في ختام جلسات حوار الشباب: مطالبات بنظام برلماني لا رئاسي

لم يجد أحد الشباب المشاركين في «جلسات حوار الشباب حول الدستور» في دمشق غضاضة في التأكيد على أن «الدولة العصرية لا يمكن أن يقودها إلا الحزب الواحد وبقية الأحزاب السياسية تشاركه في هذه القيادة وتدور في فلكه» معتبراً أنه بذلك «يتعزز مبدأ التعددية السياسية» دون أن تفوته المطالبة بدستور «عصري»!!.

 

وبينما طالب المتحاورون في اللاذقية بصياغة دستور على مقاس الدولة والمجتمع لا على مقاس أحزاب أو أشخاص، رأى آخرون ضرورة تعديل المادة الثالثة من الدستور التي تنص على أن دين رئيس الجمهورية الإسلام، لأن في ذلك «نفياً للأديان الأخرى ورجالاتها الوطنية»، على حين دعا المتحاورون في الحسكة إلى عدم تخصيص الحصة الأكبر من مقاعد مجلس الشعب لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية.

وبرز أن القاسم المشترك بين جميع المشاركين في مختلف المحافظات إجماعهم على ضرورة تعديل المادة الثامنة التي تجعل من حزب البعث «الحزب القائد في المجتمع والدولة، وأن المشكلة ليست في مبادئ الدستور والتشريع وإنما في تطبيقها.

واختتمت أمس جلسات حوار الشباب حول الدستور التي دعا إليها مجلس الشباب السوري والتي بلغ عددها 44 جلسة حوار على مدى ثلاثة أيام بمشاركة الشباب وشرائح المجتمع السوري غطت المحافظات والمدن السورية كافة بهدف إشراك الشباب السوري في الحياة السياسية واستطلاع آرائهم وطموحاتهم المستقبلية وما يريدونه من دستور بلادهم.

 

دمشق: انعقاد ثلاث جلسات وإلغاء الرابعة بسبب ضعف الإقبال

وفي دمشق كان مقرراً انعقاد جلستي حوار صباحيتين ومسائيتين في المركز الثقافي في كفرسوسة والمركز الثقافي في العدوي.

إلا أن الحضور في الجلسات لم يتجاوز عدد أصابع اليدين وأرجع أحد منسقي الجلسات الأمر إلى اعتقاد الكثيرين أن حضورهم ومشاركتهم «مرهونان بدعوة شخصية» ما دفع بالمنظمين إلى إلغاء الجلسة الصباحية في كفر سوسة.

ومع أن جلسة الحوار الصباحية في العدوي انعقدت بمشاركة 15 شخصاً فقط لا غير إلا أنها كانت «حامية الوطيس» برز فيها اتجاهان مثلا حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي.

ورغم أن المتحدثين من الحزبين حرصوا على التأكيد أن مداخلاتهم تعبر عن موقفهم الشخصي إلا أنها كانت في كثير من الأحيان انعكاساً لتوجهات حزبيهما فأخذوا على عاتقهم الدفاع عن سياستهما.

ولم تخل جلسة الحوار من اتهامات قادها كل طرف للآخر بقمعه وسلبه الحرية في الكلام وتجريحه وعدم احترام رأيه في حين كانت مديرة الجلسة هبة اللـه بيطار تؤكد لكل طرف نيابة عن الآخر أن حريته محفوظة وأن لا أحد يسعى لتجريحه وأن رأيه يحظى باحترام الآخرين.

 

سقطات وهفوات البعض شجعت الآخرين

ورغم أن المداخلات تميزت بدقة عالية ومهنية استعان خلالها بعض المشاركين بنسخة عن الدستور إلا أن بعض السقطات والهفوات من قبل البعض كانت كفيلة ببث الحماسة لدى الآخرين وخاصة حينما جزم مشارك بأن «الحزب الشيوعي ما زال يحكم في روسيا حتى الساعة» في حين اعتقد آخر أن «مقدمة الدستور تنص على العبارة التالية: رئيس الجمهورية بناء على أحكام الدستور يرسم ما يلي...» قبل أن يقاطعه أحد الحاضرين بلؤم ويزوده بنسخة من الدستور مفتوحة صفحاتها على «المقدمة».

