في سورية سياسياً

محمد غسان طيارة - شام برس
تمر سورية في هذه الأيام في مرحلة حاسمة دولياً، وهناك محاولات مسعورة ضد سورية الوطن، ويُعْتبر محاولة إصدار قرار عن مجلس الأمن الذريعة الأخيرة دولياً أمام المتآمرين المجتمعين على تدمير وطننا، ويمارس الإعلام المعادي كل أشكال التضليل والتدْجيل وأبْشع أنواع الكذب والخروج على الشرف المهني للإعلام.
وبسبب هذه الأحداث المؤلمة يتناسى المواطنون أهمية المؤتمر القطري القادم، ومن واجب كل مواطن سوري أن يبدي رأيه فيه وما يريده منه وتحديد الأسلوب الناجع لتسوية أوضاع حزب البعث العربي الاشتراكي مع قانون الأحزاب الجديد، إلا أن الضغط الشديد الذي تمليه الأحداث يؤخر بحث هذا الموضوع الهام من قبل محللين كُثُر.
وأشْعر بأن الكتابة حول هذا الموضوع على درجة عالية من الأهمية دون نسيان الأحداث التي تجري على الساحة الدولية المؤثرة على سورية. لقد كتبت حول بعض هذه المواضيع في مقالات سابقة وخاصة في مقالي السابق "كشف حساب" ولكن وجدت أنني قد أغفلت بعض النقاط لهذا سأعود ثانية إلى ذكرها وأتمنى أن أجد بعض العذر لدى القارئ من سعة صدره في تقبُل بعض التكرار والإضافات.
المؤتمر القطري القادم
ـــ كتبت في مقال سابق عن ضرورة تشكيل قيادة قطرية مؤقتة بقرارٍ من رئيس الجمهورية / الأمين القطري للحزب/ وأضيف بأن الضرورة تقضي بأن يقود رئيس الجمهورية حركة تصحيحية متجددة تكون من أولى مهام هذه القيادة تسوية أوضاع حزب البعث العربي الاشتراكي مع قانون الأحزاب، وهذا من ضمن مسؤولياته التي فوَّضه بها الحزب في مؤتمرات سابقة.واقترح أن لا يشارك فيها أي عضو قيادي سابق، وذلك لأسباب موضوعية، وخاصة أن تلك القيادة الجديدة لن تتمتع بأية ميزات وفق قانون الأحزاب الجديد، وفي مقدمتها عدم إمكانية وضع تحت تصرفها سيارات فخمة ومكاتب فاخرة ورواتب عالية وتقاعد وزير مع الحفاظ على سيارتين مع السائق وتأمين المحروقات وصيانة تلك السيارات بعد التقاعد. واعتقد أنه من مصلحة أعضاء القيادة القطرية الحالية طلب الإحالة على التقاعد وفق الدستور الحالي والتشريعات النافذة التي ستتغير خلال مدة محدودة بعد صدور الدستور الجديد.
علمت بأن الدعوات لحضور المؤتمر القطري القادم، كأعضاء عاملين، وُجِّهت إلى مجموعة كبيرة من البعْثيين من وزراء ونواب وزراء ومعاونيهم وبعض المدراء العامين والسفراء ... إلى آخره، ويُقال أن عددهم قد وصل إلى حوالي ألف وسبعمائة مندوب عضو عامل. لقد سمعت قولاً مُعبِّراً عن الرأي في عضوية المؤتمر بأنهم مجموعة من الموظفين، وناقل الكفر ليس بكافر.(حتى هذه اللحظة إنني غير مدعو للمشاركة في أعمال ذلك المؤتمر، وإذا تمَّت دعوتي للمشاركة كعضو عامل أو مراقب سيبقى رأيي كما ذكرته حول ضرورة قيام الأمين القطري للحزب بحركة تصحيحية جديدة وتشْكيل قيادة قطرية مؤقتة جديدة ).
توضيحات على مقالي "كشف حساب"
ـــ طالبني بعض قراء المقال بتسمية أسماء بعض الانتهازيين الذين وصفتهم فيه لتأريخ ذلك للأجيال القادة. إنني أحترم هذا الطلب وهو من حق القارئ عليَّ ككاتب للمقال، ولكن أعْتذر عن تلبية الطلب المحق للأسباب التالية :
1ـــ إنني ذكرت عدداً محدوداً منهم، وعلى الرغم من حقيقة ما كتبته، فإنني لست قاضياً، كما أن القانون السوري المعمول به لا يُعاقب على جريمة الانتهازية على الرغم من بشاعتها وتدخل ضمن الرأي والرأي المعارض.
