ليس عاصفا... ليس فظيعا

 

في ختام يوم من الانفعال من جبال الوثائق الاميركية التي انكشفت لعيان الجميع في موقع ويكيليكس وفي الصحف التي تغذت بها، يخيل أنه ينبغي التمييز بين ردود الفعل الضرورية على هذه المكتشفات وغيرها، وبين المعنى العام للنشر.

 


فقد نشأت الوثائق، ارسلت وكشفت في ظل اطار دستوري، يمنح حماية لحرية التعبير ويأخذ بالحسبان امكانية النشر، سواء قانونيا («حرية المعلومات») وبتوجيه مقصود على مدى السنين، أم انطلاقا من الاهمال او النية المبيتة في موعد قريب من الكتابة. الديمقراطية الحقيقية تعرف كيف تتصدى لنشر مواد كهذه. وبالفعل، لم تقع أي مصيبة. المصائب الحقيقية، مثل الهجوم الياباني على بيرل هاربر او عمليات القاعدة في منهاتن وقعت عندما كانت اسرار الدولة محفوظة جيدا.

 


الاسرائيليون الذين اعتادوا على تمجيد «وزارة الخارجية الاميركية في فترة بداية الدولة، وعلى الهيبة للوزراء المؤثرين مثل جورج مارشل ودين اتشيسون، جون فوستر دالاس وهنري كيسنجر، ليسوا مطلعين على آخر الاحداث. وزارة الخارجية بعيدة عن الدائرة الداخلية لاصحاب القرار في واشنطن. الرئيس ومساعدوه (الامنيون والسياسيون) واحيانا ايضا محافل اساسية في اسرة الاستخبارات والامن أهم بكثير؛ هكذا أيضا سناتورات واعضاء كونغرس معينون. الدبلوماسيون المهنيون هم في الغالب يرفعون التقارير، مهمتهم لا تخرج كثيرا عن اقتباس مقال افتتاحي كهذا او ذاك في برقية الى قيادة الوزارة في العاصمة الاميركية.

 


أسرار حقيقية وكبرى لا تطرح خطيا في مثل هذه البرقيات؛ في الغالب لا يكون الدبلوماسيون مشاركين فيها. ما يتبقى هو أحيانا مثير للبهجة، ولكن ابدا تقريبا لا يكون هذا صاخبا او محطما للاطر. في الحالة الاسرائيلية – الاميركية، يخيل أن الطرفين يشتبهان مسبقا الواحد بالآخر، او في واقع الامر، في النية لتسريب مضمون الحديث في مواضيع حساسة وذلك من أجل التخريب او التقييد.
الظاهرة بحد ذاتها مباركة: فليعرف كل زعيم وموظف بان واجبه أن يقول الحقيقة لمرسليه ولشعبه، إذ لاحقا، بعد ايام، او ساعات، سينكشف سر حديثه، فما بالك أنه دون تأييد جماهيري لن تقوم أي تسوية. في نهاية المطاف العلني أهم من السري.

 

HAARETZ