قبور "خمس نجوم" وقبور عشوائية...الموت يقسم السوريين إلى طبقات!

شام نيوز- وجيه موسى

يسعى الإنسان في حياته لتأمين سكن يعيش فيه مع أسرة يزمع تكوينها، وهذا أمر مشروع بل ومسعى مقدساً يستحق عليه كل احترام ومستندة، أما عندما يتحول البحث عن قبر قبل الوفاة إلى هاجس قد يأخذ تحويشة العمر كما يقولون فهذا هو العجب العجاب، وآخر ما تفتقت عنه قريحة بعض السوريين المشغولين بالموت أكثر من انشغالهم بالحياة.
كثير من الناس لايفكرون بتأمين "قبر" قبل الوفاة ولكن بعض التقاليد القديمة حولت "القبر" إلى ما يشبه الحلم لأن سعره في بعض المناطق أصبح يضاهي أسعار الشقق السكنية و أن ازدياد عدد السكان ووجود بعض التغيرات الاقتصادية أدى إلى ارتفاع أسعار المقابر أسوة بأسعار أي شي موجود ضمن المنظور العقاري لمدينة دمشق.
و يبدو من الصعب تحديد عدد الأموات يوميا في دمشق في ظل عدم وجود إحصاءات دقيقة تماما مع الزيادة اللافتة التي تشهدها مدينة كبيرة كالعاصمة دمشق .
ونتيجة للازدحام تحول بيع القبور إلى تجارة للموت وابتزازا للناس الذين يكونون على استعداد لدفع أي مبلغ مقابل الحصول على قبر في المدينة، ولهذا السبب بلغت أسعار القبور أرقاما خيالية ويتم ذلك بشكل غير قانوني .


50 مقبرة

يوجد في دمشق أكثر من 50 مقبرة تتوزع في أنحاء دمشق ومناطقها القديمة مثل الميدان وقاسيون و المزه والمخيم وغيرها من الأحياء والمناطق وكل تلك المقابر لم تعد تتسع لأي قادم جديد وفي حال توافرت فثمنها يبلغ أرقاما فلكية تتراوح بين 150 و500 ألف ليرة سورية .
وأكثر الناس يفضلون أن تكون مدافنهم على مقربة من مساكنهم وأحيائهم حتى يتسنى للأهل زيارتهم بعد الوفاة.
وليس من الغرابة أن تجد قبورا كُتب عليها تاريخ ولادة شخص دون ذكر تاريخ الوفاة لأن القبر مازال شاغرا.

و من المضحك المبكي، أن يكون تأمين مدفن للموت قضية لا تقل أهميتها عن توفير سكن في الحياة ما دفع أهالي دمشق وساكنيها إلى شراء قبورهم خارج المدينة.
فهل صار العثور على قبر "حلماً"! إذا أدركنا أن سعر القبر ، يحتاج إلى معاش عام كامل وربما أكثر.
شام نيوز قام بجولة على بعض مقابر دمشق وسجل لكم التحقيق التالي :

يقول "بسام. ح"، وهو من سكان منطقة العدوي ، إن قبر والده قد كلفه 350 ألف ل.س في مقبرة الدحداح..
ويقول محمود. م : إن ارتفاع تكلفة القبور في دمشق يعود إلى ارتفاع أسعار العقارات وهو السبب الرئيس، إضافة إلى ازدياد عدد السكان بشكل كبير وبالتالي زيادة عدد الوفيات في حين مساحات المقابر ما تزال محدودة .


قبر محجوز سلفاً ينتظر صاحبه

ويضيف أبو علي من ساكني منطقة الزاهرة عندما توفي والدي ذهبت إلى مقبرة "الحقلة" القريبة من سكني لكي أشتري قبرا أدفنه فيه ، فلم أجد فدلني أحدهم على مقبرة "المعضمية" والتي تبعد عن سكني حوالي /20/ كم ، فاشتريت قبرين دفعت ثمنهما /60/ ألف ليرة سورية " لأنو ما بيعرف الواحد منا أيمت بموت " كنت أتمنى أن أدفن والدي بالقرب من سكني حتى يتسنى لي زيارته كل مدة وقراءة الفاتحة على روحه ولكن " ما باليد حيلة " .

