فحوصات ما قبل الزواج : لا يوجد إحصائيات حول انتشار الفيروس (سي)

 

لم تكن تدرك عائشة التي أحبت ابن عمها وتزوجته وسط فرح القاصي والداني أنها ستندم يوماً على هذا الارتباط وستبقى حبيسة الشعور بالذنب تجاه أطفالها طفلان كتب عليهما أن يصابا بالتلاسيميا حيث يضطران إلى الذهاب لمركز التلاسيميا لتلقي العلاج المناسب .

هذه قصة من آلاف القصص التي يتحكم بها المرض الوراثي العائلي من جهة وعدم الوعي بخطورة ارتباط الأقارب المصابين من جهة أخرى أما الطامة الكبرى فهي عزوفهم عن إجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج للتأكد من خلو الطرفين من أمراض ستكون بداية مأساة لأطفال لم يخلقوا بعد .‏

وعلى الرغم من أن هذا الفحص الطبي الضروري التفكير به قبل التفكير ببناء أسرة جديدة والذي كان من المفترض أن يأخذ شكلاً قانونياً جاداً منذ عقود من الزمن وأن يخرج من قوقعة الشكليات التي كان عليها حيث كان العروسان يكتفيان بورقة الفحص الطبي الجاهزة من أي مسير معاملات وكانت مراسم الزواج تتم دون التدقيق فجاءت النتائج أكثر من وخيمة على أكثر من أسرة .‏

على الرغم من كل ذلك يبدو أن الخطوة الهامة التي قامت بها مشكورة نقابة الأطباء ووزارة الصحة بافتتاح مراكز وعيادات خاصة للفحوصات ما قبل الزواج التي تأتي عيادة ومخبر حلب واحداً منها .‏

ووسط تجمهر الشباب والشابات المقبلين على الزواج أمام باب العيادة حاولنا الدخول للتعرف على العمل الجاري في هذه العيادة وآلية العمل وكادرها الطبي .‏

 

الدكتور جمال شعار مدير المركز قال : تقسم العيادة ومخبر الزواج الى ثلاثة أقسام , قسم الاستقبال والتوثيق حيث تسجل فيه البيانات الشخصية لكل من الخطيبين من قبل كادر متدرب وقسم العيادة الطبية حيث يقوم عدد من الأطباء المتمرسين بالفحص الطبي لكل من الخطيبين مع التركيز على الحالة الصحية العامة والسوابق المرضية لكل منهما وقسم المخبر وهو أحدث الأقسام مجهز بأحدث الأجهزة المخبرية حيث تجرى فيه التحاليل على مدار (24) ساعة بإشراف كادر مخبري قدير لتأمين النتائج الصحية للاختبارات .‏

 

أهم التحاليل المنفذة :‏

 

التهاب الكبد الفيروسي (ب) حيث يعد هذا المرض السبب الأول لأمراض الكبد المزمنة في العالم كما أن حوالي المليون شخص يموتون سنوياً بسبب مضاعفاته ويعتقد أن النسبة الحقيقية للمصابين والحملة هي أعلى بكثير من الإصابات التي يتم إحصاؤها حتى الآن وينتقل هذا الفيروس عن طريق الدم الملوث والإبر الملوثة والممارسة الجنسية – الختان- والانتقال العمودي بين الأم والوليد أثناء الولادة والاستخدام المشترك للأدوات الشخصية _ فرشاة أسنان و فرشاة حلاقة) وعدم الالتزام بالتعليمات الناظمة لبعض التداخلات الطبية ( التحال الدموي- الحقن الوريدية والعضلية وأخيراً التماس القريب والمتكرر بين أعضاء العائلة الواحدة وبين الأطفال ويعتقد أن الانتقال العمودي(أم – جنين) والإجراءات غير العقيمة (ثقب الأذن- الحجامة- الختان- الوشم) وغيرها أهم أسباب انتقال العدوى في سورية .‏

 

