لتكن : جمعة الدولة المدنية

فؤاد حميرة - بلدنا

لست وافداً على المعارضة، ولم أكن ضيف شرف في المظاهرات، بل كنت فاعلاً فيها، وشاركت في معظمها علناً وبوجهي الصريح دون أقنعة ولاكمامات، وهتفت من أعماقي صادقاً مؤيداً لمطالب الشعب والمتظاهرين، حالماً بدولة مدنية ديمقراطية لا أراها تتوافر الآن في بلدنا.
 
اقترح بعض المعارضين على الفيسبوك تسمية الجمعة القادمة باسم «جمعة الجهاد». ورغم أن الكثيرين صححوا وقالوا إن هذا الاقتراح لن يسري ولن يتم تثبيته كتسمية لمظاهرات الجمعة القادمة، إلا أنني أرى في الأمر فكراً يحمله بعض المعارضين، هذا الفكر لا أدّعي أني ضده، ولكني لاأتفق معه أيضاً، فهل انتهت التسميات الأخرى؟
يمكن أن نسميها جمعة الدولة المدنية ...وهذا مطلب حق ...أو جمعة إطلاق سراح المعتقلين ...أو جمعة الإصلاح الحقيقي، أية تسمية تبدو صالحة، شرط ألا تحمل لغة السلاح ولغة الاقتتال ...فإذا كنا قد خرجنا في المظاهرات مطالبين بالحرية ومطالبين بالسلمية، فإني أصر على أن يبقى حراكنا سلمياً حتى النهاية.
من يُسقط النظام بسلاحه سيفرض في نهاية المطاف رأيه ونظامه أيضاً بالسلاح ذاته، ولعل في التجربة الليبية ما يدعو إلى التفكر في نتائج اللجوء إلى السلاح في سبيل تحقيق أهداف وغايات جديدة، حتى وإن كانت هذه الغايات نبيلة ومشروعة، فإن نبلها وشرعيتها لا تبرران الوسيلة التي يلجأ إليها بعضهم لتحقيقها، على مبدأ الغاية لا تبرر الوسيلة ..الغايات النبيلة تحتاج إلى أساليب أكثر نبلاً لتحقيقها وتحويلها من حيز الفكرة إلى حيز الواقع والتطبيق.
أما إذا كان المقصود بكلمة الجهاد مفهوماً آخر وجديداً، فأتمنى ذلك، أتمنى أن نعيد صياغة مفهوم الجهاد ليصبح جهاداً فكرياً سلمياً، وهذا ليس مستحيلاً ولا أراه خروجاً على دين أو شرع، فالنبي صلى الله عليه وسلم تحدث عن الجهاد الأصغر وقصد به جهاد الناس في سبيل عيشهم وشؤونهم الحياتية اليومية.
سأخرج هذه الجمعة في مظاهرات تهتف للحرية...تهتف للدولة المدنية ... تنادي بالديمقراطية وإطلاق سراح المعتقلين وإغلاق ملف الاعتقال السياسي نهائياً مرة واحدة وإلى الأبد، ولكني لن أخرج بالتأكيد تحت شعار الجهاد، ولن أهتف لمن يريد أن يصبح شريكاً في الدم السوري، فالدم السوري محرم على السوري أياً كان السبب وتحت أية حجة وذريعة.
لتكن جمعتنا القادمة وكل الجمع التي تليها تحت شعارات تحمل في طياتها معاني الحق والخير والجمال ...مفاهيم النبل والشجاعة... الشجاعة بمفهومها الأخلاقي النبيل لا بمعناها الذي نستورده دوما من ماض، لم يقدم لنا في كثير من مفاصله إلا مفهوماً وحيداً للبطل، ماض مازال يؤثر في ثقافتنا، فيصور لنا البطل على أنه ذلك الرجل الذي يستطيع أن يقتل أكبر عدد ممكن من الناس ... بأنا نورد الرايات بيضاً ..ونصدرهن حمراً قد روينا».
كل هذا الكلام وكل هذا اللون الأحمر من أجل نقلة طبق طعام، و «ولقد ذكرتك والرماح نواهل» إذ لا يكون ذكر العشيقة لذيذاً إلا والدم يغمس سرابيل العاشق.
ربما نحتاج إلى صورة جديدة للبطل تكسر دموية البطل التقليدي في ثقافتنا، بطل يقدم مقطوعة موسيقية جميلة ..لوحة فنية ...اختراعاً جديداً يغني عن الطاقة الأحفورية ...بطل يسعى لحقن الدماء، لا إلى بطلٍ يهدف إلى إراقة الكم الأكبر الممكن من الدماء.