قانون العمل الجديد مع "وقف التنفيذ"

"لم أشعر يوما بالأمان الوظيفي في المؤسسة التي اعمل بها منذ ثلاث سنوات " هكذا تبدأ رشا (26 سنة) حديثها لشام نيوز و التي بدأت حياتها المهنية بعد تخرجها من كلية الصحافة في جامعة دمشق في العمل مع مؤسسة إعلامية خاصة. رشا في بداية عملها مع تلك المؤسسة وقعت عقد تجريبي لمدة شهرين و لم يتم تجديد ذلك العقد إلى حين تغيرت الإدارة أي بعد سنيتين و هنا بدأت المشكلة.
" مع الإدارة الجديدة كنا نوقع على ورقة استقالة دون تاريخ مع كل عقد و حتى العقد الذي وقعت عليه كان بند الراتب فارغ بالإضافة إلى أنني لم أحصل على نسختي من ذلك العقد " رشا ترى تصرف تلك المؤسسة في التعامل مع موظفيها بتلك الطريقة تهربا من مسؤوليتاها تجاه مؤسسة التأمينات الاجتماعية التي تلزم كل الشركات الخاصة في البلاد في تسجيل موظفيها لتأمينهم و حصولهم على حقوقهم.
رشا حالة واحدة من ألاف الحالات العاملة في القطاع الخاص و الذي يعاني الكثير من سوء في التنظيم من خلال تلك الشركات التي تتهرب من تسجيل موظفيها في مؤسسة التأمينات الاجتماعية .
"الشركة اضطرت الى تسجيل بعض الموظفين في التأمينات الاجتماعية عندما جاءت لجنة للتفتيش الى مبنى الشركة ، حينها الإدارة اختارت عينة عشوائية وتم جمع باقي الموظفين في غرفة صغيرة بعيدة عن الأنظار حتى لا تراهم تلك اللجنة". كما تقول رشا و على وجهها ابتسامة سخرية.
عقوبات مالية صارمة...ضد الاستقالات المسبقة !
قانون العمل القديم و الذي يعود تاريخه إلى خمسينات القرن الماضي لم يكن يحمل عقوبات صارمة تجاه تلك المخالفات إلا أن البلاد في الوقت الحاضر بدأت في تطبيق قانون العمل الجديد.
"القانون الجديد فرض عقوبات مالية صارمة ضد من يقوم بعدم تسجيل موظفيه في مؤسسة التأمينات الاجتماعية و حتى البعض يرى انه بالغ في فرض تلك العقوبات " د. عماد الدين المصبح باحث اقتصادي و مختص في قضايا العمال لشام نيوز و الذي يرى أن آلية تنفيذه مرتبطة بسلوك اجتماعي في احترام القانون من قبل موظفي مؤسسة التأمينات الاجتماعية.
ووفق رأيه فان القانون الجديد حل الكثير من المشاكل منها قضية توقيع الاستقالات مع العقود و ذلك بعدم قبول استقالة أي موظف إلا حين تقديمه لاستقالته بشكل مباشر إلى إحدى مديريات مؤسسة التأمينات الاجتماعية المسجل فيها و بدورها تقوم تلك المديرية في تقديم تلك الاستقالة إلى مدير الشركة.
تطبيق المواد 64 و 65 مرتبط باخلاقيات العمل !
إلا أن القانون حمل معه بعض الجدل حول بعض بنوده المتعلقة بتسريح الموظفين .فالمادة 64 تسمح لصاحب العمل أن يسرح موظفه ضمن شروط تتعلق بارتكاب الأخير لمخالفات مادية وسلوكية تجاه مؤسسته العامل بها أما المادة 65 سمحت لصحاب المنشأة بتسريح موظفه دون وجود أي مخالفة و لكن مع تعويض أجر شهرين عن كل سنة عمل بها مع إعطاءه مهلة لشهرين.
هذه المادة تجدها كارلا العاملة في إحدى البنوك الخاصة إنها ليست عادلة وخاصة إنها هي الان،كما غيرها الكثير، مثبت في عمله و لا يحق لصاحب المؤسسة في تسريحها وفق قانون العمل القديم و هي تعمل في ذلك البنك منذ خمس سنوات و تقول لشام نيوز " التعويض جيد بالنسب لي وفقا لعدد السنين التي عملت بها مع ذلك البنك و لكن المشكلة إن هذا التسريح سيكون نقطة سوداء أمام أي موظف لإيجاد عمل آخر."
د.المصبح يرى في المادة 64 أنها ممتازة و متوازنة ضمن سلوك اجتماعي معين و لكن المشكلة في ذهنية رب العمل الغير ناضجة في التعامل مع هذه المادة ضمن روحها فالشروط سهلة لتسريح العامل بحضور شاهدين ممكن أن يكونوا من حاشية المدير .