وإن ايجابية اختبار التحري عن الفيروس مع غياب أعراض وعلامات الإصابة الفعالة لا يعني بأي حال من وجود حامل سليم إنما هو حامل مزمن غير فعال ناقل للعدوى ويحتاج الى مراقبة فقد يتحول الى إصابة فعالة تسبب على المدى الطويل اختلاطات خطيرة كالتشمع الكبدي وسرطان الخلايا الكبدية ويجب إعلام الشخص الحامل والمريض عن خطر انتقال العدوى الى المحيطين به كما يجب تنبيهه الى العوامل المؤذية للكبد كالكحول والأدوية والبدانة .‏

 

ويجب تلقيح الشريك الجنسي وأفراد العائلة القاطنين في المنزل نفسه ويعتبر اللقاح أفضل الوسائل لحماية المجتمع من انتشار التهاب الكبد /ب/ ويعطى اللقاح على ثلاث جرعات بفاصل شهر واحد بين الجرعة الأولى والثانية وستة أشهر بين الجرعة الثانية والأخيرة الداعمة ويعتبر اللقاح منيعاً بعد مرور /20/ يوماً على الجرعة الثانية أي بعد /50/ يوماً من بدء التلقيح ولذلك فإن ظهور الإصابة عند أحد الخطيبين لا يعد مانعاً من الزواج لكنه يؤجل عقد القران /50/ يوماً ريثما يتم البدء بتلقيح الشريك السليم واكتسابه مناعة كافية ضد العدوى .‏

 

التهاب الكبد الفيروسي (سي) :‏

 

أصبح التهاب الكبد الفيروسي /سي/ السبب الثاني لأمراض الكبد المزمنة في العالم بعد التهاب الكبد /ب/ وتختلف نسبة انتشار الفيروسي /سي/ بحسب البلدان حيث لا توجد في سورية إحصائيات دقيقة على معدل انتشار الإصابة وتظهر الإصابة عادة بين عمر /40-60/ سنة ولا ينتقل الفيروس /سي/ إلا بالتماس مع الدم الملوث وعند استعمال الأدوات الخاصة ( مثل أدوات الحلاقة وفرشاة الأسنان ) والإجراءات غير العقيمة ( كالوشم والحجامة وثقب الأذن وغيرها … ) من أهم أسباب انتقال العدوى ويليها حالات العدوى العائلية ونقل الدم والتحال الدموي وتتطور الإصابة عند 10-20% من المرضى الى تشمع كبدي بعد 20-25 سنة من بدء الإصابة لذلك يجب تنبيه المصاب للالتزام بالمراقبة الدورية عند أحد الأطباء المختصين وترجح أغلب الدراسات الحديثة أن اللقاح ضد التهاب الكبد /ب/ يكسب الشخص مناعة ضد فيروس الكبد /سي/ .‏

 

الخضابات الشاذة‏

 

وتضم التلاسيميا وهو شكل من أشكال اضطرابات الخضاب وهو من أكثر أمراض الدم الوراثية شيوعاً وأكثرها انتشاراً في بلدان البحر الأبيض المتوسط ويعاني المصاب من فقر دم انحلالي مستمر بسبب تخريب كريات الدم الحمراء المستمر ويحتاج المريض لنقل دم متكرر كل /2-4/ أسابيع مدى الحياة وهو ما يشكل عبئاً نفسياً واقتصادياً واجتماعياً على المريض وأهله خاصة بوجود عدة مصابين في العائلة الواحدة كما أن المريض يتعرض لاختلاطات كثيرة ناجمة عن المرض ونقل الدم المتكرر مما يؤثر على حياتهم بشكل خطير .‏

 

أما فقر الدم المنجلي فهو فقر دم وراثي سببه شكل من أشكال الخضابات الشاذة ويعاني المصاب من عمر (4-6شهور) من نوبات ألم شديدة بسبب تخرب كريات الدم الحمراء واحداثها انسدادات في الأوعية الدموية .‏

  وفي هذا الكشف الذي لا يعني فيه التنافر في الزمر الدموية مانعاً للزواج لكن قد يسبب انحلالاً دموياً للجنين أثناء الحمل بعد الزواج لذلك ينبه الخاطبان لضرورة مراجعة طبيب نسائية عند حدوث حمل .‏

 

