لسنا دولة دستور ولاقانون!

ليس صحيحا أن الدستور والقانون يحتويان على كل شيء ينظم حياة الناس. فهناك أشياء ربما تفوقهما في الأهمية. وهي السوابق , بمعنى كيف تصرف المسؤول الفلاني في الموقف العلاني في الماضي؟ وهل هناك سابقة محاسبة لضبط هذه التصرفات.
هذه القضية شديدة الأهمية في هذه الأيام التي نستعد خلالها لمحاكمة رئيس الجمهورية وولديه, وكبار معاونيه بما في ذلك رؤساء المجالس النيابية ورؤساء وزارات سابقين, ووزراء وأهمهم جميعا وزير الداخلية وقيادات الأمن.
مثلا, هل صحيح أن السيدين جمال وعلاء مبارك كانا يتدخلان في أمور الدولة, واعتادا أن يصدرا الأوامر والتكليفات للوزراء وغيرهم من المسؤولين؟ والأهم من كل هذا هل كان المسؤلون ينفذون هذه الأوامر؟ وهل كانت السيدة الأولى السابقة سوزان مبارك تفعل هذا؟ وهل صحيح أنه كان هناك تفاهم ضمني يقول ان لها حصة ثابتة في مجلس الوزراء لا يقترب منها أحد بالتغيير أو التعيين إلا بناء علي رأيها؟ ويتردد أن هذه الحصة كانت تشمل وزراء الثقافة والإعلام والشؤون الاجتماعية والتربية والتعليم والصحة والسكان.
طبعا نحن جميعا نعلم أنه لا توجد اشارة واحدة في أي دستور مصري لأبناء الرئيس وصلاحياتهم أو لقرينته وصلاحياتها. ولكن الواقع يقول إنه كانت لهم صلاحيات واسعة فكيف يمكن قبول هذا الأمر في بلد يدعي أنه دولة مؤسسات ويحكمه الدستور والقانون؟ وهنا قد يكون من المفيد أن نتساءل مثلا, هل كانت هناك سوابق تفيد بأن أبناء وزوجات الرؤساء السابقين على مبارك كان لهم مثل هذه الحقوق ولو من باب العرف والعادة؟ مثلا كيف كانت تتصرف قرينة الرئيس جمال عبد الناصر وقرينة الرئيس أنور السادات وأولادهما؟ هل كانت لهم بقوة العادة سلطة اصدار أوامر وتكليفات للوزراء؟
أيضا عندما واجه الرئيس الراحل أنور السادات أحداث سبتمبر 1981 فقد رأى أن الدستور يعطيه الحق في أن يطلب حالة الطوارىء ويعتقل المئات من كل ألوان الطيف السياسي في البلاد, ويصدر قرارا بعزل البابا شنودة.. وهي مجموعة الإجراءات التي ترتب عليها في النهاية اغتياله في تشرين الاول, ترى هل أجرى مجلس الشعب المصري جلسة استماع حول الإجراءات التي اتخذها السادات خلال تلك الأزمة لتوضيح ما إذا كانت هذه الإجراءات سليمة أو خاطئة, وأين كان وجه الخطأ؟ وكيف تصرفت أجهزة الدولة المختلفة؟ وكيف كان يتعين عليها التصرف لكي لا تصل إلى النتيجة المأساوية التي حدثت باغتيال الرئيس!!
لماذا لم ينعقد البرلمان كما يحدث في الدول المتقدمة ليبحث الموضوع ويلخص ما حدث ويستخلص منه مدونة سلوك لتضبط تصرفات رؤساء الجمهورية عندما يواجهون أزمة؟
هل نتساءل أيضا كيف أن البرلمان المصري لم يجرؤ طوال تاريخه حتى الآن على استدعاء قيادات وزارة الداخلية لسؤالهم والتحقيق معهم في كيفية التصرف تجاه أي أزمة؟ وهل كان من المسموح لهم استخدام الذخيرة الحية تجاه المتظاهرين ضد أحكام الطيران في فبراير ونوفمبر8691, أو ضد مظاهرات الطلبة في أعوام0791, و1791, و2791؟ بل هل كان هناك أي تحقيق عما حدث في مظاهرات يناير7791 وكيف أن سيد فهمي وزير الداخلية الذي رفض اطلاق الرصاص علي هؤلاء المتظاهرين كان جزاؤه الخروج من الوزارة دون ان يجرؤ البرلمان علي انصافه ولو بكلمة؟ وهل جرؤ البرلمان علي التحقيق فيما حدث خلال الصراع ضد الإرهاب في الصعيد بين أعوام0991 إلي7991 ؟
ا3ب
ما نقوله باختصار أن السوابق التي تحكمنا حتي الآن تبيح لرئيس الجمهورية أو للمسئول الأول في الدولة وكذلك للمسئولين تحت قيادته كل في موقعه, أن يتخذ ما يشاء من الإجراءات وأن يحدد ردود فعله علي أي موقف بدون أي قيود من أي نوع.. ويكفي أنها وصلت إلى حد يجعل في مقدور أبناء الرئيس وقرينته اصدار أوامر للوزراء وغيرهم من قيادات الدولة دون أن يكون هناك أي رادع يمنعهم من الاقدام على مثل هذه الأعمال الخطيرة التي تهدد أي قيمة للدستور والقانون ولمعنى السلطة المسئولة أمام الشعب وتهدم معنى دولة المؤسسات.
وهذه السوابق أيضا كانت تستطيع أن تقول لنا, كيف كان يتصرف مديرو الأمن وقيادات وزارة الداخلية في مختلف المراحل مع المظاهرات, وهل اللجوء للرصاص الحي وقتل المحتجين سلميا هو إجراء معتاد أم لا؟ وهكذا.. ليس الهدف من هذا هو إعفاء القيادات التي تحاكم حاليا من المسؤلية عما فعلوه بقتل نحو ألف شهيد كلا.. ولكن الهدف هو اظهار أن مثل هذا التصرف كان عادة سلوكية في الشرطة المصرية.
وإذاً فإن المطلوب هو أن يكون هناك تغيير جذري في القواعد التي تحكم عمل الشرطة بحيث يحظر عليها مطلقا التسلح بأي ذخيرة حية من الآن فصاعدا.. وأن هناك حقا مطلقا للمتظاهرين بالتعبير عن رأيهم بشكل سلمي وأن مهمة الشرطة تنحصر في تأمينهم.. وهذا لا ينطبق علي الشرطة وحدها, بل علي أي جهة أخري تنزل للشارع للتعامل مع المتظاهرين ولو كانت الشرطة العسكرية.
وأخشى ما نخشاه أن ينقشع غبار التحقيقات الحالية عن مجرد الانتقام. ففي أعقاب نكسة حزيران 1967 تم وضع كبار قيادات القوات المسلحة في السجون لتصفية أنصار عبدالحكيم عامر, والآن, نجد كبار قيادات الشرطة وراء القضبان والمفروض أن القضية أهم من الانتقام والتصفية لأنها تتعلق بوضع أسس وقواعد للعمل من اجل المستقبل
حازم عبد الرحمن - الاهرام