لماذا تمخّض «الربيع العربي» عن خريف بغيوم صهيونية؟!


البعث - هادي دانيال -تونس
نص مداخلة ألقيت في تظاهرة سياسية لدعم ومساندة سورية ضد المخططات الصهيونية والرجعية يوم السبت 17/12/2011 في مقر الاتحاد الجهوي للشغل في مدينة سوسة التونسية.

بعد أن أفضى ما سمي «الربيع العربي» إلى «خريف إسلامي»، بمعنى أن الأحزاب والتنظيمات الإسلامية التي لم تشارك في وقائع ذلك «الربيع» بدأت تجني ثماره بالسيطرة شبه المطلقة على السلطتين التشريعية والتنفيذية في البلدان التي أطاح «الربيع» المذكور بأنظمتها، من خلال آلية ديمقراطية مزعومة هي صندوق الاقتراع الذي يستخدم لمرة واحدة توصل هذه التنظيمات إلى دفة الحكم، لتقوم بالدور الموكل إليها في سياق «صفقة تاريخية كبرى» بينها وبين واشنطن، مهدت لها تركيا وقطر اللتان احتضنتا على أراضيهما لقاءات بين قادة الإخوان المسلمين ومسؤولين في وكالة المخابرات الأمريكية، ناهيك عن الدور الذي قامت وتقوم به الدوحة وأنقرة في احتضان القواعد الأمريكية العسكرية في «الربيع العربي» وصولاً إلى «الخريف الإسلامي» كهدف مباشر منشود، يكون جسراً إلى هدف استراتيجي هو تنفيذ مخطط «برنارد لويس» لتفتيت العالم الإسلامي من الباكستان إلى المغرب الذي سبق وأن نشرته مجلة وزارة الدفاع الأمريكية على أن يكون برنامج «جين شارب» المكون من مئة وتسعة وثمانين «سلاحاً غير عنيف»، بدءاً من استخدام الشارات اللونية والرموز إلى كيفية استخدام الجنازات الرمزية، دليلاً أولياً لتحريك أي حراك من أجل إسقاط الأنظمة التي يستهدفها مخطط «برنارد لويس».

 

مَن هو «لويس»، ومن هو «شارب»؟..
وما هي أبرز ملامح مخطط الأول وبرنامج الثاني؟.
ولد «برنارد لويس» المستشرق البريطاني الأصل، أمريكي الجنسية، يهودي الديانة، صهيوني الانتماء في لندن سنة 1916، وتخرج من جامعتها سنة 1936، ليعمل في عاصمة الضباب مدرساً بقسم التاريخ للدراسات الشرقية الأفريقية، وقد كتب كثيراً في تاريخ الإسلام والمسلمين مركزاً بالخصوص على الحركات السرية في الإسلام، وواضعاً، منذ ذلك الحين إلى أن استقطبته واشنطن مستشاراً لوزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، وأستاذاً متقاعداً بجامعة «برنستون»، عشرين كتاباً عن الشرق الأوسط أبرزها: «العرب في التاريخ»، «الصدام بين الإسلام والحداثة في الشرق الأوسط الحديث»، «أزمة الإسلام»، و«حرب مقدسة وإرهاب غير مقدس».
وحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» فإن برنارد لويس وفر الكثير من الذخيرة الأيديولوجية لإدارة بوش في قضايا الشرق الأوسط، والحرب على الإرهاب، حتى أنه يعد بحق منظراً لسياسة التدخل والهيمنة الأمريكية في المنطقة. وعُرف «لويس» بتأييده الصريح للحملات الصليبية مشيراً إلى أنها على بشاعتها كانت رداً مفهوماً على «الهجوم الإسلامي» خلال القرون السابقة وأنه «من السخف الاعتذار عنها»، لذا ليس مستغرباً أن يعتمد «صموئيل هنتينجتون» في كتابه «صدام الحضارات (1996)، فقرة من مقال كتبه «لويس» سنة 1990 بعنوان «جذور الغضب الإسلامي» قال فيها: «هذا ليس أقل من صراع بين الحضارات، ربما تكون غير منطقية، لكنها بالتأكيد رد فعل تاريخي منافس قديم لتراثنا اليهودي والمسيحي، وحاضرنا العلماني، والتوسع العالمي لكليهما». وبما أن «لويس» كان خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي قريباً من المحافظين الجدد، ومستشاراً للرئيسين جورج بوش (الأب والابن)، وواضع استراتيجيتهما الصهيونية ضد العروبة والإسلام، ومن بينها الجانب المتعلق بالغزو الأمريكي للعراق، فإننا نصدق صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية عندما تشير إلى أن «لويس» هذا كان برفقة جورج دبليو بوش ونائبه ديك تشيني، عندما اختفيا في أعقاب ارتطام الطائرة بالمركز الاقتصادي العالمي، حيث عقد الثلاثة اجتماعات ابتدع خلالها «لويس» مبررات وأهدافاً لغزو العراق تستند إلى رؤيته بشأن «صراع الحضارات» و«الإرهاب الإسلامي» المزعومين!.