2ـــ لا أريد أن يتحول أقرباء وأبناء هذه الفئة إلى فئة معارضة دفاعاً عن أقربائهم أو مزدرين لهم، وقد يعرِّضهم ذلك إلى بعض الازدراء من بعض أقرانهم في العمل أو في المدرسة، علماً بأننا مؤمنون بقوله تعالى: " ألا تزر وازرة وزر أخرى".
3ـــ أعد كل القراء بأن أسمي من يتبوأ أيٌ منهم منصباً جديداً في أي موقع كان، لأنهم معروفون لدى الكثيرين من أبناء الوطن، واستلامهم مواقع جديدة يُدْخل هذا الأمر في مفهوم الجريمة الموصوفة، ومن يقْترح أحداً منهم لموقعٍ جديد يشارك في ارتكاب هذا الجريمة.
ـــ أنْهيت مقالي بعنوان "كشف حساب" كما يلي:
وفي النهاية:1 ـــ من وجهة نظري الجامعة العربية ميتة منذ مطلع الستينات، ولهذا فلم أطالب بعثة المراقبين العرب تقديم كشف حساب عن عملهم إلى الشعب العربي السوري، فتكريم الميت دفنه (قدم المراقبون تقريراً محايداً ومهنياً رفضته الجامعة العربية الميتة بإحساساتها وبروح المشاركين فيها).
أضيف معلومة معروفة من المتابعين: آخر رسالة وجهها أمين عام الجامعة العربية السابق عمرو موسى إلى رئيس جنوب السودان يهنئه بالاستقلال. لنتصور أن تقْسيم السودان يُفْرح الجامعة العربية علماً إن مشروع التقسيم تمَّ بمباركة أمير قطر وبمتابعة من رئيس مجلس وزرائه وبمباركة الدولة الصهيونية!.و ما إن يستقر الأمر لرئيسها حتى يسافر إلى إسرائيل ليشْكرها على دعْمها له حتى حصلت دولته على الاستقلال، فهل هناك حياة في مثل هذه الجامعة؟. كنت أتمنى أن تنْسحب الجمهورية العربية السورية من الجامعة العربية عند إقرار تجميد عضوية ليبيا وأصبح ذلك ضرورياً عند تحويل الملف الليبي إلى مجلس الأمن وذلك ليس حباً بنظام القذافي وإنما لأن ذلك قضى على الرمق الأخير للجامعة العربية، وتأكَّد ذلك في مشاركة بعض العربان في قتل الشعب الليبي.
2 ـــ كل ما أخشاه هو أن يتصدَّع حزب البعث العربي الاشتراكي إذا لم تتمكن القيادة الجديدة من تنقيته من الانتهازيين والمتسلقين، وعندها سنترحم على قول الشاعر: كَذِب الدعيُ إذا ادعى فالبعث لن يتصدع.
لقد أوضحت فيما سبق رأيي في المؤتمر القطري القادم.
الأحداث الدولية المؤثرة على سورية
يجب الاعتراف بأننا أخطأنا في بعض المواضيع السياسية وخاصة في علاقاتنا مع بعض الدول ومن أهمها:
ـــ إن العلاقة مع قطر كانت موضع عدم رضا لدى الكثيرين من أبناء الوطن، وخاصة أن سورية أعطتها دوراً يزيد على حجمها، فهي كانت ومازالت مستعمرة أميركية وتقيم علاقات في السر والعلن مع العدو الصهيوني الوحيد والمباشر للعروبة ولوحدتنا. ولو أجرينا بحثاً استطلاعياً، في حينه، عن مدى رضا أبناء الوطن على تطوير تلك العلاقة لكانت نتيجة ذلك الاستفتاء غير مطابقة بل مناقضة لما حدث لأسباب واقعية من أهمها:
1ـــ قطر دولة مرتبطة باستعمار من نوعٍ جديد مع واشنطن.
2ـــ لقطر علاقة عضوية مع الكيان الصهيوني، وقد بدا ذلك واضحاً في بداية العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان.
3ـــ قام أمير قطر بالقفز على الحكم ليطرد والده الذي يعيش الآن على مساعدات من السعودية، ومن يصد والده لا يمكن أن نرجو منه أي خير من الناحية الأخلاقية والدينية. وهذا الانقضاض على الحكم في قطر ليس الأول فقد سبقه إليه أحد أجداد الأمير الحالي. ولهذا يجب الاعتراف بهذا الخطأ ونأخذ منه الدروس حتى لا نقع فيه ثانية.
ـــ إن العلاقة مع تركيا ومع مجموعة أردوغان سببت لنا الجزء الأكبر من أزمتنا الاقتصادية والتي تمَّ استغلالها لزيادة الأزمة السياسية والأمنية، فإذا كان الشعب التركي يحرص على الشام ويقول في خطاباته بان "الشام شريف"، فإن المجموعة الحاكمة استفادت من هذا الخطأ لتزيد من سيطرتها على مقدرات الشعب التركي، مع وضع أحلام في ذهنية البعض من أبناء الشعب المغلوب على أمره بعودة الحكم العثماني وإعادة الإمبراطورية العثمانية البغيضة.
