كلاكيت تاني مرة

 

 

منذ يومين انطلقت صرخات من عمارة قريبة لمسكنى بأن هناك حرامى فى إحدى الشقق.. الغريب أن سكان تلك العمارة اندفعوا خارج الشقق وتجمعوا فى الشارع!!.. زمان.. عندما كانت تنطلق مثل هذه الصرخات كان الناس بيقفلوا شققهم على أنفسهم ويتربسوا الأبواب!!.. وكأن الأمان الآن أصبح خارج البيت أكثر من داخله!!.. وطبعا السبب مفهوم، فقد توقع السكان أن يكون الحرامى مدرعاً بمولوتوفة وللا اتنين وقد يفجر المنزل بأكمله، فبالتالى كان الشارع هو الأكثر أمنا مقارنة بالشقة!!.. لكن هل فعلا الشارع أمان؟..

لقد أصبح «مَكنة» تفريخ للبلطجية.. وبات من المؤكد أن الذى لم يبلطج فى عهد عصام شرف عمره ما هيبلطج بعد كده أبدا!!.. وطبعا وسط كل هذه الدربكة والدوشة على الساحة السياسية والأمنية والفئوية، أنا وانت فى الأمان وليس لنا أى علاقة بكل هذا.. يقولّك انفلات أمنى، يقولك بلطجية هيستولوا على شقتك، ولا يهمك.. طالما مولوتوفك فى إيدك ولفافتك فى جيبك، إنت فى السليم، وكبيرها سبع سنوات هيعدوا هوا!!..

يتعمدون لخبطتك وبرجلتك فيقولون لك فوق دستورية وتحت دستورية، وست سنية سايبة المية ترخ ترخ من الحنفية، ولا تسأل فيهم.. ويخيفونك فيجعلون القضاة والمحامين يمسكون فى تلابيب بعض، ولا يهمك.. طالما ليست تلابيبك إذن أنت مازلت فى السليم... لكن ما أتعجب له فعلا هو لماذا وسط كل هذا التسيب لم أرك تترك مقعدك وجرنالك وتقوم تسمعنا فتوى وللا اتنين؟..

ألم تلاحظ أننا أصبحنا فى موسم اللى فى نفسه فتوى يقولها؟.. من يفتى بأن زواج البنات من أعضاء الحزب المنحل حرام شرعا، ومن يفتى بأن سائق التاكسى إذا أوصل مسيحيا لكنيسة فقد ارتكب إثما وأن الذى ينتخب مرشحا ليس إسلاميا فجهنم سيلقاها وبئس المصير!!.. طب دول أحسن منك فى إيه؟..

مش تعملك منظر كده وتسمعنا صوتك؟.. يا سبحان الله، وكأننا عدنا خمسة أعوام إلى الوراء عندما أطلت علينا فتاوى إرضاع الكبير وبول الرسول!!.. والمشهد العام يوحى لك بأنك تشاهد نفس سيناريو ما قبل سقوط مبارك كلاكيت تانى مرة!!.. نفس الاحتجاجات الفئوية ونفس الخلافات النخبوية ونفس جرائم التعذيب!..

لكن ما حدث قبل سقوط مبارك كان متسقا مع التاريخ.. فدائما فى نهاية الأحكام الديكتاتورية كانت تشيع الفوضى خصوصا فوضى الفتاوى الدينية.. وكان الدين يوظف لخدمة السياسة.. وكان أيضا الفقهاء وعلماء الدين ينشغلون بفتاوى غريبة، أمثال هل دم البرغوث حلال أم حرام وهل القرآن مخلوق أم لا؟..

وكل هذا كان لا يدل إلا على مشكلة أساسية، وهى افتقاد الحكام القدرة على التواصل مع الناس وإقناعهم بقراراتهم.. وفى أى مكان وزمان، افتقاد القدرة على التواصل مع الناس دائماً ما يكون مؤشرا لبداية النهاية لأى وضع قائم.. ومن أجل هذا ولهذا كان دائما الخلفاء والسلاطين العرب فى نهاية فترات حكمهم يلجأون إلى استخدام التأثير الدينى على الناس العامة لإقناعهم بالقرارات الغريبة أو لتبرير المواقف المتعنتة.. يعنى مثلا أيام الخليفة المنصور عندما وجد أن العالم الفيلسوف بن رشد اكتسب مكانة عالية فى نفوس العامة وهو من المعارضين لسياساته، لجأ لفتاوى الشيوخ ليشوهوا صورة ابن رشد أمام الناس ويقنعوهم بأن كتاباته حرام ولابد من حرقها وحرقه..

وقد كان.. لكن أن يتكرر نفس السيناريو بعد قيام ثورة على مؤلفى ذلك السيناريو، فهذا لا يعنى غير أمر واحد.. وهو أن أولى الأمر يسيرون على خطا مؤلفى نفس السيناريو.. لذلك سرعان ما حدثت تلك الهرجلة والبرجلة بعد الثورة!!.. وأصبح من العادى أن يطل علينا من تبلغ به الهيافة حد الإفتاء بحرمة الزواج من أعضاء الحزب المنحل!!.. يا عم والنبى خليك فى حالك، هو حد لاقى جواز الأيام دى؟!.. ده حتى لو من حزب اللى يحب النبى يزق.. هنتجوزوه يعنى هنتجوزوه!

 

 

غادة شريف - المصري اليوم