في كلاسيكو إيطاليا.. كونتي يكشف عورة ميلان بدون إبرا

انتهى كلاسيكو الغضب في إيطاليا بين ميلان ويوفنتوس في القمة التي احتضنها ملعب سان سيرو بالجولة الـ25 من الكالتشو بتعادل إيجابي بهدف لكل فريق رآه كثيرون منصفا لقطبي الاسكوديتو بعد أن تشاطرا السيطرة والخطورة والتضرر من أخطاء التحكيم على حد سواء، لكن المباراة كشفت من منظور آخر عن فريق يملك شخصية البطل، وآخر تطبع أسلوب أدائه بلاعب واحد، وبدا بدون إدارة تتحكم به من خارج الخطوط.

الحديث عن ذلك الفريق صاحب شخصية البطل مرتبط بالبيانكونيري، ففريق السيدة العجوز، الأكثر تتويجا بالدوري الإيطالي على مدار تاريخه، يظهر في موسمه الحالي بثوب جديد بخلاف تلك الشخصية المهتزة التي ظهر بها في المواسم الأخيرة، فقد نجح المدرب أنطونيو كونتي في أول مواسمه مع اليوفي في أن يكسب اللاعبين هذه العقلية، فعكف على بث الروح في جسد السيدة العجوز وابتكار وسائل لتجديد شبابها.

يمكن إدراك التغيير الجذري الذي أوجده كونتي في كيان اليوفنتوس من خلال فرحته الجنونية حين يسجل فريقه أي هدف، يبدو كالطفل الصغير الممتلأ بالحيوية والرشاقة، فيركض بمحازاة خط التماس ويظهر رغبة في تسلق السور الفاصل بينه وبين الجماهير للاحتفال معها، ثم ينشغل بمعانقة كل شخص يجده أمامه.

تلك الحيوية التي كانت غائبة عن القميص العريق ذو اللونين النقيضين الأبيض والأسود، أعادها كونتي باقتدار، لما لا وهو واحد من الأساطير الخالدة في ذاكرة هذا النادي حين كان لاعبا بصفوفه، فاتبع سياسة مغايرة في شراء الصفقات، وتخير لاعبين قادرين عن العطاء وحسب، ضاربا بعرض الحائط الانتقادات التي وجهت له بسبب انتقاء لاعبين مغمورين، لكنه أثبت حسن الاختيار ونجح في صناعة فريق هو الوحيد في دوريات العالم الكبرى الذي لم يذق طعم الهزيمة حتى الآن.

ولعل هذا التغير الجذري في عصب اليوفنتوس جعل جماهيره العريضة تتغاضى نسبيا عن الخطأ الذي لا يغتفر بتجاهل الرمز وأسطورة أساطير النادي وهدافه التاريخي، أليساندرو ديل بييرو، الذي ظل أسيرا لمقاعد البدلاء، حتى مع الإعلان بأن هذا الموسم هو الأخير له مع النادي، وهو الأمر الكفيل بتفجير بركان الغضب لو أعلن في أي موسم سابق.

كل تلك المقدمات من شأنها أن تبرر التحول التام في أداء اليوفي في في الشوط الثاني من الكلاسيكو وخاصة نصف الساعة الأخير، فكلمة السر كانت عودة الروح القتالية.

تسيد الميلان الشوط الأول وكانت له أحقية الخروج منتصرا بعد أن تصيد أخطاء بالجملة في دفاعات الضيوف وخاصة من ليوناردو بينوتشي المتسبب في هدف أنطونيو نوتشيرينو.

الجميع تفاجأ قبيل انطلاق المباراة بإصرار كونتي على الدفع بثنائي الهجوم فابيو كوالياريلا وماركو بورييلو والإبقاء على أليساندرو ماتري وميركو فوسينيتش، رغم أن الثنائي الأخير يملك ثقلا أكبر في تلك المواجهة النارية.

وكما كان متوقعا، ظهر ثنائي الهجوم الأساسيين بشكل باهت، ما اعتبره متابعو المباراة خطيئة للمدرب، لكن رأيا مخالفا يقول بأنه فضل البدء بهما كعنصر مفاجاة، لأن الدور سيحين في الشوط الثاني لماتري وفوسينيتش لإرباك دفاعات الروسونيري وتحقيق تفوق بدني بميدان ملعب جوزيبي مياتزا.

وكان للمدرب أو للجماهير ما أرادوا، حيث رجح الثنائي البديل كفة المباراة لفريق مدينة تورينو، وخاصة ماتري الذي سجل هدفا صحيحا لم يحتسب بداع التسلل، لكنه عوضه بتسجيل هدف التعادل الثمين.

كونتي لجا لتحفيز لاعبيه والتركيز على العامل النفسي لمسح سيناريو الشوط الأول المخيب وتقديم شوط ثان على أفضل ما يكون، كما ظهر التفوق البدني لصالح فريقه، وهي ميزة اخرى اكتسبها الجيل الحالي لليوفي، ربما بسبب ابتعاده عن المشاركة في أي بطولة أوروبية وصب التركيز فقط على البطولات المحلية.