آخر التحاليل المنفذة الإيدز‏

 

وهو من أخطر الأمراض المعدية في العصر الحديث لذلك يتحرى المخبر سلامة الخطيبين قبل منح التقرير الطبي ويمكن أن يحال أحد الخطيبين الى مشفى الحميات لتأكيد تقرير السلامة عند اللزوم ويتم إعداد التقارير في سرية تامة .‏

 

إقبال واضح‏

 

الدكتور شعار أفاد أنه منذ افتتاح العيادة وبدء العمل بها بتاريخ 12/5/2009 بدا واضحاً نسبة الإقبال وخاصة بعد انضمام الريف حيث تجري العيادة وتعد ما بين 120-130 تقريراً حيث يبلغ عدد المراجعين وسطياً كل يوم 260 مراجعاً أما بالنسبة للكادر العامل في العيادة فهم /5/ للاستقبال و/2/ لسحب الدم وفي المخبر /6/ أشخاص يتناوبون صباحاً ومساء إضافة الى /5/ أطباء وطبيب مخبري ويضيف أن أهمية هذه العيادة تأتي في جعل سورية واحدة من أربع دول في المنطقة يكون لديها نظام كشف للأمراض الإنتانية والجراثيم التي أهمها التلاسيميا وذلك للحد منها .‏

 

معارضة في البداية‏

 

يوضح الدكتور شعار أن مسألة الفحص الطبي قبل الزواج كانت تجد معارضة في بداية افتتاح العيادة وخاصة لدى بعض القادمين من الريف وحتى المدينة لأنهم كانوا يعتبرون الخطوة تدخل في الخصوصيات العائلية لأننا نركز أثناء إعداد التقارير على القصة المرضية للعائلتين وحتى للخطيبين بينما كنا نجد السرور على وجه القادمين من الخارج الذين كانوا يبدون ارتياحاً واضحاً بالإجراءات المنفذة .‏

 

أكثر النسب شيوعاً‏

 

وتأتي النسب الأكثر شيوعاً من نصيب التهاب الكبد /ب/ حيث تدل المؤشرات وتصريح الدكتور شعار على ارتفاعها ويوصي بضرورة اللقاح بالنسبة للأطفال حتى لا يتعرضوا للعدوى بأي شكل كان أما بالنسبة للأمراض الأخرى فهي تختلف وتأتي نسب الإصابة بالايدز ضئيلة جداً فهي لم تبلغ سوى 2-3 حالات منذ افتتاح العيادة حيث يتم التعامل مع الحالة بسرية تامة وتحال التحاليل الى مركز الايدز للتأكد من سلامتها قبل مصارحة الخطيبين وبشكل عام يتم التعامل مع الاضبارة الصحية بحرص تام ولا يتم فتحها إلا بحضور كلا الطرفين .‏

 

هدف العيادة الأساسي‏

 

وكما يوضح الدكتور شعار فإن عيادة ومخبر الزواج لا توقف أي تقرير طبي ولا تمنع الزواج لأي سبب طبي لكنها تقدم المشورة الصحية وتساهم في توعية الخطيبين صحياً وإرشادهما في وحال وجود دواع لذلك وفي حال ظهور أية نتيجة مخبرية غير مؤكدة السلامة فإن الطبيب يحيل الخطيبين وفق توجيهات وزارة الصحة إلى مشفى الحميات حصرياً لتأكيد النتائج بكتاب مصدق أصولاً مجاناً بدون تقاضي أية رسوم إضافية ويتم الاكتفاء بتسعيرة النقابة التي تدفع عند بداية إجراء الفحوصات والبالغة /2225/ ليرة سورية .‏

 

صعوبات العمل‏

 

