فؤاد دحدوح يعاند منحوتاته ويسندها الى جداريات

 

يشكل معرض جداريات الذي افتتح مساء أمس في صالة كامل للفنان فؤاد دحدوح خطوة مميزة في تجربته الفنية بعد أن تخرج في كلية الفنون الجميلة عام 1984 والتي غلب عليها اشتغاله في النحت ولاسيما أنه عاند المنحوتة وأسندها إلى لوحة جدارية بمنطق الرولييف مفعمة بألوان الشرق.

ويستعيد الفنان دحدوح في معرضه الذي يضم نحو 15 لوحة هاجس التجريب الحيوي - وفقا لوكالة سانا -  مصطحبا معه مجموعة شخوصه ولاسيما المرأة وبعض مفردات وتفاصيل بدايات تجربته ليعيد تكوينها وبناءها الفني بشكل أكاديمي ضمن مشهديات حوارية تسرد قصصاً عميقة آتية من صميم هذه الأرض المليئة بالأساطير والحكايا والذكريات.

إلا أن دحدوح ابتعد عن التعقيد في صوغ هذه الشخوص وبلمسات تحوير جريئة سبغ عليها سمات الإنسان الفطري البسيط فتحولت لوحاته إلى فضاءات مفتوحة على احتمالات الفرجة البصرية المقننة التي اعتمدت التقشف في اللون والاختزال في الشكل.

20110219-222144.jpg

كما لم يقتصر الفنان دحدوح في بناء لوحته على مساحة الرؤية الجمالية بل أغناها بحالة تأملية تشد عين المتلقي أكدتها خطوطه التي تشتد وتتماهى حسب موقعها وأهميتها من حيث الدلالة والقصد أو من خلال اللون الذي يوشح بعض الشكل في المقدمة أو يتراجع إلى الخلفية حسب ضرورته.

ورغم أن الفنان دحدوح مارس خلال سنواته السابقة اتجاهي التصوير والنحت بشكل منفصل إلا أنها المرة الأولى التي يجمعهما معا ضمن توليفة فنية عبر هذه الجداريات التي أسبغ عليها اللون دون أن يكون تأثيره سلبياً على اللوحة موءكدا أن هذا الجمع مشروع للفنان الذي يمكنه أن يستفيد من خصائص أساليب فنية عدة.

ويضيف دحدوح في تصريح لسانا أنه اعتمد في هذه الجداريات على شخوص تتسم بالبراءة الإنسانية الفطرية المسالمة من خلال هدم تكوينه الفني بشكل أكاديمي ومن ثم إعادة بنائه بشكل خاص وقال ومع ذلك سعيت إلى المحافظة على أكبر قدر من البناء الأكاديمي لهذه الشخوص.

ولا ينفي دحدوح اعتماده على الأساطير الشرقية في موضوع لوحاته والتي تظهر بشكل واضح في رموز كالسفينة والسمكة وغيرها والتي استفاد منها في إكمال المشهدية الحوارية لشخوصه والتي يمكن للجمهور أن يفسح المجال لخياله في تركيب أحداثها وإدراك تفاصيلها وأسرارها.

ويضيف أن لوحاتي تحمل الكثير من الفن السوري القديم الذي حاولت صياغته ضمن طروحات فنية حديثة خاصة بي دون التخلي عن أساسيات شرقية مثل الألوان الزرقاء والترابية أو أسلوب التعتيق المرهون لهذه المنطقة.

ويؤكد دحدوح أهمية الاعتماد على الموروث الفني ودراسته بشكل جيد ومن ثم طرحه بصيغ فنية جديدة مبتكرة معتبرا أن التراث الشرقي مازال في جعبته الكثير من القيم الفنية التي يجب البحث في جمالياتها وتقديمها بشكل عصري.

20110219-222353.jpg

من جانبه قال الدكتور حيدر يازجي رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين إن هذا المعرض يمثل مشروعاً بحثياً يعمل عليه الفنان دحدوح في كيفية إبراز اللوحة بجماليات يريدها متكاملة وحاملة لحس جمالي يقنع المشاهد.

ورغم أن المرأة كموضوع أخذت حيزاً عند الكثير من الفنانين إلا أنها احتلت مكانا مميزا في أعمال دحدوح وهذا ما يراه الفنان حيدر قيمة مضافة للأعمال المعروضة من خلال تصوير المرأة بشكل مختلف ورؤية ذاتية مغايرة عن طريق مواءمة النحت البارز مع الألوان الزيتية رغم ما تحمله هذه التجربة من صعوبة.

وعن تحويره لبعض العناصر واعتماده على عدد من الرموز الشرقية أكد يازجي أن هذا ما يميز الرؤية الجمالية لكل فنان عندما يبحث عن تبسيط أشكاله محاولا أن يجد لنفسه أسلوباً فنيا خاصا.

ورغم ابتعاد الفنان دحدوح عن الواقعية في أعماله إلا أنها ضمت الكثير من التعبيرية والذاتية والتي يراها الدكتور يازجي بعيدة عن كونها طلاسم لا يمكن معرفة مدلولاتها إنما هي حالة إنسانية تعبيرية ترمز إلى حدث معين مشفوعة بتقنية متطورة استطاع أن يصل من خلالها الفنان إلى التعبير عن رؤاه الفنية بشكل غير مألوف.

فيما رأى النحات أكثم عبد الحميد مدير الفنون الجميلة أن المعرض تجربة مهمة بالنسبة لصاحبه بعد غيابه النسبي عن العرض لولا بعض مشاركاته وقال.. إن هذا المعرض رسم ملامح تجربة الفنان للفترة المقبلة ولاسيما من خلال أعمال مهمة احتوت على تحليل جيد وتعبيرية عالية وأشكال مختزلة ومبسطة تؤكد معرفته بالقيم النحتية والتدرج اللوني والمساحات وتوزيعها بشكل حسن.

وأشار عبد الحميد إلى أن الجمع بين النحت والتصوير تجربة فنية أراد الفنان دحدوح تكريسها بإدخال الومضات اللونية بهدف رفع الحالة البصرية والتعبيرية للوحته.

يشار إلى أن فؤاد دحدوح من مواليد عام 1959 خريج كلية الفنون الجميلة بدمشق قسم النحت 1984 وكلية ليون الثانية في فرنسا عام 1990 ويعمل حاليا أستاذا لمادة النحت فى كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق بعد أن شارك في معارض عدة داخل سورية وخارجها.