قتيبة الشهابي ... مؤرخ .. يلهو بالطب..

قتيبة الشهابي .. مؤرخ يلهو بالطب
1934 - 2008
سهير الذهبي - شام نيوز
طوال نصف قرن تألق نجم في سماء البحث والتأريخ لمعالم دمشق, تلك المدينة التي عشقها ووهبها عمرا من الدراسة والتوثيق والتصوير.. إنه الدكتور قتيبة الشهابي طبيب الأسنان.. المؤرخ.. الباحث.. الرسام.. الشاعر والقاص.... الذي ارتبط اسمه بكل صورة توثيقية نعرفها عن عاصمتنا الخالدة, وبكل قصر فيها وحمام ومشيدة وباب ومئذنة وسوق وضريح.. ولتتحول أعماله الى مراجع وموسوعة يعتمد عليها الدارسون والبحاثة.
"دمشق هي صديقتي الأثيرة التي أعطت حياتي طعماً مختلفاً هو مزيج من العذوبة والإحساس الرهيف بالفن والأصالة.. وأنا مدين لدمشق بكل أيام الفرح والسعادة التي عشتها".
الدكتور قتيبة الشهابي هو من مواليد دمشق عام 1934. جده كان قائمقام قطنا, ووالده الأمير أحمد الشهابي الذي كان أحد دعائم الثورة السورية الكبرى في غوطة دمشق, حيث كان طوال فترة الثورة رئيساً لمحكمة الاستقلال في قرية «الحتيتة» في الغوطة، والذي عانى طويلاً مرارة النفي واللجوء إلى شرقي الأردن حتى صدور العفو عن الثوار من قبل سلطات الانتداب الفرنسي. ثم سكن الأمير أحمد والد قتيبة مدينة الحسكة، حيث كان قاضياً، ثم عمل محامياً.
درس الدكتور قتيبة الشهابي المرحلة الابتدائية في مدرسة دوحة الأدب أثناء الاحتلال الفرنسي لسوريا, وكان اساتذته عربا في تلك المدرسة التي أسست خصيصا للرد على المدارس الفرنسية آنذاك.
"مديرة مدرستي الابتدائية كانت (عادلة بيهم) وكانت صارمة وحازمة ومع ذلك كانت حنونة... وقد درستني السيدة امل الجزائري... وكان الموسيقار صلحي الوادي من زملائي في الدراسة آنذاك.... واللافت ان عدد البنات كان ثلاثين بنتا, مقابل اربعة صبيان..".
أحب الشهابي التصوير الفوتوغرافي منذ طفولته، فاقتنى أول كاميرا له وكان ثمنها آنذاك ليرة سورية واحدة، فبدأ بممارسة هذه الهواية حتى أصبح محترفاً.
"لدي في مرسمي متحف للكاميرات بمختلف أنواعها... بدأت كهاوٍ ثم اصبحت محترفاً".
في المرحلة الاعدادية اكشتف في نفسه موهبة أخرى غير التصوير الفوتوغرافي , فبدأ بكتابة القصة القصيرة , ليفوز فيما بعد بمسابقة للقصة أجرتها مجلة عصا الجنة لصاحبها الأديب نشأت التغلبي.
والد الشهابي المحامي لم يسمح له بدراسة الحقوق بعد نيله الشهادة الثانوية الأدبية, فاختار دراسة طب الأسنان, وكان يسمح في ذاك الوقت لحملة الشهادة الثانوية العامة الفرع الأدبي بأن يدرسوا طب الأسنان في سوريا.
إلا أن قتيبة الشهابي لم يحب طب الأسنان, وقد بكى كما كان يروي في أول شهر من الدراسة, لعدم فهمه شيئاً في المنهج. ولكنه استطاع ان يكمل سنين الدراسة الجامعية والدراسات العليا.
بعد تخرجه من كلية طب الأسنان في جامعة دمشق, حصل الشهابي على دكتوراه في جراحة الأسنان من لندن, واستغل وجوده في عاصمة الضباب ليتخصص في ما أحب, فدرس التصوير الضوئي العلمي والمجهري والفني, دراسة أكاديمية مكنته من الاحتراف في التصوير الفوتوغرافي, كما مارس الرسم وأقام عددا من المعارض الفنية التشكيلية والفوتوغرافية في سوريا وخارجها.
قتيبة الشهابي -الذي تلقبه زوجته بالسوبرمان لإرادته الحديدة وعمله الذي لاينتهي مع انتهاء يومه-, بدأت رحلته في البحث التاريخي والتوثيق بالصور,عندما كلفته الدكتورة نجاح العطار وزيرة الثقافة انذاك عام 1985 بالبحث التاريخي للمدينة.
