فقيد الشعر العربي

ساهرة صالح . شام نيوز
قد يبدوغريبا أن نبدأ الحديث عن الشاعر الكبير نزار قباني ،في ذكرى مولده، بالعبارة التي كتبت على شاهدة قبره الكائن في منطقة الميدان مقبرة باب صغير(آل البيت) ولكن هذه الغرابة تكاد لا تنفصل عن السيرة الذاتية لشاعر دمشق الذي شغل العالم بقصائده، استطاع ان يدخل معها إلى عالمين متناقضين وهما الحب والسياسة...
إنه ذلك الفارس الذي لم يترجّل يوما عن صهوة حصان الشعر حتى عندما كان يشعر بالهزيمة والخذلان, فحتّى عندما كان يخطّ بقلمه أشدّ قصائده وطأة على العرب, كان بين طياتها يستنهض الهمم، لعلنا ننهض من جديد ، كأن كتب في قصيدته(هجم النفط مثل ذئب علينا)
أمريكا تجرب السوط فينا وتشد الكبير من أذنيه وتبيع الأعراب أفلام فيديو وتبيع الكولا إلى سيبويه أمريكا ربٌ.. وألف جبانٍ بيننا، راكعٌ على ركبتيه..
يا بلاداً بلا شعوبٍ.. أفيقي واسحبي المستبد من رجليه يا بلاداً تستعذب القمع..حتى صار عقل الإنسان في قدميه
هذا هو نزارنا الذي افتقدناه يوم وفاته الخميس 30/4/1998 وعدنا لنفتقده اليوم كما الأمس البعيد,و نتساءل، ترى ماذا كنت ستكتب لنا و عنا,في الحب و الكره والنصر و الهزيمة :
مالحةٌ في فمنا القصائد مالحةٌ ضفائر النساء والليل، والأستار، والمقاعد .....يا وطني الحزين حولتني بلحظةٍ من شاعرٍ يكتب الحب والحنين لشاعرٍ يكتب بالسكين
من قصيدة ( هوامش على دفتر النكسة )
لقد حمل شاعر دمشق في ترحاله الأبدي ذراتها في شراينه و مأذنها على كتفيه و رائحة ياسمينها في رئتيه و قال :
هذي دمشق وهذي الكأس والراح إني أحب وبعـض الحـب ذباح
أنا الدمشقي لو شرحتم جسدي لسـال منه عناقيـدٌ وتفـاح
و ها هو اليوم نزار قباني في ذكرى مولده. يجبر الأقلام أن تستدعي بعضا من رؤيته لحال العرب. علّنا نجد ضالتنا بين السطور:
أنا منذ خمسين عاما أراقب حال العرب وهم يرعدون، ولايمطرون وهم يدخلون الحروب، ولايخرجون وهم يعلكون جلود البلاغة علكا ولا يهضمون...
أيا وطني جعلوك مسلسل رعبٍ نتابع أحداثه في المساء فكيف نراك إذا قطعوا الكهرباء؟؟
توفي نزار قباني في لندن, ولكنه طالب وهو في لحظاته الأخيرة بورقة و قلم وكتب: ( أعيدوني لمن علمتني أبجدية الياسمين لأن دمشق هي الرحم الذي علمني الشعر وعلمني الإبداع وأهداني أبجدية الياسمين هكذا يعود الطائر إلى بيته والطفل إلى صدر أمه )
و عندما توقف قلب الشاعر عن الخفقان حملته الطائرة الرئاسية الى دمشق لتكمل بعدها الأكف و الصلوات حمله الى مثواه الأخير, و كلماته ما زالت تعتذر منا و لا تريد التبرير :
يا سادتي
عفوا إذا أقلقتكم
أنا لست مضطرا لأعلن توبتي
هذا أنا
أنا لا أسكن في أي مكان
إن عنواني هو اللامنتظر
مبحرا كالسمك الوحشي في هذا المدى
في دمي نار .. وفي عيني شرر
ذاهبا أبحث عن حرية الريح
التي يتقنها كل الغجر
راكضا خلف غمام أخضر
شاربا بالعين آلاف الصور
ذاهبا حتى نهايات السفر
مبحرا .. نحو فضاء آخر
نافضا عني غباري
ناسيا اسمي
وأسماء النباتات
وتاريخ الشجر
هاربا من هذه الشمس التي تجلدني
بكرابيج الضجر
هاربا من مدن نامت قرونا
تحت أقدام القمر
تاركا خلفي عيونا من زجاج
وسماء من حجر
ومضافات تميم ومضر
لا تقولي : عد إلى الشمس .. فإني
أنتمي الآن إلى حزب المطر