الى عناصر وآليات المؤتمر المزمع عقده. وتركز التباين حول الاطراف الاقليمية التي يتعين ان تشارك في المؤتمر. وروسيا تؤمن بضرورة  مشاركة  جميع دول الجوار السوري . هذه البلدان على علاقة مباشرة  بتطورات  الداخل السوري ويمكنها التاثير فيه كالاردن ولبنان والمملكة العربية السعودية وقطر وجامعة الدول العربية بالطبع وايران التي تمتلك ثقلا موازيا ايضا.  وليس خافيا  ان الجميع يعترفون بان لايران دورا اقليميا واضحا في الشأن السوري. لكن الشركاء الامريكان لديهم موقف مغاير فهم يعتبرون ايران لاعبا سلبيا غير بناء في النزاع السوري ويرفضون مشاركة طهران في مؤتمر "جنيف-2" بزعم ان  المشاركة الايرانية لن تأتي بفوائد. نحن نقولها بصراحة ووضوح اننا نختلف عن وجهة نظرهم - بل بالعكس نؤكد ان مشاركة دولة اقليمية مؤثرة مثل ايران  تملك تاثيرا في النزاع السوري  امر يساعد على تحقيق نتائج ايجابية لدى البحث عن حل سياسي للنزاع السوري. القضية الاخرى تتعلق بطرفي النزاع السوري . فالجانب الحكومي الامر موقفه واضح. اذ  اعلنت  دمشق رسميا عن دعمها لفكرة عقد مؤتمر "جنيف -2"بل انها سمت  مبعوثيها الى  المؤتمر. اما المعارضة السورية فاننا لم نتلق من شركائنا اية اشارات بانها مستعدة من   حيث  المبدأ للمشاركة في مؤتمر جنيف . ولم يحددوا  اشخاصا بعينهم لتمثيل المعارضة .ان موقفا كهذا يعرقل  التحضير للمؤتمر. ان الخلاف بشان  المشاركة الايرانية وعدم وضوح موقف المعارضة السورية من المؤتمر لن يساعد في انجاح الجهود الرامية للتعجيل بعقد "جنيف -2" . روسيا تدعو لان  يضم وفد المعارضة السورية جميع الفصائل والجماعات لان  المعارضة في سوريا تتألف من عدة فصائل لاتملك منطلقات موحدة باستثناء ان الجميع يطالبون برحيل  بشار الاسد عن المسرح السياسي. اما في القضايا الاخرى فان المعارضة السورية متشرذمة واذا ما شارك فصيل معارض في المؤتمر دون غيره فان ذلك يعني ان التمثيل سيكون ناقصا ولايعكس الواقع  وفي حال  صدرت قرارات او توصيات عن  المؤتمر في غياب التمثيل الواسع للمعارضة فان هذه التوصيات او القرارات ستذهب ادراج الرياح ولا تعكس رؤية جميع الفرقاء السوريين.  

وستكون غير قابلة للحياة ويستمر النزاع المسلح. هاتان القضيتان بحاجة الى محاورات معمقة مع شركائنا الامريكان ونطالب الجانب الامريكي بان يوضح لنا موقف المعارضة السورية التي يمارس الامريكان تأثيرا عليها.  ويبدو لنا ان الجانب الامريكي لم يحقق نتيجة في الحصول على موقف من المعارضة ازاء المشاركة من عدمها في مؤتمر جنيف اثنان.  وفيما يخص اقصاء ايران عن المؤتمر واجتماع المعارضة السورية في اسطنبول  قال غاتيلوف : نأمل ان لا تصبح هذه القضية عقبة كأداء في موضوع جنيف. 

ونتوقع  في حال توصلنا مع شركائنا الامريكان الى تفاهمات بشان القضايا قيد البحث فانه من المتوقع ان نتوصل الى تفاهم معهم حول مشاركة ايران. نعم المعارضة السورية تلتقي في اسطنبول ليس للمرة الاولى وفي كل مرة يلتقون ينتهي اللقاء دون نتائج. نحن نتطلع لان تتخذ المعارضة السورية موقفا واضحا من المشاركة في مؤتمر "جنيف -2" وان تسمي مندوبيها الى المؤتمر ... مندوبون يمثلون  الطيف السياسي الواسع للمعارضة بمن في ذلك معارضو الداخل السوري ومعارضو الخارج.. فنحن نعرف ان تعامل معارضة الداخل يختلف  تماما عن  تعامل معارضة الخارج ازاء طائفة واسعة من القضايا موضع الخلاف. من الصعب ان نتخيل الان كيف سيجد المعارضون أرضية مشتركة وبدون هذه الارضية المشتركة لا يمكن التعويل على نجاح المؤتمر.