"هناك فرق بين ان توثق , وان توثق وتصور بعدستك, والمؤرخ يمكن ان يخطئ وقد يكذب, اما الكاميرا فلا يمكن ان تخطىء أو تكذب, الصورة لها خصوصيتها اذ تجعل التوثيق اكثر مصداقية... وانا شخصياً احترم الصورة اكثر من أي كتاب, ثم ان التصوير بالابيض والاسود له جوه الخاص ونكهته..".
الأعمال التي مارسها قتيبة الشهابي :
- عضو في الهيئة التعليمية في كلية طب الاسنان بجامعة دمشق 1963-.1994
- أستاذ التشريح الفني في كلية الفنون الجميلة – جامعة دمشق.
- عضو نقابة الفنون الجميلة بدمشق.
- عضو اتحاد الفنانين التشكيليين العرب.
- متخصص بالتصوير الضوئي من لندن.
- خبير ثقافي في وزارة السياحة.
- مستشار وزير السياحة (2000 - 2007).
- عضو هيئة تحرير مجلة دليل السائح.
كتب الدكتور الشهابي قرابة ثلاثين كتاباً, ستة منها مؤلفات علمية تتضمن أربعة كتب جامعية تدرس في كلية طب الأسنان في جامعة دمشق, بالإضافة إلى معجمين إنكليزي - عربي عن مصطلحات طب الأسنان والمصطلحات الطبية.... ومن بين مؤلفاته هنإك سبعة عشر مؤلفاً في مكتبة الكونغرس الأمريكي.
أما كتبه في مجال التاريخ والتراث والآثار فهي:
- دمشق تاريخ وصور.
- هنا بدأت الحضارة (سورية تاريخ وصور)
- أسواق دمشق القديمة ومشيداتها التاريخية.
- مآذن دمشق تاريخ وطراز.
- معجم ألقاب أرباب السلطان في الدول الإسلامية.
- مشيدات دمشق ذوات الأضرحة وعناصرها الجمالية.
- معالم دمشق التاريخية.
- زخارف العمارة الاسلامية في دمشق.
- النقوش الكتابية في أوابد دمشق.
- دمشق الشام في نصوص الرحالين والجغرافيين والبلدانيين العرب والمسلمين.
- طريف النداء في دمشق الفيحاء.
- صمود دمشق أمام الحملات الصليبية.
- معجم دمشق التاريخي (ثلاثة أجزاء).
- الطيران ورواده في التاريخ الإسلامي.
- نقود الشام.
- عباقرة وأباطرة من بلاد الشام.
- أديرة وكنائس دمشق وريفها.
- أضرحة آل البيت والمقامات الشريفة في سورية (بالعربية والفارسية).
- معجم المواقع الأثرية في سورية.
- تاريخ ما أهمله التاريخ.
- أبواب دمشق وأحداثها التاريخية.
"ظل شعور عجيب مفعم بالخشوع والإجلال يمور في داخلي... وكنت أحس كلما مررت بأبواب دمشق المهيبة أني أعبر من بوابات التاريخ وأسمع صهيل الخيول وقرع الطبول وصليل السيوف وأشهد بعيني تقدم الغزاة وصمود الفاتحين، وتدافع أقوام وتنوع أعراق وغرابة ألسن وتناقض أنساب، وأشهد ملاحم وأساطير وأهازيج انتصار، ولقد اختصرت لي أبواب دمشق التاريخية حكاية صمودها... ورأيت بأم عيني خالد وأبو عبيدة ويزيد وشرحبيل وهم يدخلون دمشق تحت رايات التوحيد وكنت أتساءل بعجب: لماذا لم تنل هذه البوابات حقها من اهتمام المؤرخين ولماذا مروا عليها مرور الكرام ولم يلحظوا أهمية دورها في حماية وجودهم أيام الحملات والشدائد والغزوات؟ وأدركت أن المهمة تناديني فتأبطت أدواتي مرة أخرى وقضيت سنتين في عمل دؤوب كنت أثناءهما مقيماً عند تلك الأبواب أصور كل نقطة وفاصلة وأدرس كل حرف وكلمة خطت عليها، ورسمت مخططات وخرائط وصورت التفاصيل الدقيقة ونقلت التواريخ حتى أنجزت كتاب «أبواب دمشق وأحداثها التاريخية".
وفي عام 2008 وهندما كانت دمشق تحتفل بنفسها عاصمة للثقافة العربية, توفي الدكتور قتيبة الشهابي عن اربعة وسبعين عاماً, بعد أن هده السرطان لسنوات ليست بالقصيرة, لم يتوقف خلالها يوما عن عمله .. وعن عشقه لدمشق.