قديم أحياء حلب وحديثها يشتركان في مصيبة سوء الإدارة

بعد أن نخر سوس الإهمال بعراقة واحدة من أقدم مدن التاريخ تجرى اليوم مشاريع حيوية، وإن جاءت متأخرة، تهدف لتحسين البنى التحتية في حلب وذلك أملاً في أن تنهض الشهباء مجدداً، إلا أن أصوات الحلبيين تتجه إلى إجماع في توصيف هذه الحملات بأنها "من برا رخام ومن جوا سخام".

البداية من مشروع تجميل مجرى نهر قويق وتأهيل الشوارع المجانبة له الذي نفذه مجلس مدينة حلب من خلال العقد المبرم مع مؤسسة الإسكان العسكري، حيث اعتبر في البداية انتصارا حققه أهالي المنطقة فالمشروع سيعيد للشهباء نضارتها من خلال كشف غطاء مجرى نهر قويق بعد أن وصلته مياه الفرات ليعود فيشطر المدينة ويعطيها بذلك جاذبية سياحية ومعمارية، إلى أن المصيبة  كانت أعظم من ما تخيلها أشد المتشائمين، بعد أن كشفت أقبية المنازل المجاورة تسريبات لمياه النهر تنذر بكارثة يمكن أن تصيب أساسات الأبنية وتعرضها للإنهيار لذلك أوقفت المياه عن مجرى النهر وماهي إلا أيام و ستعود الروائح الكريهة إلى ملأ المكان، تاركين الحل ليكون على شاكلة تغطية المسار المائي مجدداً ربما؟!

تكلفة الـ900 مليون ليرة سورية لم تقتصر أضرارها على تسربات المياه إنما تعدتها لتنقل الأزمة المروية الخانقة من مركز المدينة إلى دوار السلام وبذلك فقد سكان السريان الجديدة، حي مصنف من الدرجة الأولى، نعمة الهدوء التي كانت تنعم بها المنطقة وتحول ضوضاء السيارات وأصوات زماميرها إلى شبه وجبة يومية عليهم تناولها طوال الصبح والمساء.

البشرى غير السارة التي وصلت لأهالي الحي هي صدور موازنة العام 2011 ولا حل في القريب العاجل يسمح بإقامة جسر أو نفق في هذه العقدة، لذلك اضطر القيمون إلى إزالة دوار السلام، الذي أعيد تأهيله حديثاً، كحل إسعافي أثبت عدم جدواه حيث لم تظهر له معطيات إيجابية، فكان التوجه إلى قطع المنافذ التي تصل المنطقة ببعضها، ولذا أصبح على السكان قطع مسافات إضافية أطالت الطرق وبذلك وزّع الازدحام على عقد أخرى.

سوء التنفيذ في بعض المشاريع الذي تعاني منه أحياء حلب يبقى أفضل من وعود لم تلق من ينفذها في المدينة القديمة، فأسوار مدينة حلب ماتزال قيد الانتهاك اليومي والمرحلة الثانية لكشف السور الغربي من تعديات المحال والكتل المضافة تنتظر رحمة من يتقدم ليخلصها من عبء تجاوزات تفتك ببنيتها العريقة وتفقدها أهمية يفتخر بها كل العالم.

المنطقة المحيطة التي تشمل باب جنين وسوق الهال وصولاً إلى تلة السوداء، بما تحويه من مغر قديمة لم يجر إلى اليوم فيها أي مسح أثري دقيق، تشكل قبلة سياحية مرموقة لكن في الوقت ذاته تعطي اليوم أسوء نموذج عشوائي يقدم للزائرين، فالجنان التي اشتق منها اسم الباب تحولت اليوم إلى أمكنة تقوم عليها تجاوزات إشغال الأرصفة والساحات وتترك بقايا اللحوم والأسماك والخضروات في بقعة كانت يجب أن تكون سياحية بامتياز.

فأسوار حلب تغار اليوم من دمشق القديمة بعد التحسينات التي تشهدها فيما يتعلق بالكشف عن سورها القديم وإظهاره كمعلم تراثي يشهد على عراقة العاصمة في وقت يحتجب سور الشهباء من أعين أبناءها والسياح نتيجة التعديات عليه.

رغم ذلك يشير بعض المهتمين بالآثار إلى ضرورة الانتباه، في حال نفذت المرحلة الثانية، أثناء إزالة التعديات خوفاً من تشققات إضافية يمكن أن تلحق بجدران السور، فما نتج عن التسرع في إجراء الخطوات المتبعة في المرحلة الأولى لا يجوز إعادة تكراره لأن ذلك قد يؤدي إلى انهيار جزء كبير منه.

لذلك يقف أبناء الشهباء حائرين فإما الإبقاء على الفوضى والإهمال الذي لم يعد يحتمل أو التصفيق لمشاريع بنوا عليها آمال كبيرة ونتج عنها مصائب جعلتهم يترحمون على سابق ما كان.

 

 

جاك قس برصوم- شام نيوز- حلب