فرانسين يصدر قراراً إعدادياً لتسليم السيّد أدلّة متعلقة بشهود الزور

بينما الأنظار شاخصة إلى جلسة المحكمة الخاصة بلبنان لمناقشة مسائل قانونية طرحها قاضي الإجراءات التمهيدية البلجيكي دانيال فرانسين لمعرفة كيفية درس قرار الاتهام المرفوع إليه من المدعي العام الكندي دانيال بيلمار في 17 كانون الثاني 2011، أصدر فرانسين قراراً إعدادياً لمصلحة اللواء الركن جميل السيّد بشأن مطالبته بتسليمه الأدلّة المتعلّقة بملفّ شهود الزور الذين تسبّبوا بالاعتقال التعسفي له ولثلاثة ضبّاط آخرين.

وتبنّى قرار فرانسين وجهة نظر السيّد وما خلص إليه وكيله القانوني المحامي أكرم عازوري في مرافعته في الجلسة الأخيرة التي عقدت في مقرّ المحكمة في ضاحية لايدشندام في لاهاي في 14 كانون الثاني 2011، من أنّه لا يحقّ للقاضي بيلمار أن يتذرّع بالمطلق بسرّيّة التحقيق وبالحفاظ على السلم العالمي، والأمن القومي، والاتفاقيات السرّيّة المعقودة مع الشهود المستمع إليهم، بهدف حجب الأدلّة التي يطلبها عن الاعتقال التعسفي.

وقضى فرانسين بأنّه من حقّ السيّد أن يطلع على كامل أسباب اعتقاله التعسفي، وطلب من بيلمار أن ينظّم له جردة مفصّلة بكلّ العناصر التي يملكها والمتصلة بالاعتقال التعسفي وأن يبيّن له إفرادياً كيف أنّ كلّ عنصر على حدة، من تلك العناصر، يؤدّي إلى تهديد السلم الأهلي، أو سلامة الشهود، إلى ما هنالك من حجج أطلقها بيلمار وروّج لها مراراً ليسقطها فرانسين من حساباته.

وسبق للمحامي عازوري في مرافعته في جلسة 14 كانون الثاني 2011، أن قال إنّ على بيلمار أن يسلّم فرانسين لائحة مفصّلة بكلّ أسباب الاعتقال التعسفي، وأن يبيّن أسباب حجبه كلّ دليل من الأدلّة على حدة، وهذا ما أخذه فرانسين برمّته، أيّ أنّه تبنّى مرافعة عازوري بكاملها، وأهمل حجج بيلمار وممثّليه كلّياً، ممّا يقود إلى القول إنّ قرار فرانسين يشكّل صفعة قوّية لم يكن بيلمار يتوقّعها قبل البتّ بقراره الاتهامي إيجاباً أو سلباً.

وطلب فرانسين إلى بيلمار أن يزوّده بتقرير خطّي قبل 11 آذار 2011، يضمّنه كل ما له علاقة باعتقال السيّد وتبيان الأسباب التي تمنعه من تزويده بكلّ مستند من المستندات المطلوبة، وسرد كلّ المواد التي يملكها ولا يمكنه تسليمها.

وبحسب بيان صادر عن المحكمة، فإنّه «يتعيّن على المدّعي العام الآن أن يقدّم إلى قاضي الإجراءات التمهيدية أسباباً للقول بأن الكشف عن تلك المستندات يمكن، مثلاً، أن يلحق ضرراً بالتحقيق أو أن يعرّض حياة أناس للخطر، وأيّ معلومات يُكشف عنها لقاضي الإجراءات التمهيدية تظل سريّة بين الفريقين (فلا يطلع عليها، في هذه المرحلة، سوى المدّعي العام وقاضي الإجراءات التمهيديّة).