لقد حاولت سورية مساعدة تركيا بحل خلافاتها مع جمهورية أرمينا ومع حكومة قبرص اليونانية وطرحت على مجموعة أردوغان موضوع وحدة البحار الخمس بهدف التصالح التام مع دول تلك المنطقة، فقابلتها تلك المجموعة بالنكران وبالتعدي علينا، وقابلت نياتنا الحسنة بما تبيته من نيات سيئة ضدنا، وهي لن تتورع من التآمر على إيران عند صدور أول أمر عمليات من واشنطن.
إن مشاركة تركيا في بناء سد الصداقة قابله أردوغان بالجحود والنكران . ولو جرى استفتاء على مستوى الوطن حول ذلك السد لما نال إلا الرفض والاعتراض عليه.
لهذا يجب الاعتراف بهذا الخطأ الإستراتيجي وعدم نسيانه ليبقى في ذاكرة أبناء الوطن وحتى لا نُلْدغ من الجحر مرة ثانية، فذاكرة الشعوب لا تموت.
ـــ يجب تطوير علاقتنا مع روسيا الاتحادية ومع الصين الشعبية لتصل إلى أفضل العلاقات حتى ولو تقرر وضع حلف دفاع مشترك معهما للحفاظ على وطننا قوياً وعزيزاً. إنني هنا أؤكد إن التحالف الاستراتيجي مع دول لا تطمع بنا وليس لها أحلام قديمة تراودها هي طريق جيد لقوة شعبنا وحماية أرضنا وللدفاع عن كرامة أبناء وطننا.
وهنا أود التأكيد على ما يلي:
1ـــ لن نرجو من ملوك وأمراء الخليج العربي إلا العمل على تخريب وطننا، لأن هؤلاء الأشخاص ربطوا مصير بلادهم وحماية مواقعهم مع واشنطن وربيبتها إسرائيل ومن يصادق عدونا لا يمكن أن يكون صديقاً لنا.
2ـــ لقد وضع مرشحو الرئاسة الأميركية نصب أعينهم الحفاظ على أمن إسرائيل وتدمير سورية وهم يتبارون في وعودهم الانتخابية لتنفيذ ذلك سواء أكان المرشح من الديمقراطيين أو من الجمهوريين، وسياساتهم هذه معلنة ولا يخفونها بل يفاخرون بها.
3ـــ إن رئيس فرنسا الحالي مع المرشح المقابل سواء أكان من الحزب الديغولي أو من الحزب الاشتراكي لا يختلفون مع طروحات المرشحين للبيت الأبيض فلا خيرا يرتجى منهم.
4ـــ إن بريطانيا وألمانيا تدوران في الفلك الأميركي الصهيوني. أي أن واشنطن وأقوى حلفائها من الأوروبيين يتبارون في التآمر على كل العرب وفي المقدمة التآمر على سورية ويدعمون الدولة الصهيونية لأنها الشوكة التي تعيق أي نهضة عربية وتقف ضد أي مشروع للتكامل العربي وتوحيد صفوفنا، لأن خطر وحدتنا قاتل وسيؤدي لخروجهم مدحورين من أرض العرب.
5ـــ ليس غريباً موقف القيادة التونسية الجديدة التي أعلنت بأنه ليس في قانونها معادة لإسرائيل بل إنما يسعون لرضاء إسرائيل وتامين حماية لأنفسهم، ويبقى اعتمادنا على الشعب العربي التونسي الذي قارع الاستعمار لفترات طويلة من الحكم العثماني حتى الاحتلال الفرنسي والذي سينتفض ثانية على الاستعمار الصهيوني الأميركي الجديد.