وذكر غاتيلوف حول موعد عقد مؤتمر جنيف :من المبكر تحديد  موعد للمؤتمر . في اثناء قمة مجموعة الثماني في ايرلندا الشمالية شدد  البيان الختامي على ان الدول المشاركة تدعو الى عقد مؤتمر "جنيف -2" باسرع وقت ممكن بمعنى ان الثماني الكبار لم يحددوا موعدا .وهذا امر مفهوم فمن الصعب تحديد مواعيد على خلفية غياب التفاهمات حول القضايا الرئيسية التي تتحكم باجندة المؤتمر.  تحدثنا قبل قليل عن اجتماع المعارضة السورية في اسطنبول وعلينا ان ننتظر عما سيسفر عنه.  ان شهر رمضان الكريم على الابواب  ومعروف ان الحياة السياسية تركد  خلال هذا الشهر في العالم العربي وعليه من غير الممكن توقع عقد المؤتمر في هذا الشهر، اضف الى ذلك الاحداث التي تعصف ببلدان الشرق الاوسط . لكننا نأمل في التوصل الى تفاهمات تفضي الى عقد المؤتمر . 

ونفى غاتيلوف احتمال عودة العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة الى ازمان الحرب الباردة وقال: مثل هذه الطروحات تظهر في وسائل الاعلام لكنني لا اريد ان اصف العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة بانها عودة الى الحرب الباردة.نحن  نسعى لخلق مناخات ايجابية للتفاهم ونبحث عن نقاط التقاء مشتركة في ما يتعلق  بتسوية النزاع السوري.وكما تعلمون فقد اثير الموضوع السوري في مجلس الامن اكثر من مرة وطرحت مشاريع قرارات استخدمت روسيا حق النقض ضدها من منطلق انها قرارت احادية الجانب تصب النقد  الى الحكومة السورية فقط . هذا غير صحيح وكما اسلفت فان طرفي النزاع يتقاسمان المسؤولية وليس ذنبنا اننا استخدمنا الفيتو ضد مشاريع القرارات المتعلقة بسورية. لقد حذرنا شركاءنا في مجلس الامن بان روسيا تتحفظ على مضامين مشاريع القرارت وابدينا استعدادا لمواصلة المشاورات بهدف صياغة  قرارات  متزنة لكن الجانب الا خر ذهب باتجاه  التصعيد وطرح  المشاريع على  التصويت مما اضطرنا الى استخدام  حق النقض -الفيتو. نأمل في المستقبل ان لا يتكرر اسلوب عرض مشاريع قرارات لا تحظى بالقبول المشترك قبل عرضها على التصويت. وعندها  ستنتهي  مقولات  الحرب الباردة.  وبصدد احتمال تكرار السيناريو الليبي في سورية قال غاتيلوف :الوضع الليبي يمتلك خصوصية كما الوضع السوري . بالفعل  حين ننظر الى الاحداث الجارية في سورية فاننا نستند الى التجربة الليبية المريرة وعلى وجه الخصوص القرارات التي اتخذها مجلس الامن في حينها  .

لقد  اجتهد شركاؤنا الغربييون في تفسيرها، خلافا لمضمونها الحقيقي . ان قرار  فرض منطقة الحظر الجوي فوق ليبيا كان يهدف الى حماية المدنيين .لكنه استخدم في الواقع العملي  من قبل البلدان الغربية لتدمير البنى التحتية في ليبيا. هنا يبدو جليا ان شركاء روسيا في مجلس الامن يفسرون القرارات  وفق اهوائهم ومصالحهم وتحقيقا لاهدافهم.  او لناخذ  قرار حظر صادرات الاسلحة الى ليبيا . ان روسيا التزمت نصا وروحا بالقرار اما الدول الغربية فقد خالفت القرار وزودت الثوار الليبيين بالسلاح .  لا يمكن ان نسقط من حساباتنا هذه الحقائق حين يتحدثون عن قرارات مشابهه لتلك القرارات التي صدرت بحق ليبيا  ويريدون تكرارها ضد حكومة دمشق.  لقد قلنا لشركائنا  بصراحة ووضوح  لو اننا التزمنا بمنع صادرات الاسلحة لدمشق فمن سيضمن ان المعارضة السورية لن تحصل على السلاح وان الحظر سيشملها. ان الاسلحة تتدفق على المعارضة السورية جهارا ليلا ونهارا .فقبل يومين نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا يقول  ان اسلحة من ليبيا تتدفق على المعارضةالسورية .

