كاميرون يعتزم طرد المحتجين من المساكن الاجتماعية

تنفيذا لتهديداته وتوعده المحتجين بعواقب وخيمة أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أنه يعتزم طرد الذين شاركوا في الاحتجاجات من المساكن الاجتماعية المخصصة لذوى الدخل المحدود وذلك بعد مرور أسبوع على حركة الاحتجاجات التي شهدتها عددة مدن بريطانية وفي مقدمتها العاصمة لندن والتي أسفرت عن مقتل 5 أشخاص على يد الشرطة واعتقال ألفي شخص على الأقل.
وإذا كانت الاحتجاجات بدأت في أعقاب حادث فردي تمثل في مقتل شاب برصاص الشرطة فإن هذه الاحتجاجات أدت إلى ظهور العديد من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع البريطاني وذلك وسط توقعات بتأثيرات بعيدة المدى قد تطال المستقبل السياسي لرئيس الحكومة البريطانية الذي لم يقر بشكل واضح بأزمة سياسية في بلاده مقتصرا على الحلول القاسية للتعامل مع المحتجين.
وجاء إعلان كاميرون بحرمان المحتجين من المساكن الاجتماعية لذوي الدخل المحدود ليعكس العشوائية في إدارته للازمة التي تواجهها بلاده في وقت أكد فيه استطلاع للرأي أجرته مؤسسة كومريس لصالح صحيفة الاندبندنت البريطانية أن أكثر من نصف البريطانيين يرون أن كاميرون فشل في قيادته للأزمة الأمر الذي أكده استطلاع آخر أجرته مؤسسة اى سى ام لصالح صحيفة الغارديان رأى فيه 44 بالمئة من المستطلعين ان كاميرون لم يرد بشكل جيد على أعمال الشغب.
وتنفيذا لما توعد به كاميرون تم بالفعل تسليم سيدة إنذارا بإخلاء منزلها المستأجر من قبل المجلس البلدي بسبب مشاركة ابنها البالغ من العمر 18 عاماً في الأحداث وفقا لما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي التي أشارت كذلك الى أن 796 متهما من جملة المعتقلين على خلفية الأحداث التي عصفت ببريطانيا مثلوا أمام المحاكم وحكم على طالب سرق صندوق مياه بالسجن ستة أشهر.
وفي مقلب آخر تتبدى في الأفق ملامح أزمات جديدة في المجتمع البريطاني قد تكون أقوى من حركة الاحتجاجات الحالية التي اعتبرها كثيرون أنها مجرد فتيل وتتجلى إحدى هذه الأزمات المتوقعة بأضرار سياسية محتملة قد تلحق بسمعة حزب العمال لجهة حفظ النظام فيما تظهر أزمة أخرى على شكل تخبط وغياب للتنسيق وخلاف واضح بين جهاز الشرطة والساسة البريطانيين بمن فيهم رئيس الحكومة الذي يتجه نحو تخفيض الإنفاق العام لجهاز الشرطة.
وفي هذا الإطار رصدت صحيفة الاندبندنت في تقرير نشرته أمس الشرخ الحاصل بين السياسيين وقياد ات الشرطة والهجوم المضاد الذي شنته الشرطة على ما وصفته الخداع الذي مارسه الساسة البريطانيون ورفضها الغاضب لادعاءات الوزراء بان تدخلهم هو الذي ساعد في ضبط الشغب.
وأشارت الصحيفة إلى الهجوم الذي شنه المفوض الحالي لشرطة لندن تيم غودين على الأشخاص الذين كانوا يمضون عطلاتهم خارج البلاد واجلوا عودتهم وهجوم مماثل شنه السير هيو اوردي أحد المرشحين لتولي منصب مفوض الشرطة في لندن والذي أكد ان قرار نشر 16 ألف شرطي في لندن اتخذ من قبل قيادة الشرطة وليس من قبل رئيس الحكومة أو وزيرة الداخلية.
ويأتي ذلك في وقت كشف ضابط رفيع في الشرطة عن أنهم اجبروا كاميرون على التراجع عن حديثه بخصوص الاستعانة بالجيش فيما وصف ضابط آخر أفكار كاميرون بالحماقة.
