مأمون البني يشن هجوماً على المخرجين الشباب

مأمون البني

شن المخرج السوري مأمون البني أقسى هجوم على المخرجين السوريين الشباب ومعهم جيل من الفنانين والفنيين الذين وصفهم بأنهم جيل كامل لم يطلع على تقاليد الحياة الأكاديمية، اعتبر أن الأعمال السورية لهذا العام وقعت في مشكلة عدم قراءة النص بشكل جيد أو الفشل، شاناً هجوماً على الكوميديا التي قدمت في هذا العام داعياً إلى مراجعة شاملة لوضع الدراما السورية.
وقال البني في لقاء أجراه معه الصحفي محمد منصور في جريدة القدس العربي: "منذ أكثر من ربع قرن لم تعد الدولة تهتم بإرسال بعثات للتعلم في الخارج، وخصوصاً في الفن الذي يحتاج لمثل هذا الاطلاع والاحتكاك... يعني عندما كنا نذهب لندرس في الخارج، كنا نصادف طلاباً أجانب، كنا نلمس اختلافاً بيننا وبينهم، كأن ترى أحدهم متقدماً في عزف الموسيقى، وأنت لا تجيد العزف على أية آلة... هذا كان يولد لدينا شعوراً بالنقص، لكن عندما كنا نجلس لنتعلم نكتشف أننا قادرون على التعلم والإبداع مثلهم أو ربما أكثر، لأن المادة العلمية واحدة. هذه التجربة مفيدة بسلبياتها وإيجابياتها، لأنها تجعلنا نفهم جوهر الروح الأكاديمية... القائمة على استيعاب العلم والنظرية وفهم أصول الأشياء. وعندما عدنا إلى سورية أردنا أن نحقق شيئاً أكاديمياً، وأعتقد أننا حققنا الكثير من أعمالنا على أسس أكاديمية بالنسبة التي يسمح بها الواقع العملي على الأقل... أما الجيل الجديد فهو لم ير في تجربتنا سوى أنها كانت محكومة بقواعد وأسس، أراد أن يتخطاها من دون أن يقيمها، ولذلك انحدرت لغة الخطاب لديه".
وانتقد البني عمل كثير من هؤلاء الشباب، الذي عده عملاً "تجريبياً قائماً على عدم فهم القاعدة فتلك هي المشكلة".
وقال البني : "طبعاً... وهناك حالة عامة في البلد تنادي بها السلطات أيضاً، وترفع شعار يجب الاعتماد على الشباب، وهذا شيء جيد وأنا لست ضده بالتأكيد، ولكن يجب أن يترافق هذا مع إبقاء حالة التنافس مع الجيل الآخر، كي يعرف الشباب إلى أين يسيرون، أين أضافوا وأين قصروا وأين جددوا وأين تشابهوا... وهذا جيد أيضاً للجيل الآخر، لأنه من خلال هذه المنافسة والاحتكاك قد يكتشف جيل المخضرمين أخطاءه، وقد يتعلم من الجيل الشاب أيضاً. وهذا الشيء نجده في مصر حيث ترى الجيل القديم في الكتابة والإخراج يعمل مع وجود جيل الشباب... وهذا يخلق تقاليد ويطور الحرفة".
وأعاد البني سبب الاعتماد على المخرجين الشباب إلى "أن بعض شركات الإنتاج، نسيت أن الإنتاج الفني حالة ثقافية وإبداعية لها مضامين ورسائل، وتذكروا فقط أنها سلعة تجارية يجب أن تخضع لما يريده صاحبه المال فقط، لذلك جاءوا بعدد من مساعدي المخرجين وجعلوا منهم مخرجين كي يهمشوا دور المخرج الحقيقي ويسيطروا على الفن. . وهكذا صار المخرج الجديد يشتغل عند المنتج وليس معه... وصار المخرج الجديد يتبع الممثل النجم، إن رضي عنه أخذه من عمل إلى آخر... والأدهى أنه جاء جيل من الممثلين الذين دخلوا لعبة الإنتاج، ليس همهم إنتاج أعمال فنية يبرزون من خلالها، بل همهم صناعة عمل يخدمهم هم فقط، ويتيح لهم أن يلعبوا كل الأدوار التي يحبونها فيمثلون ويشرفون على الإنتاج ويكتبون النص ويغنون... وربما يجرون الشاريو أيضاً".
