"في رواية أخرى".. هل نستطيع مواجهة مخاوفنا؟

"في رواية أخرى".. هل نستطيع مواجهة مخاوفنا؟

لين حمدان- شام إف إم


تخيل نفسك تقف في غرفة واحدة، وجهًا لوجه، أمام أكبر مخاوفك في الحياة، كالخوف من الفقر على سبيل المثال؟ المرض؟ الاكتئاب؟ الوحدة؟ والموت؟ وكان لديك الفرصة في أن تحدثهم، تناقشهم، تفهم أسبابهم بشكل أكبر، ومن ثم تقضي عليهم في حال استحالة الوصول لنقطة تفاهم مشتركة.


هل ستصبح حياتك أفضل؟


انطلاقًا من المخاوف والخيال، بدأ عرض مسرحية "في رواية أخرى" على خشبة مسرح الحمراء في دمشق، وبسلاسة تحتاج إلى تركيز تروي المسرحية قصة كاتب اسمه "جبران" يعيش مع زوجته في منزل بالأجار، ومن المشاهد الأولى يتوصل المشاهد لوجود فجوات كبيرة بين الزوجين.

تصل صاحبة المنزل "المدام ايفون" لتطالبهم بأجار الأشهر الفائتة، لتتفاقم الخلافات أكثر بين الزوجين تصل لدرجة ترك ديالا "الزوجة" للمنزل!


يبقى الكاتب وحيدًا في المنزل، ليُطرق الباب ويدخل شاب ثلاثيني مُلقب بـ "حشكو"، متهور، سارق ولكنه خفيف الظل، وحتى لا يبقى الكاتب وحيدًا يطلب منه البقاء معه والحديث عن النساء، وما هي إلا دقائق حتى ترتفع وتيرة الحوار ويتحول لخلاف فيما بينهم ويرتكب الكاتب أول جريمة له.. يقتل "الشك".

يخفي جثته تحت الأريكة في صالون المنزل، ليجد أمامه رجلًا جديدًا يُدعى "فوكس"، وهو صديق الراقصة "شوشي"، جارة الكاتب. يتعرف إلى شخصية جبران من اسمه ويعظمه ويتحدث عن إبداعه، ليتبين من خلال سير الأحداث أن هذا الصبي هو الخوف من "الرقابة" التي ترضى أن تتخلى عن علمها وأدبها ومبادئها، من أجل مصالحها الشخصية، ليرتكب جبران جريمة جديدة.

تظهر علامات التعب على الكاتب، يتصبب عرقًا، يتأرجح على الخشبة، كمن دخل إلى عالم لا يشبهه، لتدخل بعدها الراقصة شوشي وتشاركه حلمها بأن تكون كاتبة أو كابتن طائرة، طالبةً منه مساعدتها، بطرق لا تناسب مبادئه، وتكون جريمته الثالثة.

أما ضيفه الأخير يلقاه على شرفة المنزل، يتحدثا قليلًا عن البلاد ودمشق ونهر بردى، وشيئًا فشيئًا يطالبه بأن يتحرر من روايته وألا يكون خاضعًا لها ولمزاجيته في استكمال الحكايات، ليكتشف الجمهور أنه الجنون الذي سيطر على عقل الكاتب وجاء ليقضي عليه.

وبطريقة مبررة دراميًا وموظفة بأداء متمكن، يقضي الخوف من الشك، الرقابة، العجز الجنسي، والجنون، على الكاتب ويسرقون منه حياته.


وجهات نظر ثانية حول العرض المسرحي ترى أن الضيوف ما هي إلا شخصيات الكاتب الروائية، التي جاءت لتتحرر منه وتختار حياتها في رواية ثانية، ولكن هل يوجد احتمالية لاختيار رواية حياة أخرى؟


ولا يمكن تجاهل العناصر البصرية والموسيقية المتداخلة مع الأحداث، فتستطيع الإضاءة، التي عمل عليها مصمم الديكور إياد العساودة، نقلك إلى المشهد التالي بصريًا وشعوريًا بألوان زرقاء حمراء وفقاً لحاجة المشهد، مندمجة بسلاسة مع المقطوعات الموسيقية للمايسترو طاهر مامللي التي تبكيك في بعض الأحيان وترعبك في أحيان أُخرى.

 

يترك العرض إشارات استفهام كثيرة في الرأس، تحتاج إلى إجابات شخصية من المشاهد ذات نفسه، وساعد على ذلك الأداء المتمكن للأبطال، إذ يتصدر أستاذ التمثيل كفاح الخوص بطولة المسرحية وإخراجها، فيما يشاركه في البطولة كل من أمانة والي، سليمان رزق، مرح حجاز، علي اسماعيل، نوار سعد الدين ووئام الخوص.

وتُعتبر هذه التجربة هي الثالثة في المسرح للكاتبة الشابة لوتس مسعود، بعد عرض مسرحيتي كأنه مسرح وهوى غربي قبل سنوات.


العرض مستمر على خشبة مسرح الحمراء في دمشق عند السابعة مساءً.