ولكي يفهم القارىء أدق الفهم في أي منقلب ينقلب «الإخوان المسلمون» العرب، وغيرهم من قوى «الإسلام السياسي» بموجب صفقتهم التاريخية مع واشنطن، نقتطف من خطاب «برنارد لويس» الصهيوني، بعض ما ورد على لسانه السامّ في مقابلة أجرتها معه «وكالة الإعلام» الأمريكية يوم 20/5/2005، حيث قال: «إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضّرهم، وإذا تركوا «دون لجم» فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات، وتقوض المجتمعات، ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة، لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان، إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك، إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية، وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع أن تقوم أمريكا بالضغط على قيادتهم الإسلامية- دون مجاملة ولا لين ولا هوادة- ليخلّصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيهما».
إن «برنارد لويس» الذي يزعم الحرص كذباً على مواجهة الخطر العربي- الإسلامي الذي يهدد الغرب، لا يخفي هدفه الصهيوني الحقيقي، وهو زج الغرب برمته في حروب لصالح الكيان الصهيوني الذي «يمثل الخطوط الأمامية للحضارة الغربية» حسب تخرصاته، بل يزاود على الإسرائيليين أنفسهم حين ينتقد انسحابهم من جنوب لبنان، ويصفه بكونه «عملاً متسرعاً ولا مبرر له»، وعندما دعت الولايات المتحدة سنة 2007 إلى مؤتمر «أنا بوليس» للسلام حذر من أنه «يجب ألا ننظر إلى هذا المؤتمر ونتائجه إلا بِعدِّه مجرد تكتيك مؤقت، غايته تعزيز التحالف ضد الخطر الإيراني، وتفكيك الدول العربية والإسلامية، ودفع الأتراك والأكراد والعرب الفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضاً، كما فعلت أمريكا مع الهنود الحمر من قبل».
وبعد التصريح الذي أدلى به «بريجنسكي» مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس «جيمي كارتر» سنة 1980، والذي قال فيه: «إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الآن، هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الحرب الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران، تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود سايكس - بيكو».
وما إن أطلق «بريجنسكي» تصريحه حتى باشر «برنارد لويس»، وبتكليف من البنتاغون بوضع مشروعه بوحي من مضمون هذا التصريح، وهو مشروع يرمي إلى تفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعاً، وكلاً على حدة، وبالخصوص: العراق، سورية، لبنان، مصر، السودان، إيران، تركيا، أفغانستان، السعودية، دول الخليج، ودول الشمال الأفريقي، وذلك بتفتيت كل منها إلىعدة كانتونات ودويلات عرقية ودينية وطائفية، وقد أرفق مشروعه المفصل بمجموعة من الخرائط المرسومة تحت إشرافه تشمل جميع الدول العربية والإسلامية المستهدفة.
ولم تمض ثلاث سنوات حتى وافق الكونغرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية عقدت سنة 1983، على مشروع الدكتور «برنارد لويس»، فتم بذلك تقنين المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الاستراتيجية للسنوات اللاحقة.
وأبرز ما تنص عليه تفاصيل هذا المشروع الشيطاني، تقسيم مصر إلى أربع دويلات، هي:
1- سيناء وشرق الدلتا «تحت النفوذ اليهودي».
2- الدويلة القبطية، وعاصمتها الاسكندرية، وتمتد من جنوب بني سويف حتى جنوب أسيوط، وتتسع غرباً لتشمل الفيوم، وتمتد في خط صحراوي عبر وادي النطرون ليربط هذه المنطقة بالاسكندرية، كما تتسع لتضم جزءاً من المنطقة الساحلية الممتدة حتى مرسى مطروح.
3- دويلة النوبة، وعاصمتها أسوان، وتتكامل مع الأراضي الشمالية السودانية، فتربط الجزء الجنوبي الممتد من صعيد مصر حتى شمال السودان باسم «بلاد النوبة»، تربطه بمنطقة الصحراء الكبرى لتلتحم مع دويلة البربر التي سوف تمتد من جنوب المغرب حتى البحر الأحمر.