واضاف البني: "شركات الإنتاج كانت تحترم نفسها أكثر... كانت تبحث عن نص تراه جيداً، ومخرج جيد وتكلفه بالعمل بعد أن تتأكد من ملاءمة هذا النص لهذا المخرج... ثم تترك الباقي على المخرج كي يمارس دوره ويقدم رؤيته. اليوم بعض شركات الإنتاج صارت في عهدة مديرين أميين، وهؤلاء يهمهم أن يأتوا بمساعدين درجة ثانية وثالثة ليجعلوا منهم مخرجين كي يقولوا لهذا المدير الأمي (معلم) وإذا أرادت بعض الشركات أن تجد ضمانة أخرى للعمل، فإنها تستعين بممثل نجم، كي يكون مشرفاً على العمل، وبهذا يصبح لكل مخرج أكثر من معلم يقول له: (حاضر معلم)". واعتبر البني أن مسلسلات مثل (لعنة الطين) و (أسعد الوراق) و(وراء الشمس) عانت من مشكلة عدم قراءة النص بشكل صحيح، وعدم قراءة ما بين السطور.
ورأى أن هناك أعمالاً فاشلة بالمعنى العام للكلمة مثل (كليوبترا).
وحول مسلسل (باب الحارة) قال البني : "أنا دمشقي وابن هذه البيئة... وأعتقد أن عمري يسمح لي بأن أتحدث عنها، سواء من خلال ما عشته، أو مما حدثني عنه أبي وجدي. في الأربعينيات كانت هناك مستوصفات وطبيبات في حارات دمشق... ففي مطلع القرن العشرين خرجت مجموعة من أبناء العائلات الدمشقية للدراسة في أوروبا، وعادوا بعد ذلك حاملين أرقى العلوم والشهادات... وهؤلاء كانوا موجودين داخل حارات دمشق القديمة، قبل أن تبنى بعض الأحياء الحديثة كالمالكي وأبي رمانة. والسؤال: أين هؤلاء؟ أين وجودهم في نسيج البيئة وأين أفكارهم؟! لقد أدخلونا في صراعات بوليسية مبالغ فيها، وقد جعلوا من الزعامات و(العكداء) محور الفعل والقرار، مع أنني عشت في حارة دمشقية قديماً، ولم يكن هناك كل هذا الثقل للزعامات... وقد أسرفت هذه الأعمال في تصوير بطولات الثوار حتى قتلوا في هذه المسلسلات من الفرنسيين، ما يقرب من نصف سكان فرنسا!.. وتعاني دراما البيئة الشامية حالياً من مرض الاستنساخ... نجح (باب الحارة) فاستنسخنا عنه (أبوابا) أخرى، وأحياناً استنسخنا من الجزء الواحد أجزاء، ومن الخديعة مجموعة خدع وأكاذيب... فهل يعقل في الجزء الثاني من مسلسل (أهل الراية) أن يدور الصراع بين أسياد وزعامات ورجال الحارة من جهة، وبين امرأة تحيك المكائد وهي في بيتها من جهة أخرى، وتمضي حلقات طويلة ولا أحد يكتشف ما تفعله هذه المرأة، رغم أنها سبق أن كشفت على رؤوس الأشهاد في نهاية الجزء الأول؟!".
وحول إعادة إنتاج كلاسيكيات الدراما السورية القديمة في أعمال جديدة، كما رأينا في (أسعد الوراق) قال البني "أنا ضد فكرة إعادة إنتاج الأعمال القديمة، فأي عمل إن كان فاشلاً أو ناجحاً هو ابن زمنه والظروف التي أنتجته، وهذا ينطبق بالتأكيد على (أسعد الوراق) الذي مطوه من سباعية إلى ثلاثين حلقة من دون أن يحقق أي نسبة نجاح قياساً بأصداء العمل القديم. هذا خيار خاطئ ودليل إفلاس... وإذا كانت القصة هكذا فلنعد إلى كل المسلسلات القديمة الناجحة ونقدمها من جديد، ستشغلنا لأكثر من خمس سنوات قادمة!".
