في الطريق إلى القصر العدلي!

شام نيوز – وجيه موسى
 
     
دعاني أحد الأصدقاء المحامين لتناول كوب من الشاي في قاعة المحامين بالقصر العدلي بمدينة دمشق ، للوهلة الأولى وفور دخولك القصر تحسب أن الناس جميعا قد تخالفوا من شدة الازدحام الذي تصادفه في بهو القصر وكل جنباته ، هذا المنظر ينسيك ما رأيته وما سمعته قبيل دخولك القصر ، طاولات نشرت على قارعة الطريق في كل الاتجاهات التي تؤدي إلى المدخل الرئيسي للقصر ولافتات كتب عليها عقود زواج ... طلاق ....وكلات عامة وخاصة .... كفالات ..معاريض .. مخالعة رضائية ..دعاوي..مدنية ...جزائية .. طعن .. استئناف .. حصر ارث شرعي وقانوني .. استدعاءات ..عقود بيع ... أجار وبيع سيارات .. تحويل وحدات – ياهلا – أريبا – يا نصيب  - نظارات شمسية وطبية – صراف عملات – ساعات ضد المي - ....... والى ما هنالك من عبارات معروفة لدى أصحاب المهنة وأصحاب هذه المكاتب المتنقلة " الطاولات "  يستقبلونك بالترحاب  فور نظرك إليهم تفضل عقود زواج – طلاق – وكالات – تعقيب معاملات  ومنهم من يرافقك في السير قائلا : قضيتك مشكلتك طلباتك ماذا تريد نحن بالخدمة ..؟


 
هذا المنظر يذكرك بمدخل كرجات  "الهوب – هوب " وكيف يستقبلك الو شيشة وكيف يتصارعون عليك من أجل كسب راكب  فالمنظر واحد لا يختلف ... دخان مهرب – بسطات متنوعة  - يانصيب – قداحات أقلام – محارم ... تماما المشهد واحد والشيء الوحيد المختلف أمام القصر العدلي تسمع من ينادي شاهد ...شاهد ... وهذا غير موجود أمام الكراجات والحق يقال .!

 
صادف دخولي القصر العدلي موعد أذان الظهر فسمعت نداء الآذان من داخل القصر وهذا ما شرح صدري وقلت لصديقي المحامي صاحب الدعوة شيء رائع أن يرفع الآذان من مسجد داخل القصر قال نعم  ولكن للأسف أغلب الصفقات والرشاوى تتم داخله من بعض ضعاف النفوس الذين يختبئون خلف ستار الدين ..... نعم لا تستغرب وهناك الأغرب في هذا القصر  فعلى سبيل المثال لا الحصر  الكاتب في هذا القصر مثله مثل القاضي تقريبا وهو أفضل من كثيرين من المحامين فالجميع يطلب وده كما يطلب ود القاضي وأيضا المستخدم له أهمية كبيرة في هذا القصر فلا يمكنك تصوير اضبارة أو أخذ رقمها دون إرضاء السيد المستخدم وتشوف خاطره " وربما يكون مفتاح لأمور كثيرة هامة  . 

 

وصلنا أمام قاعة المحامين مكان دعوتنا على كوب الشاي  في الطابق الأول وأول ما شاهدته جبال من الكتب يصل ارتفاعها إلى أمتار هذه الكتب هي نسخ من مجلة المحامين التي تصدرها نقابتهم دخلنا هذه القاعة والتي تتألف من طابقين:
 الأول كما عرفت لدهاقنة المحامين والثاني للمحامين الجدد والدراويش حسب صاحبنا صاحب الدعوة.
المهم عند دخولك تحسب نفسك أنك دخلت في غيمة سوداء تكاد أن تمطر  تتابع صعودك إلى طابق الدراويش  الطابق الثاني للقاعة تجد نفسك في غيمة أكثر كثافة وأكثر سوادا  والجو غائم كليا ويتوقع سقوط بعض المراجعين أو الزائرين أمثالي على الأرض بسبب انبعاث أعمدة الدخان من أفواه المحامين والمحاميات على حد سواء ، ويذكرك هذا المنظر بتلك السحابة الجاثمة على صدر مدينة دمشق دائما والتي تراها  فور دخولك المدينة من مدخلها الشمالي عند مدينة عدرا .
تجول بناظرك في هذه القاعة لا تجد طاولة واحدة لا تتصاعد منها أعمدة الدخان الكثيفة وكأنك تجول في مصفاة نفط ... تستنتج أن نسبة المدخنين من المحامين والمحاميات في بلدنا 100%  ويبدو لك أن نقابة المحامين تشترط لانتسابك لعضويتها أن تكون مدخنا متمرسا .
 
طلب لي صديقي كوبا من  الشاي  وما هي إلا دقائق حتى احمرت عيناي وبدأت تدمع وطارت من رأسي كل الأسئلة التي كنت أرغب بطرحها على صديقي وأصحابه المحامين في تلك الغيمة أقصد تلك القاعة ، والتي لو قدر لهيئة البيئة أن تجري اختبارا على صلاحية العيش فيها لكانت النتيجة قطعا ودون جدال غير صالحة للعيش بسبب ارتفاع نسبة التلوث المنبعثة من أفواه المحامين والمحاميات أصحاب العدالة .
فهل من المعقول يا أصحاب العدالة أن تكون أهم قاعة لأهم نقابة في أهم وزارة تعمل على إحقاق الحق والعدل من أجل مجتمع أفضل غير صالحة للعيش بسبب التلوث .
هذا والجدير ذكره أن هناك مرسوما يمنع التدخين في الأماكن العامة والدوائر الرسمية وان كانت القاعة مخصصة للتدخين ولكن ليست بالصورة التي هي عليها. 
وهممت لأذهب وقلت لصديقي لا أرغب بالشاي فالجو غائم كليا في قاعتكم وما هذا السحاب المنبعث من أفواهكم يا أصحاب العدالة وانصرفت مهرولا .