 

النظام البرلماني لا الرئاسي والدولة المدنية لا العقائدية

وتقدم ممدوح التجار وعمر كنجاوي من شباب الحزب السوري القومي الاجتماعي في منفذية دمشق بمبادرة شخصية تتضمن اقتراحات لتعديل بعض مواد الدستور طالبت «باعتماد النظام البرلماني كنظام حكم عوضاً عن النظام الرئاسي والابتعاد عن المفاهيم العقائدية كالاشتراكية والعروبة التي تتبع لتنظيمات سياسية محددة واستبدالها بمفاهيم وطنية جامعة، وإسقاط كلمة العربية من اسم الدولة لتصبح الجمهورية السورية، وطرح مفهوم الدولة المدنية كصفة أساسية من صفات الجمهورية السورية، وطرح آلية جديدة للترشيح والانتخاب لمنصب رئاسة الجمهورية بما يتماشى مع مبدأ الديمقراطية الشعبية والتعبير عنها بنظام الحكم البرلماني».

وطالبت المقترحات بتعديل المادة الثالثة التي تنص على أن «دين رئيس الجمهورية الإسلام والفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع» ليكون مصدر التشريع القواعد الأخلاقية والثقافية المنبثقة من حضارة ونهضة المجتمع السوري، ودون تحديد دين رئيس الجمهورية، واتخاذ نشيد وطني جديد يحظى بإجماع عموم السوريين دون انحياز سياسي عقائدي.

وطالب شباب الحزب السوري القومي الاجتماعي «باعتبار ترشيح رئيس الوزراء من صلاحيات أعضاء مجلس الشعب من خلال الاستشارات النيابية التي يجريها رئيس الجمهورية، وأن ينتخب رئيس الجمهورية لمدة ستة أعوام ميلادية قابلة للتجديد مرة واحدة».

 

بعثي من الرعيل القديم يطالب بالفقه الإسلامي

موفق حناوي الذي عرف عن نفسه بصفته «بعثي من الرعيل الأول» دافع عن بقاء الفقه الإسلامي مصدراً رئيسياً للتشريع وقال إن ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث وهو الرجل المسيحي قال في ذكرى المولد النبوي الكريم إن كل من لا يؤمن بالإسلام لا يؤمن بالعروبة.

وانتقد الدعوة للدولة المدنية «فهل تريدون منا أن نتخلى عن أدياننا، هل تريدون إلغاء هؤلاء الناس الجالسين في المساجد».كما دعا عمار الصمادي، وهو بعثي يحضر بصفته الشخصية، إلى الاعتراف بالقومية واللغة الكردية بشكل رسمي في الدستور إلى جانب القومية واللغة العربية.

وطالب بالعودة بالمادة 83 إلى ما كانت عليه قبل العام 2000 حينما كانت تشترط في المرشح لرئاسة الجمهورية أن يكون «متماً الأربعين من عمره» وليس الرابعة والثلاثين كما هو الحال الآن، وطالب بأن يكون استحقاقه للجنسية السورية «أصيلاً غير حاصل عليها بالتجنيس بمعنى أن يكون من أم وأب سوريين حصراً».

كما طالب الصمادي «بتحديد عدد مرات ترشح رئيس الجمهورية بولاية واحدة مدتها خمس سنوات لا يجوز تجديدها إلا بعد انقضاء خمس سنوات بعد انتهاء الولاية الأولى».

 

التعددية السياسية تتعزز بحكم الحزب الواحد!!

أما محمد أحمد العبد اللـه من القنيطرة الذي غرد خارج السرب فأكد أهمية الإبقاء على المادة الثامنة التي تنص على أن «حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية».

وبرر العبد اللـه ما ذهب إليه بقوله إن «الدولة العصرية لا يمكن أن يقودها إلا الحزب الواحد وبقية الأحزاب السياسية تشاركه في هذه القيادة على حد سواء بين المعارضة والموالاة وكل هذه الأحزاب تدور في فلكه تقدم له مشاركتها في بناء المجتمع» معتبراً أنه بذلك «تتعزز مبدأ التعددية السياسية».

وطالب العبد اللـه بوضع دستور «عصري» ينص على إحداث برلمان شبابي وتضمين الدستور فقرة تتعلق بمبدأ الكسب غير المشروع والتأكيد على الفقرة الثامنة من المادة الحادية والسبعين المتعلقة بتولي مجلس الشعب حجب الثقة عن الوزارة أو أحد الوزراء في حال تقصيره، وعدم السماح لعضو المجلس بالاستمرار لأكثر من دورتين.