وحول رأيه بالأعما الكوميدية التي عرضت هذا العام قال البني: "(بقعة ضوء) متراجع جداً هذا العام... (أبو جانتي) هذا مسلسل لممثل أوحد يريد كل شيء. وفيه استخفاف واستهتار في كتابة النص ثم بالتنفيذ".
ورأى أن تفسير جماهيرية عمل هابط (ابو جانتي) ليس سهلاً... فهناك علاقة نسبة وتناسب بين ذائقة الناس ومستوى الأعمال، في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات كانت طبيعة الرسائل التي تحملها الأعمال أرقى وكانت تلامس ذائقة الناس، فتتفاعل معها حيناً وترتقي بها صعوداً حيناً آخر. . في السنوات الأخيرة ظهرت أعمال جديدة تحاول أن تسوق ثقافة سوقية، وتجعل لها بريقاً فنياً من خلال نقلها إلى الشاشة والدراما... وفي هذا السياق فمسلسل (أبو جانتي) يقدم للناس ثقافة سائقي التاكسي ولغة (المكنسيانية) وخطورة أن تجعل من هذا مادة لمسلسل درامي، وليس للوحة درامية على سبيل التنويع، تكمن في أن المسلسل الآن يتابعه الأطفال من جميع الشرائح والفئات... وبالتالي فهو يصدر هذه الثقافة السوقية من شريحة محددة إلى كافة الشرائح!".
وراى البني أن مشكلة مسلسل ما ملكت ايمانكم لنجدت أنزور أن فيه "تعمداً للإثارة واستفزاز مشاعر الفئات الشعبية التي تجد نفسها قريبة من ظاهرة التدين، هناك استعراضات لجرأة مقحمة، ومشاهد مركبة بشكل ليس مدروساً جيداً. وأنا أرى أن الجرأة في موضوع حساس كهذا يجب أن تدرس جيداً وتستخدم بحذر كي لا تستفز مشاعر المشاهد ويصبح ضدها... أنظر كيف انتهت الحلقات الأخيرة، فقد أتت بدون موضوعية وكأن مخرجها ليس نجدت أنزور... وعلى سبيل المثال نجد أن المسلسل المصري (الجماعة) كان جريئاً في مناقشة علاقة الدين بالسياسة عبر تاريخ الإخوان المسلمين، وفي فضح بعض مظاهر التدين المستخدم في سياق أغراض أخرى، لكنه لم يستفزني، وحتى الذين كانوا ضده لا أعتقد أنه استفزهم كي يكفوا عن متابعته، لأنه عمل جرأته مدروسة درامياً، ولغته الفنية عالية وهو عمل مهم وخطير جداً ويثير الاحترام".
والعتبر البني أن وجود عمل مثل مسلسل الجماعة "في أي دراما، كي تقول إن هذه الدراما قوية ومن يقفون وراءها يعرفون ماذا يريدون... وأنا برأيي أن الدراما المصرية بدأت تتماسك بشكل جيد، وبدأوا منذ فترة يراجعون أنفسهم ويكتشفون أخطاءهم... ولذلك تجد هذا العام مجموعة مسلسلات مصرية تحترم، مثل (الجماعة) و(أهل كايرو) وغيرهما طبعاً".
ودعا البني "المنتجين والشركات أن يقفوا ويدرسوا ما قدم وما جرى إذا كانوا يرغبون بالاستمرار. وشخصياً فقد طلب مني أحد المنتجين الكبار أن نلتقي ونتحدث عن مستوى الأعمال لهذا العام، وقال لي إنه يريد إعادة دراسة النصوص التي عنده والتي ينوي إنتاجها، فإذا كانت بنفس المستوى الذي ظهر هذه السنة فسيوقفها. وعلينا أخيراً أن نستفيد من فشلنا وأخطائنا، وأن نسمع آراء بعضنا بلا اتهامات جاهزة كي نتطور... وإذا لم نفعل فإن الآخرين يتقدمون... ولن ينتظرنا أحد كي ننهض".

شام نيوز