4- مصر الإسلامية، وعاصمتها القاهرة، وهي الجزء المتبقي من مصر، والتي يراد لها أيضاً أن تكون تحت النفوذ الإسرائيلي.
وبناء على الخريطة السابقة، فإن السودان سيقسم أيضاً إلى أربع دويلات، هي: 1- دويلة النوبة، المتكاملة مع دويلة النوبة في الأراضي المصرية.
2- دويلة الشمال السوداني الإسلامي.
3- دويلة الجنوب السوداني المسيحي الغنية بالنفط.
4- دويلة دارفور، الغنية باليورانيوم والذهب والبترول.
أما خريطة الشمال الأفريقي، فتشير إلى تفكيك ليبيا، الجزائر، والمغرب، لإقامة ثلاث دويلات هي:
1- دويلة البربر، على امتداد دويلة النوبة بمصر والسودان.
2- دويلة البوليساريو.
3- الباقي دويلات المغرب، الجزائر، تونس، وليبيا.
وترمي خريطة شبه الجزيرة العربية والخليج إلى إلغاء الكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان واليمن والإمارات العربية من الخارطة ومحو وجودها الدستوري لتتضمن شبه الجزيرة العربية والخليج ثلاث دويلات هي:
1- دويلة الإحساء الشيعية، وتضم الكويت، الإمارات، قطر، عمان، والبحرين.
2- دويلة نجد السنية.
3- دويلة الحجاز السنية أيضاً.
أما العراق فإن مشروع «لويس» يقترح تفكيكه على أسس عرقية ودينية ومذهبية إلى ثلاث دويلات، هي:
1- دويلة شيعية في الجنوب حول البصرة.
2- دويلة سنّية في وسط العراق حول بغداد.
3- دويلة كردية في الشمال والشمال الشرقي حول الموصل، تقوم على أجزاء من الأراضي العراقية والإيرانية والسورية والتركية و«السوفييتية».
وتقترح الخريطة نفسها «خريطة تقسيم سورية والعراق» تقسيم سورية إلى أربع دويلات، أما لبنان فيقترح «لويس» تقسيمه إلى ثمانية كانتونات عرقية ومذهبية ودينية على النحو التالي:
1- دويلة سنية في الشمال، عاصمتها طرابلس.
2- دويلة مارونية شمالاً أيضاً، عاصمتها جونية.
3- دويلة سهل البقاع الشيعية، عاصمتها بعلبك، وتكون خاضعة للنفوذ السوري شرق لبنان.
4- بيروت الدولية.
5- كانتون فلسطيني حول صيدا، وحتى نهر الليطاني تسيطر عليه منظمة التحرير الفلسطينية.
6- كانتون كتائبي في الجنوب، يشمل مسيحيين ونصف مليون من الشيعة.
7- كانتون مسيحي تحت النفوذ الإسرائيلي.
ويقترح المشروع تقسيم إيران، باكستان، وأفغانستان إلى عشرة كيانات عرقية هزيلة، هي: كردستان، أذربيجان، تركستان، عربستان، إيرانستان، ما تبقى من إيران، أفغانستان، ما تبقى منها.
8- باكستان، ما يتبقى منها.
9- كشمير.
أما تركيا، فينتزع جزء منها، ويضم إلى الدولة الكردية المزمع إقامتها في العراق. لكن الأردن يصفى، وتنقل السلطة فيه إلى الفلسطينيين، وفيه تقام دويلة فلسطين، بينما «إسرائيل» تشمل فلسطين التاريخية كاملة تحت اسم «إسرائيل الكبرى»، ويزال الكيان الدستوري الحالي للدولة اليمنية بشطريها الجنوبي والشمالي، وتصبح مجمل أراضيها جزءاً من دويلة الحجاز.
شارب والثورات السلمية
وأما «جين شارب» فهو عجوز أمريكي في عقده الثامن، يعيش حالياً في منزل قديم يقع شرق بوسطن، حسب «روايدر أرو» مخرج فيلم «جين شارب.. كيف تبدأ ثورة في ربيع 2011».