نحنا والقبر جيران!

ويقول أبو محمد (70 سنة) : "تأمين القبر عادة قديمة موروثة عن الأجداد ويفضل أن يكون القبر قريباً من الحي الذي نسكن فيه من أجل سهولة الزيارات وقراءة الفاتحة على روح الميت .
ويضيف أبو محمد "في الفترة الأخيرة صار هناك زحمة في القبور مع توسع السكن وكثرة الناس وصار صعباً أن يؤمن الواحد منا قبراً قريباً، ولكن إذا اتفقت مع أحد حفاري القبور ودفعت له المعلوم يؤمن لك قبرا في أية فسحة بين قبرين وان كان هذا مخالفا ولكن لا أحد يدري بحيث يأخذ رقم القبر الذي قبله وهذا يتم بالتنسيق بين الحفار ومكتب دفن الموتى لذلك لا تجد أحيانا في بعض المقابر ممرا ولو حتى /10/ سم فترى القبور ملتصقة فيما بينها ,وأصبحت المقابر كما السكن العشوائي لا تعرف الطريق من أين ".

ويقول أبو ثائر (62 سنة) أن شراء القبر ضروري لأن الموت حق ، و لا مهرب منه "وصار هم الموت أكثر من الحياة .. في الحياة نستأجر بيت إذا ما استطعنا شرائه ، ولكن هل نستطيع استئجار قبر ؟؟؟".
ويقول أبو وليد عندما توفى جارنا تأخر أبناؤه في دفنه إلى ما بعد صلاة العصر علما أن وفاته كانت في اليوم السابق ولدى استفسارنا عن سبب التأخر تبين لنا أنهم لا يملكون ثمن القبر إلى أن تبرع أهل الخير بثمن للقبر وتم دفنه.

 


ولدى اتصالنا بالسيد صفوان مدير مكتب دفن الموتى بدمشق للاستفسار منه عن سبب ارتفاع الأسعار الخيالي للقبور وعن الإجراءات النظامية لتخصص بقبر اعتذر منا في المرة الأولى مبررا اعتذاره لحداثته في هذا المنصب على أن يجيب عن أسئلتنا لاحقا لكننا لم نعد نحظى به إلى أن استطعنا الحصول على بعض المعلومات من موظف رفض التعريف عن اسمه سوى موظف المحفوظات حيث قال : إن مقابر دمشق محدودة المساحة ولم يبق فيها أماكن مطلقاً ويلزمها تصريح من السيد المحافظ
علما أن سعر القبر في نجها /2100/ ليرة سورية فقط لا غير وبدون أي عناء مجرد شهادة وفاة وبطاقة المتوفى الشخصية . في الوقت الذي يصر فيه بعض الناس على شراء قبورهم في المدينة بجانب مساكنهم.

طبقات الموتى


ولعل من الأشياء اللافتة للنظر و المثيرة أيضا أن يصنف الموت حسب المستوى الاجتماعي وتصبح هناك "قبور خمس نجوم" يدفن فيها أبناء الطبقة المخملية يصل فيها سعر القبر إلى 300 و500 ألف ليرة كمقبرة باب صغيرة في باب مصلى، ومقبرة الدحداح وغيرها من المقابر التي تقع وسط المدينة. ومثل تلك القبور يلزمها تصريح من المحافظ حسب موظف المحفوظات .
بينما تتراوح أسعار القبور في المناطق البسيطة وخارج دمشق بين 10000 إلى 20000 ليرة وهذه لا يلزمها تصريح ، فهل يفرق الموت بين غني وفقير حتى نفرق بين قبر غني وقبر فقير؟.
قالوا قديما :
" لا راحة في هذه الدنيا حتى الممات فهل تبدلت تلك المقولة طالما أصبح القبر حلما !!!!!! "