كي لا تفقد المدينة نبضها

جود سعيد
ولحظة أزيلت الكتب من على رصيفها، هي ليست بسطات اختفت أو بائعو كتب رحلوا بأوراقهم، بل ذاكرتنا المغمسة بعرق أياد قلبت الصفحات، هو ماضي خطواتنا لنتعلم هي دقات قلبنا لنقرأ قصيدة عشقٍ هي كآباتنا تهدهدها رواية، هي ما بقي من كل جميل، كل ذلك سفح لتبقى الأرصفة باردة رمادية بالية بلا أنين أصوات أقلام ذابت كي لا نموت.
أما من أحد يحترم نعال من يبحثون عن المعرفة قبالة نعال رواد الفورسيزون!
فأولئك يبنون ربما وطناً والآخرون يمشون عليه.
لم نطالب بنقل "فورسيزنهم" اتركوا لنا "فورسيزننا" الفوضوي الصادق. فأحياناً لا يهم ما نضع من عطر بل ما يفوح من أجسادنا..
فوضى دمشق هي أجسادنا، أرواحنا، موتانا، وأحلامنا، فاتركوا لنا قليلاً منها لا لشيء، فقط كي نبقى.
هل تساءلتم يوماً لم دمشق حيّة عصية على الموت؟ لأنه لا يفهم نبض فوضاها الجميلة، تناقضاتها، بائع الكعك القديم قبالة الأوبرا، المدخنون على أدراج وزارة الصحة، رواد مقهى الروضة الأحياء العبثيون منهم والميتون، الموسيقى الإلكترونية في المدينة القديمة، بانوراما حرب تشرين تسخر من المهزومين، بردى يحتفظ باسمه كنهرٍ بلا سبب سوى التاريخ، امرأة ترضع وليدها على أعتاب مقام الشيخ الأكبر…
إن كان لا بد من تغريبنا فدعوا لنا ذاكرتنا، والله سنشكركم.. خذوا الساحات والأبنية الجديدة والسحاب وناطحاته وذكاء الأجهزة الإلكترونية والطاقة الشمسية والروبوتات واتركوا لنا غباءنا وحماقاتنا وبعضاً من دمشقنا التي تتنفسنا ونتنفسها.
اسمعوا نبض المدينة ورتبوا يومياتها على دقاته، لا تفرضوا عليها ما ليس منها.
نتمنى عليكم أن يكون المكان الجديد المقترح يشبهنا ونشبهه.