وفي أوّل جلسة علنية للغرفة الأعلى في المحكمة الخاصة بلبنان وهي غرفة الاستئناف، أمام جمهور من الصحافيين والمهتّمين، منذ انطلاقتها إدارياً في الأوّل من شهر آذار 2009، ظهر عيب قانوني في شكلها وتركيبتها لأسباب متصلة بوجود القاضي اللبناني رالف رياشي في هيئتها، على ما قال قانوني متابع لشؤون المحكمة.

فهذه الجلسة المخصّصة لتعريف مفاهيم الأعمال الإرهابية والمؤامرة، وجريمة القتل ومحاولة القتل قصداً، وأشكال المسؤولية الجرمية، وإمكانية إعطاء الفعل ذاته أكثر من وصف واحد أو الاختيار بين هذه الجريمة أو تلك، جاءت بناء لطلب القاضي فرانسين بغية الوقوف على رأيي المدعي العام بيلمار ورئيس مكتب الدفاع الفرنسي فرانسوا رو، حول هذه المسائل الهامة قبل الفصل في قرار الاتهام المرفوع إليه، في سبيل معرفة ما إذا كانت المحكمة ستستند إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني الذي تعتمد عليه المحكمة في قواعد الإجراءات والإثبات، أو على القانون الدولي، أو على الاثنين معاً لتعريف المفاهيم المذكورة.

وبغضّ النظر عن أنّ الغاية من هذه الجلسة هي «ضمان تطبيق القانون بانتظام طوال الإجراءات القانونية للمحكمة وتوفير محاكمة سريعة وعادلة للمتهمين» بحسب البيان الصادر عن المكتب الإعلامي للمحكمة، فإنّ العيب القانوني تبدّى في مشاركة رياشي في مناقشة مواد قانونية تعتبر من صلب نظام المحكمة وقواعدها، وقد ترأسها القاضي الإيطالي أنطونيو كاسيزي الذي توسّط قوس المحكمة، مستشاريه رياشي، ودايفد باراغوانث، وعفيف شمس الدين، وكييل أريك بيونبرغ.

وبما أنّه سبق للقاضي رياشي أن شارك كممثّل عن الدولة اللبنانية، في صياغة نظام المحكمة وقانونها وترك ثغرات أساسية مثل إهمال مسألة شهود الزور وعدم الاهتمام بوجودهم كمحرّك مهمّ يمكن من خلاله الوصول إلى مرتكبي جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإنّه من الطبيعي أن يكون منحازاً لوجهة نظره المعروفة مسبقاً حتّى ولو خالفه زملاؤه في الغرفة رأيه القانوني، وهذا ما يجعل الجلسة بحضور رياشي باطلة، وكان بمقدور كاسيزي أن يستبدل رياشي بقاضٍ آخر لم يشارك في إعداد نظام المحكمة.

إضافة إلى ما تقدّم، فإنّ هنالك اتهامات تطاول رياشي بمشاركته في إطالة أمد الاعتقال التعسفي للضبّاط الأربعة اللواءين جميل السيّد وعلي الحاج والعميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان من خلال موافقته على ردّ المحقّق العدلي القاضي الياس عيد بناء على طلب مدعين يطالبون بتعويضات مالية شخصية، عندما برزت إلى العلن نيّة عيد في إطلاق سراح اثنين من هؤلاء الأربعة، قبل أن يجد القاضي فرانسين المخرج القانوني المناسب ويصدر قراره الشهير بالإفراج عنهم في 29 نيسان 2009.

