قبل أن يسرقوا الأنفاق !

طالعتنا صحفنا العزيزة في الأيام الماضية بخبر مضحك مبكٍ في الوقت ذاته، وكما يقولون: شر البلية ما يضحك، فقد قام بعض الصينيين العاملين في شركة صينية تعمل في المشاعر المقدسة، بسرقة حديد المسلح من أحد المشروعات بحمولة خمس ترلات، وقاموا ببيعه لمواطنين سعوديين، باعوه بدورهم بأضعاف الثمن الذي دفعوه، ألست أقول إنه شيء مضحك ومثير للدهشة، وإلا كيف يسرق الحديد وبأطنان عديدة دون دراية الجهة المسؤولة عنه أو ملاحظتها؟.. وكيف تجرأ هؤلاء السارقون دون خوف أو حتى احترام لقوانيننا وأنظمتنا؟ فالقضية ذات أبعاد عديدة، أخطرها، بل الأصعب على النفس وهو بيت القصيد، أن مواطنين سعوديين قد اشتروا هذا الحديد الذي من المؤكد أنهم يعلمون بسرقته، وإلا.. من أين أتى الصينيون به؟.. ولماذا يبيعونه بهذا السعر الزهيد؟ وتلك طامة كبرى، ينبغي للجهات المعنية أن تضرب بيد من حديد على هؤلاء الذين يشترون سلعا مشكوكا في مصدرها، وبأسعار زهيدة، لأن هذا يعني ببساطة: إما أن هذه السلع مغشوشة أو مسروقة، ولا يمكن لنا أن نتساهل، أو نقبل بالتساهل مع هؤلاء، لأنهم بفعلهم هذا يشجعون ضعاف النفوس على الإمعان في الفساد والإفساد في البلاد، وكلنا في النهاية سيدفع الثمن، فما يسرق منك اليوم، سيسرق مني في الغد، وسيظهر الفساد في البر والبحر.
والبعد الثاني في القضية.. هو تلك الشركات التي تتولى الإعمار في البلاد بوجه عام، وفي المشاعر المقدسة على وجه الخصوص، والتي تعمد إلى استجلاب عمالة للسرقة والتزوير، دون تدقيق في اختيار هذه العمالة التي تعد بمثابة قنبلة موقوتة يمكن ان تنفجر في أي وقت.
هذا التلاعب الذي حصل من كل الأطراف بدأ من الشركة التي بلغت عن السرقة، ولما انكشف الأمر واتضح أنهما صينيان سحبت الشكوى، كأنه استخفاف بالعقول.. مرورا بالسارقين اللصين، وانتهاء بالمواطنين اللذين يجب أن يحاسبا لأنهما باعا ضميريهما للشهوات الزائلة على حساب وطنيتهما، فلا يعادل التضحية من أجل الوطن أموال الدنيا، بل إنه يفدى بالأرواح والأبناء والممتلكات، هذه الخيانة يجب أن لا تمر على المسؤولين بسهولة، وإلا كيف يسهلان ويساعدان على الشراء من السارقين.
لم أكن أتوقع على الإطلاق، ومعي كثيرون، أن تقع السرقات في المشاعر المقدسة، وبكميات كبيرة تزن حمولات من الترلات، فعلى الجهات الأمنية ــ وكان الله في عونها ــ أن تشدد الرقابة والحراسة على «الجسور والأنفاق»، فأخشى أن تسرق ذات يوم، وأن يجهر بالجزاء على الملأ وليرتدع أصحاب النفوس الضعيفة.
د. رشيد البيضاني
جريدة عكاظ السعودية