وفي سياق متصل توقعت الصحيفة أن تتسبب نصائح رئيس شرطة نيويورك السابق بيل براتون حول كيفية التعامل مع الاحتجاجات بغضب الشرطة البريطانية لاسيما أنه أعلن عن تأييده للإجراءات الصارمة بحق المحتجين وتصعيد القوة ضدهم واستخدام وسائل لقمعهم كالرصاص المطاطي ومسدسات الصعق ورذاذ الفلفل وخراطيم المياه.
وفي احدث تصريحاته رأى براتن الذي استعان به كاميرون ان المشكلة فى بريطانيا أكثر تعقيداً من مجرد اعتقال مثيرى شغب معتبرا انه لا يمكن حل المشكلة بمجرد القيام باعتقالات وتوقيف اشخاص مقترحا في هذا الصدد وجود شرطة قوية والاعتماد على المجتمعات المحلية لاستئصال ما اسماها ثقافة العصابات من جذورها.
وفي سياق متصل رأى عدد من المحللين والمتابعين أن استعانة كاميرون ب براتون تعد اعترافا بالفشل في مواجهة مثل هذه الأحداث ودليلا على عجز الحكومة البريطانية وغياب الخبرة لدى ساستها في التصدي لمثل هذه التطورات والأزمات المفاجئة وبالتوازي مع ذلك وجه كتاب وصحفيون بريطانيون انتقادات لاذعة للحكومة البريطانية التي تجرم القائمين بأعمال الشغب دون اعتبار لأي أسباب سياسية أو اجتماعية على حد قولهم.
وتأكيدا على الانقسامات في المجتمع البريطاني حيال التعامل مع حركة الاحتجاجات اعتبرت صحيفة الغارديان أن السياسيين يحاولون التهرب من المحاسبة حول السياسات الخاطئة التي أدت إلى عزل وإقصاء فئات اجتماعية تعاني من الفقر والحرمان وانعدام الفرص في حين اعتبرت صحيفة الديلي تلغراف أن ما وصفته بالانحطاط الأخلاقي في قاع المجتمع هو عدوى للانحطاط الأخلاقي في القمة وبين النخب السياسية والاجتماعية.
وفي تفسير آخر للأزمة البريطانية الحالية ربط روبن بيست في مقال له نشره موقع انتي وور أعمال الشغب التي عصفت بالبلاد بالحروب العدوانية التي شاركت فيها بريطانيا في أفغانستان والعراق والقصف الحالي على ليبيا مشيراً إلى موافقة البرلمان البريطاني على قرار مشاركة بريطانيا في الحرب على العراق الذي حول أجزاء كثيرة من العراق إلى حطام وتسبب في مقتل مليون عراقي في وقت يدعي البرلمانيون البريطانيون الأخلاق الرفيعة حيال مراهقين مهمشين من مناطق معزولة ومحرومة كونهم ارتكبوا نسخة مصغرة جدا مما وصفه الصدمة والرعب.
أما صحيفة ديلي ميرور فاعتبرت أن حركة الاحتجاجات ستكبد قطاع السياحة خسائر جسيمة مشيرة إلى أن بريطانيا تواجه فاتورة تصل إلى مليار جنيه إسترليني أي ما يعادل نحو 6ر1 مليار دولار ثمناً لليالي الخمس من أعمال الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في وقت تستعد شركات التأمين البريطانية لتلقي سيل من طلبات التعويض قد يصل حجمها إلى 200 مليون جنيه إسترليني على أقل تقدير.
ورأت الصحيفة أن أعمال الشغب بددت حقنة الانتعاش التي قدمها زفاف الأمير وليام وكيت للاقتصاد البريطاني ودمرت آلاف الشركات وشوهت سمعة البلاد بأعين السياح الأجانب معتبرة أن الناس العاديين سيدفعون الثمن كالعادة مشيرة إلى أن إعلان كاميرون عن تخصيص 20 مليون جنيه إسترليني لمساعدة المتضررين من أعمال الشغب والنهب من أصحاب المتاجر الصغيرة لا يعادل سوى 10 بالمئة من حجم الخسائر التي لحقت بأصحاب المتاجر الصغيرة والتي قدرت بـ 200 مليون جنيه إسترليني
شام نيوز. سانا