وفي الشكل أيضاً، حضر بيلمار شخصياً هذه الجلسة لإعطاء أهمّية معنوية لما يقوله، ولم يرسل ممثّلين عنه من فريق عمله، كما حصل في الجلستين اللتين عقدهما فرانسين في 13 تموز 2010 و14 كانون الثاني 2011، للنظر في طلب السيّد تزويده بالأدلّة المتعلّقة بشهود الزور بغية ملاحقتهم أمام القضاء الوطني المختص بحسب جنسيّة كلّ واحد منهم. ولكنّ فرانسين لم يحضر الجلسة، بل اكتفى بإرسال ممثّل عنه، فهل قصد من ذلك «ردّ الأجر(القدم)» لبيلمار لغيابه عن جلستيه المذكورتين على الرغم من أنّهما لا تقلان شأناً وأهميّة عن جلسة مناقشة مفاهيم قانونية معروفة؟

وكانت المحكمة حريصة على التوضيح بأنّ جلسة سماع بيلمار ورو هي «تقنية تناقش بعض النقاط القانونية الناشئة عن قرار الاتهام، غير أنّها لن تكشف عن أية معلومات أساسية يتضمّنها القرار المذكور، كما انّه لن يذكر في الجلسة أيّ اسم، أو أسماء، أو أوصاف، أيّ شخص يذكره قرار الاتهام، أو أيّة وقائع متعلّقة بالأدلّة المؤيّدة لقرار الاتهام».

جلسة تشريح القانون

وبالعودة إلى الجلسة العلنية التقنية لغرفة الاستئناف، فقد افتتحها الرئيس أنطونيو كاسيزي بالإشادة بهذه الجلسة، قائلاً إنََّها «تمثّل لحظة مهمّة في حياة المحكمة»، ومؤكًداً «أنّ من مصلحة كلّ لبنان والمجتمع الدولي برمّته أن تتقدّم هذه العملية بثبات وسرعة».

وبوشر بتفسير ماهية العمل الإرهابي، وأعطي الكلام للقاضي بيلمار، فاعتبر «أنّ العناصر المكوّنة لمفهوم العمل الإرهابي واردة في القانون اللبناني، ولا ثغرات فيها للجوء إلى القانون الدولي، كما أنّه لا يوجد تعريف في القانون الدولي للجريمة الإرهابية يتفقّ عليه الجميع»، وأكّد أنّ هذه الجلسة لن تشير إلى «أيّ أسماء أو اتهام ورد في القرار الاتهامي، وهو سرّي، وقليلة هي الجهات التي اطلعت عليه، ولن تكون الخطوة الأولى للتعريف بما سيؤول إليه القرار».

وردّ مكتب الدفاع في المحكمة الذي لا يمثّل متهماً معيّناً بل المصالح العامة لجميع المتهمين المستقبليين، بالإشارة إلى أنّ قرار الاتهام لا يزال سرّياً، مبدياً موافقته على ضرورة تطبيق القانون اللبناني على هذه القضيّة.

وأكّد مكتب الدفاع أن «الهدف من المحاكمة معاقبة كل المسؤولين وإلاّ في ذلك تناقض مع روح هذه المحاكمة فبعض أحكام القانون الدولي رفعت الحصانة عن الجميــع، لكن ربما النظام الأساسي لا يمنع من ملاحقة شخص حاصل على حصانة دولية».

بيلمار والذعر

ورأى مكتب بيلمار أنّه «بمجرّد أن نضع متفجّرة في مكان ما ولم يتعرّض أيّ شخص للضرر منها، فهذا الأمر لا يهدف بالضرورة إلى خلق الهلع والذعر»، موضّحاً «أنّه قد يكون هناك عناصر أخرى تشبه الإرهاب، لكنّ القصد منها لا يكون كذلك». ودعا إلى النظر إلى السمة الرئاسية لتعريف الإرهاب، شارحاً أنّ «الإرهاب يمكن تعريفه من خلال القصد بخلق حالة ذعر، وقانون العقوبات اللبناني يحدّد بشكل واضح، أن لا داعي للنظر إلى نيّات أخرى ولسنا في حاجة للتوسّع في الوسائل التي تؤدّي إلى إيجاد حالة من الذعر».