تغييرات كونتي الثلاثة سيموني بيبي وماتري وفوسينيتش غيرت دفة اللقاء، وأنقذت فريقه من أول خسارة بالموسم.

إذا كان كونتي قد وعد الجماهير بإعادة يوفنتوس إلى دوري الأبطال وفقط، فقد كان يخفي بداخله هدفا يسير بخطى ثابتة نحو تحقيقه، وهو التتويج بالاسكوديتو بسجل خال من الهزائم وتحقيق رقم قياسي غير مسبوق، ولكن يتعين عليه أن يحتاط من غدر الفرق الصغيرة، لأنه بارع في منازلة الكبار، فقد هزم ميلان نفسه في الذهاب بملعبه يوفنتوس آرينا بثنائية ماركيزيو، وأسقط إنتر ميلانو في ملعبه سان سيرو 2-1 ، كما تفوق على لاتسيو وأودينيزي خارج ملعبه، وفرض تعادلا ملحميا بملعب نابولي المرعب سان باولو 3-3 ، وآخر بالأوليمبيكو مع روما 1-1.

وفي المقابل تعادل في 11 مرة مع فرق معظمها ليس بكبير السمعة والصيت.

وإذا ما انتقل الحديث إلى ميلان، فعلى ما يبدو أن السويدي زلاتان إبراهيموفيتش هو القائد والمدرب الفعلي للفريق، وغيابه يجعل الفوز خارج المتناول، رغم أن أداء الفريق اللومباردي يكون أكثر جمالية وجماعية في غيابه، لكنه يفتقد لدور المنقذ والمخلص وصانع الفارق.

لا يمكن إنكار الأداء الرائع والممتع الذي قدمه ميلان في الشوط الأول، وأحقيته في الخروج متقدما بهدفين، فبخلاف هدف نوتشيرينو كان للغاني علي سولي مونتاري هدفا صحيحا يراه أي كفيف، لكن الحكم المساعد تغاضى عن احتسابه.

أداء الميلان كان جماعيا إلى أقصى الحدود، وتألق خطا الدفاع والوسط بشكل ملفت، وخاصة فان بوميل ومونتاري وروبينيو وإيمانويلسون ونوتشيرينو، وكان نقل الكرة يسير بطريقة مميزة، وذلك بالطبع لغياب إبرا الذي يستولى على الجانب الأكبر من تمريرات زملائه كما لو كان يأمرهم بهذا تحت التهديد، ليكون بمثابة المحطة الرئيسية لبناء الهجمات من خارج منطقة الجزاء.

لكن رغم تلك السيطرة كان تهديد مرمى بوفون نادر الحدوث، والهدف الذي هز شباكه جاء من خطأ دفاعي، لم يكن هذا بسبب صلادة دفاع اليوفي، ولكن لقلة حيلة هجوم الميلان وافتقاده للمسة الأخيرة ولاعب يصنع الفارق، فهذه مهمة فشل فيها باتو وروبينيو وإيمانويلسون، فكان دفاع الضيوف بعيدا عن الضغط ولعب بأريحية تامة.

لم ينتبه ماسيميليانو أليغري مدرب الميلان لهذا الأمر في الشوط الثاني، وهو ما ظهر في تغييراته الخاطئة، فبالرغم من إجادة ستيفان شعراوي، لكنه لم يكن بديلا كفأ لباتو، فاللاعب ذو الأصول المصرية يثير المتاعب ويفتح الثغرات ولكن من خارج منطقة الجزاء، ونزوله منح دفاع يوفنتوس مزيدا من الراحة، وربما كان المخضرم فيليبو إنزاجي أولى بالمشاركة لاستغلال ثغرات دفاع الخصم والاستفادة بخبرته في تلك اللقاءات الكبرى، كما كان نزول أمبروزيني بدلا من إيمانويلسون مثيرا للدهشة.

استسلم ميلان في الشوط الثاني ومنح الفرصة لخصمه للتعادل وربما كاد يفقد النقاط الثلاث لولا طرد التشيلي أرتورو فيدال الذي عطل صحوة البيانكونيري.

لذا توجب على أليغري تعلم الدرس والبحث عن تكتيك بديل بعد أن تطبع الفريق بأداء إبراهيموفيتش، فإذا حضر كان الفوز واردا وسهلا، وإذا غاب تعقدت الأمور، ما يشير إلى أن إبرا كادابرا هو صاحب الكلمة العليا في الفريق وليس أليغري.

يمكن إيجاز اللقاء بأنه كان مثيرا، ولكنه فنيا كان متوسطا، مستوى التحكيم كان كارثيا، ولكن الطريف فيه أن نوتشيرينو صاحب هدف ميلان كان في الأصل ناشئ بمدرسة يوفنتوس، كما كان ماتري صاحب هدف يوفنتوس ناشئا بمدرسة ميلان.

 

 

شام نيوز - وكالات