فاوست والعقد مع الشيطان

الإنسان ذو القدرات العالية يبرم عقداً مع الشيطان من أجل الحصول على مقدرات أعلى ومعرفة أعمق ولاسيما عندما يقع هذا الكائن الإنساني في حيرة من أمره في مسألة الاختيار بين طريق اللذة وطريق المعرفة.. هكذا تناول عرض/فاوست/ الذي افتتح عروضه من جديد مساء أمس على مسرح الحمراء بدمشق مركزاً على صراع أبدي مازال الإنسان يعايشه منذ بزوغه في هذا العالم ككائن عاقل مبيناً عاقبة من يبيعون أنفسهم للشر وطريقه في سبيل تحقيق مصالحهم الشخصية.
وقال مخرج العرض هشام كفارنة في حديث خاص لسانا إنه اشتغل على إعداد نص الكاتب الإنكليزي كريستوفر مارلو كونه يحمل قيمة فنية وفلسفية عالية ويشكل حالة هجاء للذين يبيعون أرواحهم للشيطان ومن هنا جاءت تجربتي للعمل مع ممثلي العرض للوصول إلى صيغة فنية تقارب النص الأصلي وتعطيه حقه على الخشبة للوصول إلى فرجة مسرحية تحقق رضى الجمهور من المتعة البصرية الخالصة.
وأضاف المخرج أن عمله على نص فاوست كان صعباً وجعله كمن يتعلم السباحة في الماء العميق لذلك ذهب فيه إلى التجريب ولاسيما أن النص الأساسي موءلف من 40 شخصية قام بتكثيفها والتركيز على بعض الشخصيات لتشكيل شبكة من العلاقات الدرامية الملتحمة مع بعضها عضويا لافتا إلى أن البحث الإخراجي الأساسي هو في إيجاد فضاء فني غني على المستوى البصري.
واعتمد كفارنة في حلوله الإخراجية على مشهدية ظلامية كتيمة قاربت أسلوب المسرح الأسود عبر اتكائه على أزياء سوداء ومزاوجته بين الموسيقا والحركة على الخشبة كانعكاسات مستمرة لردود أفعال الممثلين دامجاً بين اللغة الشعرية و لغة الحوار للوصول إلى صراع متصاعد بين قوى الخير وقوى الشر على الخشبة.
وقال الفنان زيناتي قدسية عن تجسيده لدور البطولة في هذا العمل المسرحي إن أداءه لدور الدكتور فاوست حقق احد أحلامه عندما كان شاباً وأضاف .. أنا سعيد جداً لأن هذه الفرصة أتيحت لي الآن لذلك أبذل أقصى جهدي للوصول بتلك الشخصية إلى المستوى المطلوب بحيث أصل إلى ما يستسيغه الجمهور ويحبه إضافة إلى أنني أحاول أن أسد الثغرات في مهنتي كممثل.
وأدت الأزياء والإضاءة وسائر عناصر السينوغرافيا المسرحية وظيفة جوهرية في عرض فاوست الذي تمكن ممثلوه من تحقيق تغريب فني خالص بين الصالة والخشبة معتمدين في ذلك على اللغة الراقية للكاتب كريستوفر مارلو عبر نسخة عربية ذات مستويات شعرية تعبيرية انطلقت بالنص من زمنه الأصلي إلى كل الأزمنة مجسدةً عالمية الفن المسرحي وضرورته كظاهرة اجتماعية تؤسس لحياة المدن المعاصرة وتشكل واحة فكرية هامة تنقل المتفرج إلى عوالم سحرية مغايرة لقسوة الواقع وخشونته اليومية.
واستطاع العرض أن يقدم مقاربة لافتة بين تنويعات حركية وأخرى مشهدية زاوج عبرها بين جهد الممثل على الخشبة وجهد السينوغراف محققاً مساحات طازجة من فرجة اعتمدت الأقنعة المسرحية لتبديل مواقع حوار الممثلين وفق حلول إيهام دمجت بين الواقعي والسحري من خلال الإطلالة على جحيم الشخصية الرئيسية مبتعدةً عن حرفية النص لصالح فسحة معقولة للخطة الإخراجية التي اشتغلت بدورها على إدارة الممثلين طول زمن العرض.
وتعتبر شخصية الدكتور فاوست أحد أبرز رموز الأدب الغربي الحديث والمعاصر وقد باتت هذه الشخصية طيلة القرون الخمسة الماضية بطلة لمئات القصص والحكايات الشعبية كما قدم بطلاً على خشبة المسرح بأشكال مختلفة ومع مرور الوقت ترسخت صورة نمطية لها حيث غدت رمزاً لحضارة الغرب بكل أحلامها وإنجازاتها وشرورها في كثير من الأحيان حتى أن الشاعر الالماني غوته كتب من وحيها روايته الشهيرة فاوست خلال ثلاثين عاماً من حياته.
وشارك في تجسيد شخصيات المسرحية ..كميل أبو صعب/ قصي قدسية/ نضال حمادي/ نضال جوهر/ رنا ريشة/ سوسن أبو الخير/ جمال تركماني/ ماهر عبد المعطي/ ماروه أبو طبيخ/ ضياء الشيخ/ عبد الكريم خربوطلي تصميم إضاءة نصر الله سفر/ كريو غراف/ معتز ملاطيليه أزياء سهى حيدر وهي من إنتاج وزارة الثقافة مديرية المسارح والموسيقا المسرح التجريبي بدمشق.
سانا