غزوة المونديال

محمد عبد الرحيم - شام نيوز
لمن كان لديه شك بأهمية النصر العربي والاسلامي بفوز قطر بتنظيم كأس العالم عام الفين واثنين وعشرين فقد صدرت الفتوى وأعلن الشيخ يوسف القرضاوي بأن تنظيم قطر لكاس العالم هو أول نصر للمسلمين على أمريكا... لماذا تجاهل انتصاراتنا السابقة؟؟ ( راجع غزوة مانهاتن وغزوة الطرود البريدية من اليمن عبر شركة فيديكس !!!! ) ، وقال القرضاوي خلال خطبة الجمعة : إن فوز قطر صفعة في وجه الولايات المتحدة, ودلل على ذلك بانتقاد اوباما لنتائج التصويت , وأضاف بأنه جلس امام الشاشات ليتابع مراحل التصويت , (من المعروف ان القرضاوي يخوض معركة حماسية ضد الولايات المتحدة من خندقه الامامي في الدوحة قبالة قاعدة العيديد الجوية الامريكية التي قادت الهجوم لتدمير العراق ) .
الحقيقة أنه رغم كل التاكيدات من أصدقائي الرياضيين بان قطر متجهة للفوز بالتنظيم ظللت مشككا حتى سحب رجل الأعمال السويسري جوزيف بلاتر رئيس الفيفا الذي يدير واحدة من افسد المنظمات الدولية اسم قطر من الصندوق ( وهو ذات اليوم الذي اكتسح فيه الحزب الوطني الحاكم الانتخابات في مصر ) .
ولكن لماذا كنت أشك بالمسألة؟ ربما بسبب نواياي الطيبة, فقد كنت أعتقد بأن العالم لم يفقد عقله لهذه الدرجة , أو ليس شرها إلى هذا الحد, فالاتحاد الدولي لكرة القدم أعطى تنظيم كاس العالم الى دولة لا يوجد فيها سوى مدينة واحدة وتصل درجات الحرارة فيها في شهر كاس العالم إلى الخمسين درجة مئوية والرطوبة الى مئة في المئة ولا يوجد قاعدة جماهيرية للعبة بسبب قلة عدد السكان ( قرابة مئتي ألف إنسان هم حملة الجنسية القطرية ) .
قطر ستنفق مابين ستين إلى مئة مليار دولار لبناء أكثر من عشرة ملاعب مكيفة ومتحركة السقوف وشبكة للسكك الحديدية تصل من الفنادق الجديدة إلى داخل الملاعب والمولات, إضافة الى تغيير المطار وبناء مطار آخر .
كل هذا جميل وواعد ولكن ماذا سيحصل في اليوم التالي لنهاية البطولة ... أقول بأنه سيحصل تماما ما حصل بعد نهاية الاولمبياد الآسيوي .... لاشيء .. ستقفل الملاعب وينفض المولد ونبقى مع كتل إسمنتية وقطارات لا يرغب احد بالتواجد فيها .
لا أقول هذا الكلام وفق الكليشيه المعتادة لأهل البلدان العربية الاقل حظا وغيرتهم المعتادة وحسدهم لإخوانهم في الخليج العربي وغناهم وطريقة تبذيرهم لأموالهم .. فهذه أرزاق , فقد عشت في الخليج نصف عمري تقريبا وأتذكر المنطقة وأهلها بأجمل الصور والحقيقة أي مقارنة مع حياتي الراهنة في دمشق ليست لصالح مسقط راسي بالتأكيد .. فهنا لا يكاد ينتهي يوم عمل لي إلا بعشر خناقات ولا أتذكر انه كان لدي مشكلة من أي نوع مع الناس أو المكان في الدوحة والخليج
واهتمام أمير قطر بكرة القدم حقيقي منذ أن كان يصدر في السبعينات مجلة الصقر الشهيرة التي كنا ننتظرها على أبواب المكتبات منذ الصباح ولكن الآن المسالة لا يمكن تفسيرها ببراءة الشغف .
