كيف توجه النشرة الإخبارية طريقة تفكيرنا؟


إن كان المشاهد قد أصبح أكثر انتباهاً ويقظة لمسألة معالجة المعلومة ولا سيما تلك المقدمة ضمن نشرات الأخبار فإنه نادراً ما يتساءل عن حقيقة بنية هذا البث الإخباري . حيث الشكل والمضمون واحد ..

بينما السياق الإخباري هو في حد ذاته علم تربية ووسيلة دعاية كاملة تعلمنا الانصياع للعالم الذي يظهرونه أمام ناظرينا ويحيطونا به ولكن يرغبون في الوقت ذاته منعنا من الفهم والتفكير .‏

وتعتبر نشرة الأخبار مصدر الحصول على المعلومة الراهنة المرفقة بالصور التي جرى التعليق عليها بالنسبة للغالبية العظمى من سكان العالم ولذلك فقد ازداد العمل على تحسين إخراج هذه النشرة في ظل تهميش المعلومة الواردة فيها ليعملوا من هذا المسرح مشهداً طقسياً وليس نشرة إخبارية . على سبيل المثال في البرنامج الإخباري الفرنسي ( الساعة العشرون ) الذي تبثه قناة فرنسا الأولى والثانية ليس الهدف منه توصيل المعلومة للمشاهد ليحيط بما يجري في هذا العالم وإنما ترفيه المشاهد مع تذكيره دوماً بما ينبغي عليه معرفته. هذا البرنامج أصبح أشبه بالقداس , حيث الجميع جالس في منزله , تطلعه البرامج الإخبارية مع التكرار الدائم على كل ما يجري في العالم .

 

وهنا يحتل مقدم البرنامج بشخصه قلب مصداقية البرنامج الإخباري لأنه يوحي بأن المعلومة وصلت إليه خصيصاً وهو من شرعنها وأسبغ عليها الأهمية والصدق وعن طريقه يمكن للمشاهد أن يطمئن « فإن كان العالم يشهد أحداثاً مرعبة فثمة من يعرف ذلك ويشرحه لنا» وبالتالي فإن مصداقيته لا ترتكز على قدرته وقيمته كصحفي وإنما على الكاريزما التي يمتلكها وإثارة التعاطف معه وكذلك طريقته في إشاعة الطمأنينة وأيضاً مظهره كرجل نزيه وفطين . ولكن ورغم إعلان كاذب لمقدم النشرة ديفيد بوجداس يفيد بانسحاب وزير الخارجية آلان جوبيه من الحياة السياسية وبث زميله الآخر باتريك بوافر دارفور مقابلة مفبركة مع الزعيم الكوبي فيدل كاسترو , فقد حافظا على موقعيهما كمقدمين لنشرة الأخبار بدعم من المدير ولم تتأثر مصداقيتهما لدى الجمهور .

 

 في كافة النشرات الإخبارية على التلفزيونات الغربية لا يهم التسلسل الهرمي للمعلومات , بل يبدو أن المواضيع ليست مختارة سوى من أجل عدم أهميتها ويختلط فيها الحب بالكراهية والضحك بالبكاء ويختلط التعاطف مع الشفقة والصور المثيرة للضحك مع المثيرة للشفقة وانتشار الإيمان بالقضاء والقدر وغلبة الموت على الحياة . وتأتي الريبورتاجات التي تعرض حال الإعلان عن عناوين النشرة تكريساً لما يقدمه لنا المذيع في مقدمة النشرة .

وإنما الخلاف أن الريبورتاج يعتمد على التعليق والصورة , والصورة هنا هي من أجل الاستثمار حيث لا نرى سوى تتابع المناظر المتماثلة ووجوه وحركات متبادلة مترابطة مع بعضها دون وجود رابط بينهما , ومع ذلك تمتلك الصورة قوة إقناع كبيرة. ويشير عالم الأنثربولوجيا ستيفان بريتون في تعليقه على الريبورتاج « يجري تحضير التعليقات في الكواليس وهذا العالم الخلفي محظور على المشاهد ومن هنا ينبثق ضمن حركة تكهن فحوى مفروض على الصورة , والمعنى غير موجود على الشاشة وإنما خارجها» .

 

 بمعنى أن الريبورتاج لا يأتي ثمرة بحث يستكشف ميادين مختلفة وإنما هو رواية لأمر يريدوه أن يبدو أساسياً , هو رؤية للعالم من دون وجود بديل مع المحاولة لتبدو تلك النظرة موضوعية , وما يقوله مقدم النشرة يكشف عنه الريبورتاج أي هذا هو العالم ويقول الريبورتاج هذا هو الدليل. في تلك النشرات الإخبارية يكون العالم مبني على حكاية صغيرة بدلاً من التركيز على مجموعة من الحقائق المتناقضة بقليلها أم بكثيرها لإلقاء نظرة كلية على الوضع من أجل إخضاعه للتحليل . حتى أصبحت نشرة الأخبار في الغرب أداة لنشر الإشاعات المعاصرة , تتلف الذاكرة ترسل الإشاعة عبر استخدام التكرار بشكل دائم ويومي , وتبدو الحكايات المروية في النشرة كلها متماثلة ومتكررة, فقط الأسماء والوجوه تتغير .

 


شام نيوز.الثورة