 

مجلس الشعب والوزراء وحجب الثقة والنزاهة

ودعت مشاركات أخرى إلى ضرورة الفصل بين السلطات وتفعيل عمل المحكمة الدستورية العليا والحفاظ على استقلالية وحيادية السلطة القضائية وتساءل آخرون: لم نسمع أن مجلس الشعب حجب الثقة عن أحد الوزراء أو استجوبه وساءله ورد آخر ممازحاً: لأنهم كلهم نزيهون.

ورأى البعض أن اعتماد النظام البرلماني نظاماً للحكم «مرفوض، فنحن لا نريد أن نقع في الفوضى مثلما حصل في لبنان» وحذر آخر من «مغبة الانتقال مباشرة من النظام الرئاسي إلى البرلماني»

 

لا للجمع بين عضوية مجلسي الشعب والوزراء

وطالب مشاركون بإلغاء المادة رقم 125 التي تنص على جواز الجمع بين الوزارة وعضوية مجلس الشعب.

وأجمع الحضور على أنه في الدستور «مواد جيدة وممتازة وخاصة تلك التي تتحدث عن الحريات والحقوق والواجبات العامة لكن يوجد سوء في تطبيقها». ودعا البعض إلى إضافة مواد تشدد على حرية الإعلام كما طالبوا بإعادة صياغة المقدمة «لتحظى بإجماع كل السوريين».

اللاذقية: الدستور يفصل على قياس الدولة والمجتمع لا الأشخاص أو الأحزاب

وفي اللاذقية ناقشت ثلة من الشباب بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية في دار الأسد للثقافة بالمدينة مجمل البنود المتعلقة بدستور الجمهورية العربية السورية، وتطرقت النقاشات إلى ضرورة تفصيل الدستور على قياس الدولة لا الأحزاب، وأن يخضع تعديله لمتطلبات الحياة السياسية الفعالة.

وركزت النقاشات على أن الدستور هو الوثيقة الأساسية للتعايش والمواطنة وإدارة المجتمع ووحدة الدولة، وضرورة أن يتضمن الآليات الكفيلة لتحقيق ذلك، مشددين على أن الدستور يجب أن يراعي عدم المغامرة بالتعايش المشترك وتمتين أسس المحافظة على القانون وتحديد الأهداف وراء تعديله.

وأشاروا إلى، أن الدستور الحالي للبلاد وضع منذ عام 1973 ليناسب تلك المرحلة ولم يطرأ عليه أي تغيير منذ ذلك الحين، على حين دخلت البلاد الآن بمرحلة مغايرة تتطلب تعديل الدستور ليناسب المرحلة الحالية، وضرورة تعديله بشكل متتال بين مرحلة زمنية وأخرى بما يتماشى مع المتغيرات، مع مراعاة الالتزام بنصوصه، لأن المشكلة عادة لا تكمن في التشريع بل في التطبيق. وطالب بعض المحاورين بـ«ضرورة النظر إلى الدستور بشمولية ليفصل على قياس الدولة والمجتمع، لا كما هو مفصل حالياً على قياس أشخاص، باعتباره مفصلاً ليتماشى مع حزب البعث»، مؤكدين ضرورة الاتفاق على ثقافة محددة ضمن الدستور للسير عليها «فلا يعقل كل ما أتى حزب لاحقاً أن يفرض ثقافته على المجتمع كله».

كما دعوا إلى «تفعيل الحياة السياسية لتباشر الأحزاب عملها، وليتم لاحقاً تعديل الدستور عبر ممثلي هذه الشرائح السياسية وليس عبر نقاشات طائفية».

وحول المادة الثالثة التي تنص على أن دين رئيس الجمهورية الإسلام، رأى البعض في ذلك «نفياً للأديان الأخرى ورجالاتها الوطنية»، وأن «الدين الإسلامي يجب أن يكون أحد مصادر التشريع وليس الوحيد وذلك ترسيخاً للوحدة الروحية في المجتمع».

ورأى البعض أن «تغيير المادة الثامنة من الدستور يعتبر حقاً وليس مطلباً»، على حين أجمع آخرون على ضرورة وجود تعددية حزبية وتعديل المادة الثامنة من الدستور، لأنها أدت إلى ترهل حزب البعث، الذي لم يتم تطويره ليبقى الحزب القائد دون منافس.