فمن المعروف انه لا توجد رياضة في قطر والرغبة في الانجاز دفعت إخواننا هناك لتصرفات طريفة, فهم يجلبون الكينيين وبعض الأفارقة الآخرين ويمنحونهم الجنسية القطرية ليشاركوا في مسابقات ألعاب القوى وكرة السلة وكرة القدم وبعد الحصول على الميداليات يسحبون الجنسية ويدفعون مقابل هذا التذاكي مئات الآلاف من الدولارات , ( يعني شيئ يشبه تنظيم أبو ظبي لمهرجان للسينما وصرف ملايين الدولارات في بلد لا توجد فيه صناعة سينما ) ,, وعندما حاولت قطر تطوير الدوري المحلي هناك جلبت عشرات اللاعبين للعب مع أنديتها من الأرجنتين والبرازيل وانكلترا وإيران والعراق, وفي أول مرة يلعب فيها الأسطورة الأرجنتينية غابرييل باتيستوتا ذهبت الى ملعب الوكرة لمشاهدته وبقية النجوم الذين ضاق بهم الملعب ومقاعد الاحتياط ..... ولكن الملعب كان يتفوق على دار الأوبرا السورية من حيث الفخامة ... والهدوء لأنني كنت اجلس وحيدا تقريبا في الملعب وسط كل هؤلاء النجوم حتى ظننت أنهم بعد المباراة سيطلبون مني توقيع أوتوغرافات لهم .
الفيفا الفاسد اختار في زمن الأزمة الاقتصادية العالمية روسيا وقطر لتنظيم كاس العالم عام ألفين وثمانية عشر وألفين واثنين وعشرين, يعني اختار الأول والثاني في العالم في إنتاج الغاز الطبيعي ولان هذين البلدين قادرين على الصرف بسفه ودون رقابة من أي جهة وطنية ( راجع ويكيليكس عن علاقات الحكومة الروسية بالجريمة المنظمة ) على بنى تحتية فارهة مع ما يعني ذلك من رشى وفساد وعمولات وصفقات تقدر بالمليارات , طبعا الفيفا أكد أن اختياره البريء قائم على فكرة إعطاء الفرصة لدول لم تنظم المونديال من قبل... ولا أعرف لماذا لم يفكر في الكاميرون او نيجيريا او استراليا التي تمتلك جماهيرا واسعة للعبة , طبعا هو نفس الفيفا الذي حرم كل فقراء العالم فرصة مشاهدة كاس العالم بسبب صفقات النقل التلفزيوني للقنوات المشفرة .
كنت اعتقد أنني أمتلك مرافعة جدية لرفض فكرة تنظيم قطر للبطولة حتى اتصل صديقي الكاتب الدرامي فؤاد حميرة لتهنئتي بهذا الانجاز على أساس انني عربي وتقريبا قطري بسبب إقامتي الطويلة في الدوحة, وعندما القيت عليه هذه المرافعة أعلاه لم يتأثر .. وقال بكل بساطة .. أوكي حديثك جيد ولكن هذا أفضل من أن يصرفوا هذه الأموال على صفقات الأسلحة التي لا يقاتل بها احد وتصدأ في المخازن ( راجع صفقة الأسلحة السعودية مع الولايات المتحدة بستين مليار دولار ) , عندها اتضحت لي طريقة التفكير العربية في هذا الزمان ... فالعربي المعاصر تكيف مع فكرة أنه ليست لديه رفاهية الاختيار بين جيد وأجود, بل بين سيئ وأسوأ ( راجع الانتخابات المصرية والخيار ما بين مبارك الأب والابن .. والإخوان المسلمون ) , ما يعني أننا أقمنا الأفراح لأننا هذه المرة اخترنا الخيار الأقل كارثية ... صحيح أن هذه المليارات ستذهب الآن إلى الشركات الأمريكية والغربية, ولكن على الأقل ستذهب إلى شركات البناء والتصميم والمهندسيين وشاكيرا وبيونسيه ولاعبي الكرة المعتزلين والمعلقين الفاشلين أفضل من أن تذهب الى شركات الأسلحة وشركاء المجرمين رامسفيلد وديك تشيني .
شيخنا القرضاوي الذي انشغل بالفرحة لفوز قطر عن متابعة بقية المؤتمر الصحفي للجنة القطرية المنظمة لكأس العالم فاتته هذه الإجابة .. فعند السؤال ... وماذا إذا تأهلت إسرائيل إلى نهائيات البطولة ... قالوا المنتخب الإسرائيلي وجمهوره ومستوطنوه مرحب بهم في قطر .. لو استمع القرضاوي الى هذه الإجابة لأصدر فتوى تقول إنها صفعة أخرى للولايات المتحدة, لأنها هذه الأيام على عداء مع تل ابيب بسبب رفض اسرائيل تجميد الاستيطان لمدة ثلاثة اشهر وستظل ترفض حتى موعد المونديال القطري .