بهاء الدين حسين عضو مجلس الشعب و الذي كان حاضرا لجلسات مناقشة هذا القانون يرى أن المادة 65 تضمنت تعويضات جيدة للعامل لأن العامل السيئ يجب أن يسرح و العامل الجيد و المخلص لعمله لن يسرحه احد و يقول لشام نيوز" نحن بمجلس الشعب لن نؤسس لقانون يحمي العامل السيئ ."
أعمال دون عقود
حالة أخرى يعيشها العاملون في القطاع الخاص و المتعلقة بعدم توقيع عقود عمل معهم مما يجعلهم يفقدون كافة حقوقهم المشروعة في الحصول مثلا على عدد معين من الإجازات دون راتب و حتى على تأمين صحي كما تقول نور العمري ،خريجة حقوق ، و التي تعمل أيضا في مجال غير مجال تخصصها في شركة تسويق و تقول لشام نيوز " لا أحد يستطيع أن يطالب بحقوق دون عقد موقع , أنا عملت بأكثر من شركة و لم أوقع أي عقد , العقد كان شفهي و تفاهم كلامي ، و الكثير من المدراء الذين عملت معهم غيروا من اتفاقهم الشفهي معي و خاصة بزيادة ساعات العمل و رفض الإجازات و كنت اترك العمل دون الحصول على تعويض أو مستحقات مادية لإنهاء الخدمة ."
و ليس بعيدا عن ذلك فان عقد رشا مع تلك المؤسسة الإعلامية لم يحمل أي بند يتعلق بالتأمين الصحي أو تعويض عن أضرار العمل . بالإضافة إلى ذلك تقول رشا " المؤسسة تقتطع 10 % من الراتب شهريا كتأمينات لصالحها، هذه 10% لن تحصل عليها أذا قدمت استقالتك و غادرت العمل فور تقديم الاستقالة كما حدث معي و لكن سؤالي الدائم لماذا لاتشمل هذه 10% التأمين الصحي علينا و المضحك بالأمر ان المؤسسة تخصم 10% كتأمين و نحن لسنا مسجلين أصلا بالتأمينات الاجتماعية !؟؟" .
القانون الجديد حاجة اقتصادية ملحة
الجدير ذكره و وفق الإحصاءات الأخيرة فانه 70% من العاملين في الاقتصاد السوري يعملون في القطاع الخاص .و في ظل النمو الاقتصادي الذي تعيشه البلاد حيث حقق النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي 4% في عام 2009 أما معدل التضخم فهو 2,8% إلا أن البطالة بالنسبة للقوة العاملة هي 8.2% وفق مركز الإحصاء السوري و التي يراها الكثير من المحللين الاقتصاديين انها غير منسجمة مع نسب النمو الحقيقي مما دفع الكثير منهم الى وضع علامات استفهام حول مدى صحة تلك الأرقام المتعلقة بنسب البطالة مقارنة بالنمو الاقتصادي للبلاد، و لا يربط المحللون الاقتصاديون بين تطبيق القانون الجديد و انخفاض نسب البطالة الا ضمن السلوك الاخلاقي لصاحب المؤسسة بعدم تسريح موظفيه بطريقة عشوائية تؤثرعلى قطاعات العمل المختلفة و ان كان بشكل بسيط على المدى القريب .
و نظرا للتحولات الاقتصادية التي عاشتها سوريا بعد القرار الرسمي مع بداية هذه الألفية بالتحول من الاقتصاد المركزي الموجه إلى اقتصاد السوق الاجتماعي و تحرير التجارة و الانفتاح على اقتصاديات العالم ظهر للعيان عدد من الشركات المنظمة ضمن قطاعات محددة، كالقطاع المالي و التأمين و شركات الاتصالات الخلوية و الفنادق و شركات عالمية فتحت فروع لها في سوريا .
هذا الانفتاح الاقتصادي جلب معه الكثير من العمالة العربية و الأجنبية خاصة في تلك القطاعات التي ذكرناها مما دفع بالقانون الجديد تحديد نسبة العمالة الأجنبية 2% في الشركة الواحدة و المعاملة بالمثل .
و يشكل هذا القانون الجديد مطلبا ملحا لتنظيم قطاع العمل الخاص بعد دخول سوريا إلى منظمة التجارة العربية الحرة و توقيعها لشراكة اقتصادية مع تركيا والأحرف الأولى لشراكتها مع الاتحاد الأوربي .
و نتيجة لتلك التحولات الاقتصادية و العمل في الخطة الخمسية العاشرة المتعلقة بتطوير الاقتصاد السوري فان أجور القطاع العام زادت بنسبة 76% منذ الإعلان عن تلك الخطة عام 2006 و من المتوقع ان تصل نسبة الزيادة الى 100% مع نهاية هذا العام و بهذا أصبح العمل في القطاع العام رغبة كبيرة لدى العاملين في القطاع الخاص كما تنهي رشا حديثها معنا و تقول "انتهى التفاؤل عندي للعمل في مؤسسات خاصة أتطلع الآن للعمل في مؤسسة حكومية."
شام نيوز - هاني موعد