وتطرق البعض إلى موضوع الاشتراكية التي ورد ذكرها في الدستور 16 مرة وتساءلوا أين هي الاشتراكية فهي أثبتت فشلها وما لدينا حالياً رأسمالية في المجتمع واشتراكية في السلطة، والسياسة الاقتصادية موجهة حسب الأهواء وحسب المصالح، والاتفاقيات التجارية الموقعة مع بعض الدول أدت لإغراق المنتجات المحلية، واقتصاد السوق الاجتماعي وجدناه موجهاً ضد الفقراء.وأشار البعض إلى ضرورة إلغاء التمييز بين الطلاب لوجود مفاضلتين إحداهما لأبناء أساتذة الجامعة وأخرى لعامة الطلاب، فلا يعقل أن يتحول الكرسي الجامعي إلى كرسي وراثي للأبناء يؤدي إلى وجود تمزق اجتماعي يمنع التكافل الاجتماعي الذي ضمنه الدستور باحتوائه لكن بعيداً عن التطبيق؟.

واقترح أحد الشباب استقطاب رؤوس الأموال السورية المهاجرة عبر حاضنة دستورية، لها لكونها مشروعاً استراتيجياً يحقق رافداً اقتصادياً كبيراً.

 

الحسكة: نحو مشاركة وطنية جامعة في الحوار حول الدستور

وفي الحسكة، اتسمت المداخلات بالجدية وتركز النقاش الذي عقد في المركز الثقافي للمدينة على رؤية الشباب السوري لدستور أفضل ومبادئه الأساسية، فضلاً عن تعديله، والغاية من ذلك، مع التشديد على ضرورة المشاركة الوطنية الجامعة من كل أطراف المجتمع بما فيها المعارضة في المناقشات.

وفي خطوة لافتة تدل على جدية الحوار، استعرض المداخلون بعض الدساتير المعمول بها في بعض دول العالم، بغرض الاستفادة من تجارب الآخرين بالنسبة لصياغة دستور جديد للبلاد.

ودعا الشباب في جلساتهم إلى ضرورة تجديد مواد الدستور بشكل مستمر لمواكبة التطورات التي يشهدها المجتمع السوري، مشيرين إلى أن المدخل الأساسي في إعادة النظر بالدستور هو إلغاء المادة الثامنة لكونها تتعارض مع المرسوم الجديد لتشكيل الأحزاب، من أجل تحقيق الشراكة لكل أطياف المجتمع في صنع القرار السياسي، داعين إلى ضرورة تفعيل دور الأحزاب والمنظمات واعتماد مبدأ الحوار أسلوباً لحل الأزمات في كل الأوقات.

 

عدم تخصيص الحصة الأكبر من مقاعد مجلس الشعب لأحزاب الجبهة

كما طالبوا بضرورة اعتماد نظام انتخابي يضمن وصول الكفاءات إلى سدة القرار بعيداً عن المحسوبيات، وزيادة أعداد مقاعد المستقلين والأحزاب التي ستحدث نتيجة قانون الأحزاب الجديد، وعدم إعطاء الحصة الكبرى من هذه المقاعد لممثلي حزب البعث وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وفصل المنظمات الشعبية عن الحزب.

ولفت المشاركون إلى أن المشكلة ليست في مبادئ الدستور، وإنما في عدم تطبيق البعض لهذه المبادئ، لكنهم أكدوا أهمية الحفاظ على مواد الدستور ذات النفع العام والطابع الوطني والتقدمي، التي تؤكد مبدأ العلمانية واعتماد النهج الاقتصادي الاشتراكي، إضافة إلى ضمان مجانية التعليم والخدمات الصحية والحريات الفكرية وحرية التعبير، ودور المرأة في بناء المجتمع وتساوي المواطنين جميعاً أمام القانون، وأن العمل حق لكل مواطن تكفله الدولة وتعمل على تأمينه.

وشددوا على ضرورة عدم منح المحافظين صلاحيات مطلقة ومحاسبة المخطئ منهم أمام مجلس الشعب، ومكافحة الخصخصة ولاسيما في قطاعي الصحة والتعليم، وإلغاء سياسة السوق الاجتماعي لكونه يتعارض مع مبدأ الاشتراكية، وعدم الجمع بين وظيفتين ولاسيما بين مجلس الشعب والوزارات، وعرض جميع المراسيم الصادرة أمام مجلس الشعب لإقرارها أو تعديلها أو إلغائها.