ليلة رأس السنة

مع بداية كل عام، في ليلة رأس، السنة كما نسميها ، يعيد الناس كلام احلامهم ذاتها ،احلامهم البسيطة الطيبة والخجولة غالبا، متوهمين الوهم ذاته ان دورة الحياة يمكن ان تتجدد تماما مع بداية كل عام مثل فراشة خادرة تمزق شرنقتها وتنطلق الى عالم جديد وحياة جديدة ناسين ان الزمن وحدة واحدة ورؤوس السنوات ليست الا نقاطا وهمية وان التراكم وحده هو ما يحكم دورة حياة البشر وان التحولات النوعية على الاقل لا تكون الا نتاج سنوات طويلة وكثيرة وليس ثمة معجزات في كل هذا السياق.
وتشتغل مختلف وسائل الاعلام في كل مرة في ليلة رأس السنة لتعيد انتاج الاوهام نفسها وتكرر سؤال الامنيات ذاته وما من أجوبة جديدة ابدا ، نتمنى السلام والاستقرار ، نتمنى الحرية والسيادة ، نتمنى الدولة المستقلة ، نتمنى المحبة ، نتمنى ان ينتهي البحث المضني عن لقمة العيش ، نتمنى العدالة ان تسود ، الفساد ان يحارب بحسم وقوة ، وعلى الصعيد الشخصي ، هناك من تتمنى ومن يتمنى الحب والزواج وامتلاك البيت او السيارة، او الحج الى بيت الله الحرام ، وأصغر من ذلك وابسط تتكرر احلام الناس وامنياتهم في كل عام ،
في ليلة رأس السنة التي تطعمها الفضائيات بأحاديث النجوم والابراج وتوقعاتها التي تكاد تكون ذاتها لكل الابراج مع تدوير بسيط للكلام بين برج وآخر، وبالطبع لا مفر من كل ذلك في كل عام مع بدايته ، فعلى الاقل ان لم يكن هناك على الارض ما يبشر بالتحول والتقدم فلا بأس من الحلم والتمني بل لعله لم يتبق للناس واعني دائما اغلبياتهم المقهورة ، لم يتبق لهم غير الحلم والتطلع وتوقع التحول الكبير بضربة عصا العام الجديد السحرية ،
غير انه لا بد من القول هنا ان من أراد العلى ينبغي ان يسهر الليالي ومن يخشى صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر ، أعني ماذا لو جمعنا الامنيات بالعمل ، او على الاقل بالقول والاعتراض والاحتجاج الصائب بالاسئلة الصائبة ، اقول الحلم والتطلع والتمني أمر جميل وجيد لكنه يحتاج دائما الى فعل يحركه والى إيمان وثقة بأن الاحلام تصبح والحالة هذه حقيقة لاشك فيها ، وكل عام وانتم بخير .
محمود ابو الهيجاء - الحياة الجديدة