فجر ما بعد السيطرة الأميركية يلوح في الشرق الأوسط

 

كتب الأستاذ الجامعي الأميركي من أصل إيراني المسؤول السابق في وزارة الخارجية الاميركية راي تكيه مقالا في صحيفة "هيرالد تريبيون"، يقول فيه ان فجر مرحلة ما بعد سيطرة النفوذ الاميركي بدأ يلوح في الافق في الشرق الاوسط مع اندلاع ثورات الربيع العربي. وهنا نص المقال:

 


"حتى بينما تكافح الولايات المتحدة من أجل التوافق مع الربيع العربي، فإن الشرق الأوسط ينتقل شيئا فشيئا إلى حقبة ما بعد السيطرة الأميركية. كل من الحلفاء والخصوم في المنطقة يصبحون غير مهتمين بشكل متزايد بالمحظورات الأميركية. وبينما يتحول الشرق الاوسط ليصبح أكثر شهرة وقوة، سيصبح من الأصعب على الولايات المتحدة أن تتابع التعامل مع مصادر القلق الأمنية التقليدية مثل نزع الأسلحة الإيرانية أو إنعاش عملية السلام العربية- الإسرائيلية.

فلنأخذ جولة في المنطقة:
على السطح، ليس هناك شيء جديد في العداء الإيراني والسوري للولايات المتحدة. الدولة الدينية الإيرانية رفضت التوسلات الأميركية وبدت مصرة على الحصول على قنبلة بأي ثمن. النظام السوري كان أكثر ترددا، لكن محاولات التواسط التي قدمت إلى الإدارات الأميركية المتلاحقة لم تحقق أي جدوى لسبب ما.

 


في كل الأحوال، ومع التغيرات في المنطقة، اصبحت الدولتان كلتاهما الآن أبعد عن أيدي الدبلوماسية الأميركية. رجال الدين الذين يحكمون إيران، يبحثون عن فرصة لتوسيع النفوذ في منطقة مضطربة، ولن يسمحوا لأنفسهم بأن يتنازلوا للوصاية الأميركية.

 


وقد وضعت عملية القمع الوحشية التي يقوم بها النظام السوري الرئيس بشار الأسد وراء الخطوط الحمراء. وإذا قدر له أن ينجو ، فإن ما يعرف بـ "الخيار السوري"- الذي بموجبه ستحصل سوريا على الأرض من اسرائيل مقابل السلام- هو في حكم الميت تقريبا.

 


السعودية اعتمدت طيلة 60 عاما في أمنها على الحماية الأميركية. والوعود بالتضامن اخفت وراءها دائما علاقة غريبة بين ديموقراطية ليبرالية وملكية تقليدية. وعلاقة النفط مقابل الأمن عززها، على أي حال، تحالف متين عمل بفعالية ضد الأعداء المشتركين، بدءا بالاتحاد السوفياتي وانتهاء بنظام صدام حسين التجديدي.

 


وحاليا تنظر السعودية إلى المنطقة بمفاهيم مختلفة. وقد أثار الربيع العربي آمالا لدى الغرب بحكم متجاوب في الشرق الأوسط تنظر إليه السعودية على أنه خطر وجودي.

 


ولا تتشكك السعودية فقط بجدوى تحالفها مع أميركا، بل إنها تتحرك أيضا متجاوزة إياه. وفي الوقت الذي تعيد فيه السعودية النظر في أمنها، فمن المحتمل أن تستخلص أن عليها الاعتماد على مصادرها الذاتية بالإضافة إلى تحالفاتها مع دول تشاركها في التفكير، بدلا من الولايات المتحدة التي تنظر إليها السعودية بشكل متزايد على أنها لا يمكن الاعتماد عليها. ويمكن أن ينظر بيت آل سعود الحاكم بجدية إلى خيار الاعتماد على القوى الحامية الخارجية البديلة، مثل الصين أو الجامعة العربية أو الدول العربية الملكية، أو حتى الرادع النووي المستقل.

 


اثار قرار السلطة الفلسطينية السعي الى الحصول على العضوية لدولة فلسطينية في الامم المتحدة الكثير من الذعر في واشنطن. لقد خسر الفلسطينيون في "الكفاح المسلح"، لكن فكرة ان حواراً تقوده اميركا يمكن ان يخفف اعباءهم هي فكرة يتناقص عدد من يستمعون اليها في اوساط الفلسطينيين.

 
ومن غير المرجح ايضاً ان تجد اميركا قدراً كبيراً من العزاء في اوساط الديمقراطيات الناشئة مثل العراق ومصر. ذلك ان الصلة بين القومية والديموقراطية تجعل من الصعب على القادة الذين يستند مركزهم الى خدمة مصالح شعوبهم ان يجاروا ايضاً اولويات واشنطن.

 


وصارت مشاعر من هذا القبيل واضحة في العراق. ففي الوقت الذي ينفر فيه الرأي العام في العراق من وجود اميركي مستمر، من غير المرجح ان يتحدى الساسة الذين يريدون الحصول على الاصوات في بيئة انتخابية تنافسية مثل هذه المشاعر الوطنية.

 


وبالمثل، فان مصر ما بعد (ثورة) ميدان التحرير تتحدى الولايات المتحدة فعلاً بتعزيز الصلات الدبلوماسية بينها وبين ايران. وكان العداء المصري تجاه ايران من اهواء الرئيس حسني مبارك. ولا ترى الحكومة المصرية الانتقالية سبباً وجيهاً للابقاء على عداء الطاغية الساقط نحو نظام حكم يتمتع بالاعجاب الشعبي في الشارع العربي.

 


كل هذا لا يوحي بان الديمقراطيات الجديدة ستقطع علاقاتها بالولايات المتحدة، ولكنه يشير الى ان سياساتها من نواح معينة يمكن ان تتحدى المعايير الاميركية.
لقد سبق الميل الى الابتعاد عن السيطرة الاميركية ادارة اوباما، ومن المرجح ان تتكشف تفرعاته لمدة طويلة بعد انتهاء عهدها.

 


ومع انحسار نفوذ اميركا تدريجياً، وتردي نظام تحالفاتها، ستجد الولايات المتحدة نفسها اقل قدرة على تحقيق بعض اهدافها. ويمكن الا يكون لدى واشنطن قدرة ضغط كافية على النظام السوري , او ارغام ايران على عكس طموحاتها النووية اوحتى ثني السعوديين عن الحصول على قنبلة (نووية) خاصة بهم.

 


وقد يكون الشرق الاوسط في ما بعد المرحلة الاميركية اكثر ديموقراطية في بعض زواياه، لكن من المرجح ايضاً ان يكون اكثر اضطراباً وغير مستقر.

 


كان كفاح الشرق الاوسط خلال القرن الماضي سعياً مصمماً الى اعفاء نفسه من تبعات التنافس بين الدول الكبرى وسيطرة الدول العظمى. وهذه شعوب شاركت بحماسة في النضالات الدموية ضد الاستعمار، وتعاطفت مع اولئك الذين كانوا يدعون الى الحياد بعيداً عن كتلتي الحرب الباردة، وعبرت عن تضامنها مع حركات المقاومة الثورية في العالم الثالث.

 


ان حقبة تقرير المصير يمكن ان تكون قد وصلت في نهاية المطاف. ولكن من المرجح ان تكون مقترنةً بما يخصها من تحديات ومخاطر.

 

RAI TAKE - HERALD TRIBUNE