هذا العجوز الذي يعد واجهة لعمل جهاز الاستخبارات الأمريكية (CIA)، يوصف أيضاً بأنه الخبير الأول على مستوى العالم في «الثورات السلمية»، وانطلاقاً من مقولته «لجؤوك إلى العنف يعني اختيارك أن تحارب ضد أفضل أسلحة خصومك، ويجب أن تكون أذكى من ذلك»، ألّف كتابه الأشهر «من الدكتاتورية إلى الديمقراطية» الذي تقصد أن يكون عامّاً لينطبق على الدول جميعها بمختلف ثقافاتها وأديانها، وفي هذا الكتاب وكتاباته الأخرى وضع برنامجاً لتغيير الأنظمة يتضمن 198 طريقة يمكن استخدامها للإطاحة بالأنظمة المستهدفة، وقد استخدم الحراك الإيراني سنة 2009 مئة طريقة منها دون جدوى، لكنها أتت أكلها في دول أخرى مثل صربيا وأوكرانيا، وغيرهما من دول أوروبا الشرقية، وأبرز طرق «شارب» تم استخدامها في مصر، وبخاصة إقامة علاقة مع الجيش بغية تحييده، ومن ثم توظيفه لصالح «المقاومة غير المسلحة»، كما حصل في تونس ومصر التي تلقّى شبابها تدريبات على هذه الطرق التي تنظمها منظمة «كانفاس» الصربية في العديد من البلدان!.
والمؤكد أن الاستخبارات الأمريكية آخر ما يعنيها هو الالتزام «الأخلاقي» بتعاليم عجوزها، التي ما إن تستنفد حتى تلقى جانباً، وتستبدل بتراثها القائم على فرق الاغتيال، وتحريك العصابات المسلحة، والجيوش لاحقاً، كما حصل في أفغانستان والعراق وليبيا، والآن في سورية، ذلك أن المهم ليس «نعومة» الوسيلة أو الاقتصاد في الضحايا، بل هي لا ترى ضيراً في الوصول إلى أهدافها على مئات آلاف الجثث من الأبرياء الذين تتقصد جعلهم «قرابين» بقتلهم واتهام أجهزة النظام المستهدف بالمسؤولية عن الدماء التي تسفكها والأرواح التي تزهقها العصابات التي تمولها وتدربها المخابرات الأمريكية وحلفاؤها محاولة بذلك إثارة الشعوب والرأي العام الدولي بالتحريض التضليلي عبر وسائل الإعلام التي نشأت مسبقاً لتقوم بهذه الوظيفة، كما هو حال قناة «الجزيرة» التي كانت في الأصل فكرة طرحها الإسرائيليان «دافيد وجان فريدمان» على أمير قطر الذي نفذها بحماسة.
إذاً، لنعد إلى مشروع «برنارد لويس» ونؤشر إلى ما نفذ وينفذ في سياق تطبيقه في منطقتنا العربية بخاصة، ولنبدأ من العراق حيث أَقرّ ما عرف بـ «دستور بريمر» وحلفاؤه العراقيين بعد احتلال أرض العراق سنة 2003، فيدرالية تشمل ثلاث دويلات على أسس طائفية: شيعية في الجنوب، سنية في الوسط، وكردية في الشمال- تماماً كما نص «مشروع لويس».
وفي سنة 2007 صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي على تقسيم العراق كما هو مذكور أعلاه كشرط لانسحاب القوات الأمريكية من بلاد الرافدين، وقد طالب «مسعود البرزاني» بإجراء استفتاء لتقرير مصير إقليم كردستان العراق وعدّ عاصمته محافظة «كركوك» الغنية بالنفط محافظة كردية، فنال هذا الطلب مباركة عراقية وأمريكية في تشرين الأول/أكتوبر/ 2010.
وفي السودان أنضجت الضغوط الصهيو -أمريكية أول ثمار مخطط «برنارد لويس» فبعد أن تم تحويل هذا البلد إلى مستنقع لنقيق الضفادع السامة استخدم هذا المستنقع لاصطياد المناضل الأممي من أجل القضية الفلسطينية المعروف بـ «كارلوس» بمقايضة مع المخابرات الفرنسية في 14/8/1994، ليُستدرج لاحقاً الرئيس عمر حسن البشير تحت فزاعة محكمة الجنايات الدولية إلى مقايضة أَفْدَح شَهَرَ بموجبها تطبيق الشريعة الإسلامية لتكون ذريعة لانفصال جنوب السودان ذي الأغلبية المسيحية واللادينية، لم تكف المحكمة المذكورة بموجبها عن ملاحقة «البشير»، بل أوعزت واشنطن إلى دميتها المسماة «جامعة الدول العربية» لتكون درعاً يحصن الرئيس السوداني من تبعات قرار محكمة الجنايات الدولية الذي سيبقى مع ذلك وسيلة ابتزاز تستخدم عند اللزوم إلى أن يقطف مخطط «برنارد لويس» الثمرة التالية، وهي فصل دارفور أيضاً عن السودان، بالرغم مما يبديه «البشير» من «حسن سلوك» كان آخر أدلته ما أعلنه بنفسه «مفاخراً؟!» مشاركته بالرجال والسلاح في الإطاحة بنظام العقيد القذافي، ناهيك عن الموقف من سورية عندما صوت مندوب الخرطوم في «الجامعة العربية» لصالح تعليق عضوية سورية في «الجامعة المذكورة، تمهيداً لمحاصرة سورية وتأمين غطاء عربي لتدخل عسكري خارجي يطيح بنظامها الوطني على غرار ما دبر لليبيا على الرغم من أن القيادة السورية كانت تنافح عن «قضية السودان» وكأنها قضية سورية ذات أولوية!.