يبدو جلياً للعيان أن هناك صعوبات كثيرة للعمل في العيادة وسط هذا الحضور للمقبلين على الزواج وعلى الرغم من سعة العيادة إلا أن اصطحاب العائلة مع كلا الخطيبين يسبب ازدحاماً شديداً وتجمهراً أمام باب العيادة ويضيف الشعار هناك عدم التزام بمواعيد العيادة حيث نفاجأ بالدور حتى قبل افتتاح العيادة وسط إصرار الأهل بالدخول مع الخطيبين إلى الداخل وفي العيادة هناك مواعيد خاصة للاستقبال حيث يخصص الظهر لتوزيع التقارير الأمر الذي لايتقيد به المواطنون ويجب أن ننوه الى ضرورة إجراء الفحوصات قبل تحديد موعد الزفاف لأخذ اللقاحات في حال استدعى الأمر لأن الكثير من الوافدين يصرون على إجراء الفحوصات بسرعة شديدة لتحديدهم مواعيد الزفاف.‏

 

إجراءات للسلامة‏

 

أما فيما يخص إجراءات السلامة للكادر الطبي العامل في العيادة فهو ملقح ضد الأمراض الوبائية ولكل منهم قفازات وأنبوب و/سرنك/ خاص وهناك كود خاص يضع لكل حالة ويلصق على أنبوب الدم حيث تنظم الملفات كلها الكترونياً وهي محمية وتقفل من مجرد التسجيل ويحتفظ بكل التحاليل حتى يتسنى لكل شخص مراجعة المركز والحصول عليه متى أراد ومع دخول الأتمتة إلى جهاز الدمويات ترحل النتائج مباشرة للكومبيوترات المركزية حيث تسجل التحاليل في إضبارة الشخص أما التحاليل الإنتانية تؤجل لأنها تعاد مرة ومرتين للتأكد منها .‏

 

ملاحظات هامة‏

 

يلاحظ في بعض التقارير الموجودة في المركز أن هناك أضابير لإناث غير بالغات وأخرى لأشخاص طاعنين في السن ورغم ذلك نجدهم مقبلين على الزواج الأمر الذي يفرح أحياناً ويحزن أحياناً أخرى فهناك التقاء بين عدة أجيال في مركز الفحص الطبي يجتمعون حول هدف واحد هو التأكد من السلامة للإقبال على الزواج سواء أكان مبكراً جداً أو متأخراً جداً جداً .‏

 

آراء وانطباعات‏

 

الخطيبان عاصم شريف طرابيشي السن 64 عاماً والآنسة فاطمة شريمو 50 عاماً : يقول الخطيب هذا هو الزواج الثاني لي وأعتبر نفسي بهذه الخطوة مقبل على زواج صحيح بإجراء هذه الفحوصات فهذه الخطوة جيدة وأنا واع تماماً لها أما الخطيبة فتوضح أنه لابد للإنسان أن يسير على بيان ونور حتى لايتفاجأ بشيء في المستقبل .‏

 

أما الخطيب زكريا مارديني وحليمة حمو البالغة من العمر /19/ سنة : الخطوة جيدة فالإنسان يطمئن بخلوه من الأمراض ويضمن حياته وحياة أولاده مستقبلاً ونحن هنا وعلى قناعة تامة بضرورة هذه الفحوصات ولكن الازدحام شديد .‏

 

السيد محمد سقا لائق العمر 25 سنة : هذه الخطوة جيدة بعد أن كانت مجرد ورقة فقط تقدم كأية ورقة للقاضي لإتمام الزواج أما الآن فالأمور جدية ولابد من المرور على العيادة قبل إتمام الزواج .‏

 

خطوة رائدة‏

 

لايسعنا سوى القول بضرورة وجود هذه المراكز بل أن تأخذ مساحة أوسع مما هي عليه وتوزع في أكثر من مكان لتقدم خدماتها لهذه الفئة المقبلة على الزواج ولابد من تضافر كل الجهود لنجاح هذه التجربة وخاصة في القضاء وعدم السماح لمرور أية معاملة زواج دون إجراء هذه الفحوص الطبية في العيادة الخاصة ولابد من التركيز على إجراء ورشات العمل والندوات التعريفية بهذه العيادة لزيادة وعي الناس بأهمية هذه العيادة وضرورتها وتعريف المواطنين بالخدمات التي تقدمها بشكل أشبه بالمجاني حيث نضمن صحتنا وصحة أولادنا مستقبلاً .‏

 

 

شام نيوز- جريدة الجماهير