وحتى يكتمل الموضوع يجب استعراض الموقف الروسي والصيني حيث يتبين لنا الآتي:
ـــ يمكن ترتيب العدو المخيف لسلطة وحدة القطب الأميركي كما يلي: الصين ثم روسيا ثم سورية ثم إيران، ومن بينهم المقاومة في لبنان وفلسطين، وقد اثبت ذلك قادة الكرملين وبكين في استخدامهما الفيتو المزدوج مرتين، كما صرح بذلك قيادات الصين وروسيا، كما أكده مؤيدو بوتين في المهرجان الانتخابي له في موسكو، فقد تناوب على الكلام سبعة من المؤيدين وقد عبروا في كلماتهم عن دفاعهم عن سورية في مهرجان التأييد لبوتين كحماية للأمن القومي لروسيا الاتحادية (تابعت المهرجان باللغة الروسية وبشكلٍ مباشر على فضائية روسية وليس نقلاً عن أي فضائية مؤيدة لسورية)، مما يعني أن القيادة في روسيا الاتحادية تعلم علم اليقين أن المؤامرة علي بلادهم لمنع عودة قطب ثانٍ يشارك في إقرار السلم العالمي، وترفض تلك القيادة تفرُّد واشنطن في السيطرة على العالم، ومجدداً أكد على ذلك عجوز السياسة الأميركية الصهيوني كيسنجر برفضه رفضاً قاطعاً عودة قوة روسيا الاتحادية، وما المظاهرات المدعومة مالياً وإعلامياً من الدوائر الأميركية والتي جرت للاعتراض على نتائج انتخابات مجلس الدوما إلا دليلاً آخر على نية واشنطن إضعاف الدور المتنامي لروسيا الاتحادية. (يجري حالياً في موسكو تحقيقات مع بعض المتظاهرين الروس ومع الذين اجتمعوا مع السفير الأميركي في موسكو على خلفيات تلك المظاهرات). وقد كان تأجيج الأعمال الإرهابية في الشيشان والتفجيرات في مواقع حساسة في موسكو إلا من الأدلة الدامغة على نيات واشنطن التآمرية، وما حدث في جورجيا مؤخراً هو دليل فاقع على مسلسل تلك المؤامرات. وكنتيجة فإن الدوائر الأميركية تدير مؤامراتها على سورية لسببين أولهما الحفاظ على أمن إسرائيل وثانياً الاستعداد لحصر روسيا ضمن حدوها الجغرافية لإضعافها لتنتقل بعد ذلك لضرب العملاق الصيني الصاعد. إن سورية تدافع عن عزة وكرامة أبنائها وتمنع واشنطن من تنفيذ خططها اللاحقة ضد روسيا الاتحادية وضد العملاق الصيني، ولهذا فقد صدق من قال بأن الحرب على سورية وليس في سورية.
لقد تفهمت الصين وروسيا الاتحادية هذه المخططات، ولكن لم يتفهمها بعض حملة السلاح في سورية، وهم يمارسون أعمالهم الإرهابية من دون معرفتهم بأن واشنطن تستخدمهم كوقود لتنفيذ مخططاتها الإجرامية في المنطقة. إن كل تأخير في فهم هذه المخططات سيزيد من حجم احتراق ذلك الوقود من أبناء الوطن المُغرر بهم ومسلوبي الإرادة والتفكير في مستقبل أولادهم وبناء وطنهم، فمتى يعي هؤلاء الأبناء دورهم في كل ذلك؟، وهنا يأتي دور التواصل مع هذه الفئات من أبناء الوطن أحيانا بالكلمة الطيبة أحيانا بالتهديد بالسلاح واستعمله إذا اقتضى الأمر.
إن الحديث عن قرب الحل في سورية ليس دقيقاً، وهذا ليس للتخفيف من قدرات سورية على الحسم، ولكن لأن خيوط المؤامرة متشعبة، ولأنه ما زال لدى دوائر واشنطن وعبيدها من أمراء العربان خطط متنوعة وأموال طائلة يدفعون بها إلى المتآمرين في سورية كأسلحة متطورة وإعلام مغرض لديه أفضل وسائل الفبركة، وكأموال لشراء النفوس الضعيفة، وسلاحنا هو في قوة التلاحم بين أبناء الشعب وسرعة تنفيذ الإصلاحات حتى وفي ظروف تنامي الأعمال الإرهابية، كما إن التواصل مع أبناء الوطن والاستجابة لطلباتهم المشروعة ومتطلباتهم المعاشية سلاح إضافي في معاركنا ضد الإرهاب. إن بعض أخطائنا كانت العشب الجاف الذي أشعلته القوى المعادية لتحرق أرضنا، والاعتراف بها ومحاولة تلافيها تؤدي إلى منع امتداد الحرائق وسهولة إطفاؤها.
ـــ إن حضور وزير خارجية روسيا مع مدير المخابرات الروسي إلى سورية خطوة إيجابية، ومن الضروري أن تفيدنا في تفهُّم الموقف الروسي والاستفادة منه، مع ضرورة أن نتمكن من إقناعهما بضروراتنا الأمنية، والاتفاق معهما على خارطة طريق لمعالجة أزماتنا في السياسية والأمن والاقتصاد، وفي ذلك تعبير عن شكرنا العميق لروسيا الاتحادية على مواقفها معنا في المحافل الدولية، وسيكون من المفيد إرسال وفد رفيع المستوى لمقابلة القيادة الصينية للتعبير عن شكرنا لهم أيضاً على مواقفهم، أو استقبال وفد صيني بحفاوة بالغة فيما إذا قررت الصين ذلك.