كلٌّ يجزى بما صنع

 

 

سأذكر 2011 دائماً على أنها السنة التي ودعنا فيها الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد السعودي، وشهدت سقوط معمر القذافي، ثم قتله بطريقة بشعة.

الأمير سلطان غادرنا في 22/10، واشترك السعوديون جميعاً، والعرب والمسلمون معهم، في توديعه فهو، بعيداً عن الإمارة وولاية العهد، اكتسب لقب «سلطان الخير» فكان جمعية خيرية من رجل واحد على امتداد عمره.

قبل يومين من رحيل ولي العهد السعودي قتل معمر القذافي الذي نكب ليبيا وأهلها فكانت سنوات حكمه الإثنتان والأربعون عجافاً كلها، إلا أنني مع ذلك أدين قتله والقتلة ووحشيتهم التي تستحق أن تتابعها محكمة جرائم الحرب الدولية كما أعلنت، فهناك أدلة على أن الزعيم الليبي عُذِّبَ قبل قتله في شكل ما يمكن اعتباره جريمة حرب.

ربما كان في رحيل الأمير سلطان وقتل القذافي مَثل لجميع الحكام العرب، فكلٌّ يجزى بما صنع.

السنة 2011 شهدت وفيات كثيرة أخرى، من زعماء سياسيين، إلى مفكرين وأدباء ومثقفين ونجوم سينما ومسرح وغناء. وهي لم ترحل حتى كان الروائي التشيكي فاكلاف هافل يودع الحياة في 18 من هذا الشهر، ويتبعه في اليوم التالي كيم جونغ ايل، دكتاتور كوريا الشمالية.

ومرة أخرى المقارنة تفرض نفسها، وهافل من أبطال الحرية وناضل ضد الشيوعية حتى سقوطها، وعندما انقسمت تشيكوسلوفاكيا في بلدين سنة 1993 أصبح رئيس جمهورية تشيكيا، وكانت آخر معاركه قيادة حملة ضد ألكسندر لوكاشنكو، رئيس بيلاروس أو «آخر دكتاتور في أوروبا» كما رآه هافل.

في المقابل كيم جونغ ايل ورث ديكتاتورية الحكم عن أبيه كيم ايل سونغ قبل عقدين أو نحوهما، ومارس السياسة المنغلقة المتطرفة نفسها، وأجاع شعبه. حتى أن آخر اتفاق دولي عقده كان قبل أيام من موته، وأساسه أن توقف كوريا الشمالية تخصيب اليورانيوم مقابل مساعدات غذائية من الولايات المتحدة ودول أخرى. ويكفي أن ننظر إلى الفرق بين الكوريتين الشمالية والجنوبية لنعرف كيف تصنع الديموقراطية اقتصاداً قوياً مزدهراً، والدكتاتورية جوعاً وفقراً ومرضاً.

نقطة تثير الاستغراب. قرأت بعد وفاة المُصلح هافل أنه كان صاحب شعبية أكبر خارج بلاده منها في داخلها، ورأيت بعد وفاة الدكتاتور الكوري الشمالي الناس في بلاده يبكون بحرقة حزناً عليه. وأترك التفسير للمؤرخين.

السنة بدأت بموت محمد البوعزيزي في 4/1 بعد أن كان أضرم النار في جسمه يأساً في 17/12/2010، وأشعل موته ثورات عربية غير مسبوقة وغير منتظرة، نتائجها قلبت السياسة العربية رأساً على عقب.

وكان بين الذين رحلوا عنا هذه السنة خالد جمال عبدالناصر (15/9) وكنا في المشرق نسمي جمال عبدالناصر «أبو خالد» وهي نسبة لا يستعملها المصريون، كما توفي محمد البسيوني السفير المصري لدى إسرائيل (18/9) وسعدالدين الشاذلي (10/2) وكان من أبطال حرب أكتوبر، والسياسي طلعت السادات (20/11)، والكاتب والصحافي المشهور أحمد بهجت (11/12).

أسامة بن لادن قتل في غارة أميركية وإنزال قرب إسلام أباد (2/5)، وقتل بعده في اليمن، وفي غارة أيضاً، أنور العولقي الذي كان من المرشحين لخلافة بن لادن. وفي المقابل قتل الجندي الأميركي ديفيد هيكمان في العراق (14/11) فكان آخر قتلى الاحتلال من الأميركيين وحمل الرقم 4474.

وبين الوفيات الأخرى كان هناك الدكتور كمال صليبي، المؤرخ اللبناني المشهور (1/9)، وكنت أخذت مادة واحدة معه في الجامعة الأميركية في بيروت، وستيف جوبس، عبقري «أبل» السوري الأب (5/10)، والكاتب البريطاني الجدلي كريستوفر هتشنز (15/12) الذي علّقت في هذه الزاوية على زيارة له إلى بيروت ومعركة في الشارع مع أنصار للحزب السوري القومي.

وسجلت السنة موت الممثل المصري كمال الشناوي (22/10) وكان لقبه فتى الشاشة الأول، والممثل الأميركي بيتر فالك، بطل مسلسل كولومبو، والممثلات إليزابيث تايلور وجين راسل والبريطانية سوزانا يورك، والمغنية ذات الصوت الذهبي أيمي واينهاوس عن 27 عاماً فقد قتلها الخمر بعد المخدرات.

وأختتم بما هو خسارة شخصية لي فقد رحل عن أهله ومحبيه الصديق طريف كمال بعد مرض عضال لم يمهله، وبقي الحزن المقيم.