وتحدّث قائد فريق المحاكمة في مكتب المدعي العام الألماني إكهارد ويتهوف الذي حضر إلى جانب بيلمار، فقال إنّ «العمل الإجرامي المشترك لا يتعارض مع القانون اللبناني وكان متوافراً عند ارتكاب جريمة اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري». ورأى أن لا شيء يمنع تطبيق مبدأ العمل الإجرامي المشترك هنا، ويجب أيضاً تطبيق القصد الاحتمالي في هذا الإطار».

رياشي يوضّح

وخلال البحث في النقطة الثانية المرتبطة بالمؤامرة، فقد تدخّل القاضي رالف رياشي ليوضّح أنّ «القانون اللبناني لا يفترض أن يكون هنالك اتفاق بين شخصين، أو أكثر، أحدهم يعرف الآخر»، مشيراً إلى أنّه «قد يكون المتآمر لا يعرف المتآمر الآخر في المؤامرة نفسها».

وبشأن إمكانية إعطاء الفعل ذاته أكثر من وصف واحد، فأشار مكتب الدفاع إلى أنّ «النظام الأساسي لا يشير إلى مبدأ اجتماع الجرائم، وأنّ القانون اللبناني هو الذي ينطبق على العقاب والملاحقة، أو الاجتماع المعــنوي للجرائم إذا كانت طبيعة هذا الفعل تؤدّي إلى إدانة لهذا الفعل».

وقال إنّه «إذا كانت الأحكام تتعلّق بنوايا ونتائج إجرامية، فإنّ المادة 181 من قانون العقوبات اللبناني، وإنْ كانت لا تشير إلى اجتماع الجرائم، فإنّها تشكّل حكماً تمكّن القضاء من الحكم بأقصى عقوبة، ولو أنّ ذلك لن يطلب في مطالبة الادعاء». وتنصّ المادة 181 المذكورة على أنّه «إذا كان للفعل أوصاف عدة ذكرت جميعاً في الحكم، على أن يحكم القاضي بالعقوبة الأشدّ، على أنّه إذا انطبق على الفعل نصّ عام من الشريعة الجزائية ونصّ خاص أخذ بالنصّ الخاص».

وعن المادة 205 من القانون اللبناني، رأى مكتب الدفاع أنّ «هذا الحكم ينطبق على الحكم المادي للجرائم، وفي مثل هذه الحالة القاضي سيأمر بأقصى عقوبة، وفي الاجتماع المادي تتمّ مراكمة العقوبات، ولكن هناك فرق حقيقي في الممارسة بين الاجتماع المادي والمعنوي، ففي المعنوي نتحدّث عن حالة طبيعية ومطبقة، ويمكن للأداء أن يطلب تطبيق العقوبات».

وناقش المشاركون جوهر أشكال المسؤولية الجرمية، وقال كاسيزي إنّ «القانون اللبناني يتحدّث عن واجب الإبلاغ ولسنا مبدأ عاماً كما في القانون الدولي»، مشيراً إلى أنّه «نستطيع أن نضيء في هذا الإطار، على هذه النقطة وعلى السلطات المدنية وأعضــاء مجلس الوزراء مثل أيّ أمين عام لأيّ حزب كان عليه أن يخضع للقانون كما حصل في المحكمة الخاصة بيوغسلافيا».

وأضاف: «عندما نتحدّث عن مرؤوس إذا ما حصل على أمر غير شرعي، يمكنه أن يرفض تنفيذ هذا الأمر، أمّا إذا كُرّر هذا الأمر فلا يمكنه فعل ذلك»، معتبراً أنّ «هناك مجالاً لتطبيق القانون الدولي، لا سيّما في جريمة الإرهاب والتي أصبحت جريمة ذات تبعات كبيرة على غرار غيرها من الجرائم الدولية».

وحدّد كاسيزي يوم الأربعاء في 16 شباط الجاري موعداً لإصدار قضاة غرفة الاستئناف قرارهم في المسائل التي جرت مناقشتها وتحديد القانون الواجب التطبيق أمام المحكمة.

 

السفير