هذا   خرق لقرار الحظر المفروض على ليبيا الصادر من مجلس الامن الدولي والذي يفترض انه لا يزال ساري المفعول .  الامر الاخر فان تزويد الجماعات المعارضةالسورية المسلحة بالسلاح يخالف القانون الدولي . ان  مطالبة الغرب لروسيا بوقف صادرات الاسلحة الى دمشق تبدو غير عادلة وغير واقعية.  وتطرق غاتيلوف الى تأثيرات الوضع في سورية في دول الجوار والوضع في مرتفعات الجولان فقال : بدأت التداعيات السلبية الناجمة عن الازمة السورية  تنتقل الى دول الجوار الامر الذي حذرنا منه مرارا - اما في ما يتعلق بقوات حفظ السلام الدولية  في الجولان والتي ترابط هناك منذ اربعة عقود فان الجماعات السورية المسلحة تستخدم المنطقة العازلة منصة لعمليات عسكرية ضد القوات الحكومية وبالطبع فان القوات الحكومية سترد بما يشكل خرقا لقرار الامم المتحدة الصادر عام 74 من القرن الماضي الذي يشكل اساسا للهدنة وفض الاشتباك  بين سورية واسرائيل.

ان تل ابيب تراقب بقلق وحذر شديدين تداعيات النزاع في سورية اضافة الى ان قوات حفظ السلام  الدولية بدأت اما ان تفكر بالانسحاب او ان قسما منها انسحب فعليا مثل البعثة النمساوية لاعتبارات تتعلق بأمن جنودها. في هذا الوضع اقترح الرئيس فلاديمير بوتين ارسال قوات روسية لملء الفراغ الذي خلفه انسحاب النمساويين . ان هدفنا تحقيق الاستقرار في المنطقة ، لكن المقترح الروسي جوبه بذريعة ان قرار مجلس الامن الصادر قبل اربعين عاما يحظر على الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن المشاركة في قوات حفظ السلام على جبهة الجولان.  في الواقع فان الوضع تغير على مدى اربعة قرون واذا توفرت الارادة السياسية يمكن تجاوز هذا  الاشتراط . الجانب السوري تجاوب مع المقترح الروسي ووافق على ارسال قوات روسية لحفظ السلام لكن الجانب الاسرائيلي اتخذ موقفا متحفظا وابدى عدم رغبته في نشر قوات روسية على هضبة الجولان .  وأجاب غاتيلوف عن سبب معارضة الغرب للحضور الروسي في الجولان بقوله: أنا لا ادري ربما لديهم أسبابهم  السياسية . قد لا يريدون رؤية قوات روسية في المنطقة  وان كانت  لحفظ السلام. 

انهم  من  يتذرعون بقرار مجلس الامن الصادر قبل اربعين عاما والبروتوكول الملحق به الذي يحرم على الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن المشاركة في قوات حفظ السلام.  ان مقترحنا لايزال على الطاولة  ونحن على استعداد لبحث   تفاصيله  في حال موافقة الجانبين السوري والاسرائيلي.  وحول دور الامم المتحدة في تسوية النزاعات الاقليمية  قال غاتيلوف: من الخطأ القول ان دور الامم المتحدة غير فعال في النزاعات الاقليمية ولناخذ النزاع في سورية تحديدا. فقد بعثت الامم المتحدة بفرق المراقبين منذ بداية الاحداث وكان يمكن لهذه الفرق ان تلعب دورا في تحقيق الاستقرار. لكن يبدو ان دور المراقبين لم يعجب بعض الاطراف وجرى سحبهم وهو قرار  غير صائب .ثم عينت الامم المتحدة الوسيط الاممي كوفي انان الذي طرح ست نقاط  للتسوية السلمية .وبالمناسبة فان خطة عنان اصبحت اساسا لمجمل النشاط السياسي بحثا عن التسوية ولكن مهمة انان  فشلت ليس بذنب الامم المتحدة بل بفعل اطراف لا تريد للازمة ان تنتهي .

اليوم يقوم الاخضر الابراهيمي بدور الوسيط وقد شارك في الجولة الاخيرة من المشاورات في جنيف التي ناقشت التحضيرات للمؤتمر الدولي بشان سورية. وقد لاحظنا انه لعب دورا ايجابيا في المباحثات الثلاثية بين روسيا والولايات المتحدة والامم المتحدة ولمسنا ان الرجل حريص على التسوية السياسية وعلى عقد مؤتمر جنيف اثنان وهذا ينطبق ايضا على موقف ا لامين العام للامم المتحدة .  حقا فان امكانيات الامم المتحدة محدودة والامر يتعلق بالدول والاطراف المعنية بالازمة السورية . اذا كانت هذه الاطراف تتوفر على ارادة سياسية لحل سلمي فان دور الامم المتحدة سيتعاظم.