وما إن سقط نظام القذافي حتى انتصبت في أكثر من مكان في ليبيا «إمارات إسلامية» وبخاصة في طرابلس، درنة، البيضا، وغيرها، لإضفاء مشروعية على تقسيم ليبيا، ويرفد هذه الفزاعة التقسيمية عنصر لايقل خطراً هو العنصر العرقي، حيث خرجت، وبقوة إلى السطح الحكاية «الأمازيغية» طارحة نفسها للتداول، خاصة بعد عودة «فتحي خليفة» رئيس ما يسمى الكونغرس العالمي الأمازيغي الليبي، ليقيم في مدينة الزاوية على مقربة من الحدود مع تونس، ويسعى مع مجموعته إلى ترويج خطاب معاد للعرب والعروبة، مع أن ثمة من يرى أن افتعال هذا التوتر يمهد لخلق منطقة عازلة الغرض منها إقامة قاعدتين عسكريتين بريطانية وأمريكية «أفريكوم» في عمق الصحراء التونسية!.
ولا تنأى عن هذا السياق استضافة مدينة «جربة» التونسية المؤتمر السادس لما يسمى «الكونغرس العالمي الأمازيغي- جبهة مكناس» التي كانت تأسست في باريس سنة 1995، فهذا المؤتمر الذي انعقد أوائل تشرين الأول/أكتوبر/ 2011، بالتعاون مع «الجمعية التونسية للثقافة الأمازيغية»التي نشأت بعيد الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي، وحضره ممثلون للأمازيغ من جزر الكناري، النيجر، مالي، ليبيا، تونس، المغرب، الجزائر، مصر، والمهجر الأوروبي، تحت شعار «الشعب الأمازيغي في الطريق إلى الحرية» حظر منظموه على المشاركين فيه استخدام اللغة العربية بذريعة أنها لغة احتلال واستعباد وترمز إلى أربعة عشر قرناً قضاها «الأمازيغ» تحت «تسلط العرق العربي»!، بينما سمحوا باستخدام اللهجات المحلية لممثلي الدول المشاركة إلى جانب اللغتين الفرنسية والإنكليزية، ناهيك عن اللغة الأمازيغية طبعاً!، وتسرب من المؤتمر أنه أوصى بجعل «جربة» منطقة حرة دولية، إحياء لضغط بربري يهودي سابق في هذا الاتجاه، وبتسعير الصراع بين تونس وليبيا بشأن الجرف القاري الذي كان القذافي أهداه لتونس، وكذلك محاولة السيطرة على معبري وازن والذهيبة إلى يفرن وجبل نفوسة، تهيئة لقاعدة تنشأ عليها نواة كيان بربري «أمازيغي»، ولا يخرج عن هذا الهيجان التقسيمي ما تتداوله وسائل الإعلام عن تحرك قبائل «التبّو» في جنوب ليبيا، التي تطالب بحكم ذاتي، بعد أن باشرت بإصدار صحف بلغة «التبّو»!.
هذه إذاً بعض تخلقات «ثورات الفوضى الخلاقة»، فهي فعلاً خلّاقةُ مناخٍ تجزيئي انقسامي انفصالي يرنو إليه الساهرون على تنفيذ مخطط «برنارد لويس» بانتشاء وغبطة.
ولكن إذا كانت مساعي الصهيونية وروافدها الفرنكفونية وغيرها من منظمات «تصدير الديمقراطية» لم تهدأ منذ عقود باذلة المال والإغراءات لإثارة النعرات العرقية متكئة على إحياء العصبية عند بعض الأقليات الإثنية كالكردية والبربرية وغيرهما، فكيف تسللت إلى حركات سياسية إسلامية تزعم أنها تمثل أغلبيات؟!