مؤسسة عامة للسينما.. من دون سينما!

 

تيسير أحمد- شام نيوز

 


يبدو أن المشاركات السورية في المهرجانات السينمائية العربية والدولية باتت نادرة، أو إن شئنا التحديد أكثر، باتت باهتة، لا جوائز ولا سجالات، ولاهم يحزنون.
فيلم قصير أنتج قبل عامين يشارك في مهرجان لدولة عربية أدخلته في عروضها حرصاً على التعاون الثقافي ليس إلا، وفيلم آخر لا يشارك في مهرجان مغاربي على الرغم من إدراجه في قائمة العروض دون أن نعرف السبب، وفيلم ثالث أنتج وشارك في مهرجان أو اثنين ولم يعرض على الجمهور السوري حتى الآن!
والنتيجة حضور سينمائي سوري باهت لا يتناسب مطلقاً مع موقع سورية الحضاري والريادي في خارطة المنطقة، وعلى كافة الأصعدة.
عامان يفصلاننا عن اليوبيل الذهبي للمؤسسة العامة للسينما في سورية، أي أن هذه المؤسسة التي رعت التجارب السينمائية الطليعية السورية منها والعربية على حد سواء، سوف تطفئ شمعتها الخمسين بعد عامين من الآن، وهو ما يفترض بلوغ هذه المؤسسة العريقة سن الرشد والحكمة، والرشد والحكمة يقتضيان وقفات مراجعة للتجربة السابقة ومحاولة للخروج من العثرات، وطرح سؤال جوهري، هل حققت المؤسسة بعد هذه السنوات الطويلة ما أنشئت لأجله؟ وهل استمرارها بالعقلية الإدارية والإنتاجية نفسها طوال هذه السنوات فيه شيء من الفائدة والمنطق.
لقد أنشئت المؤسسة العامة للسينما في عام 1963 في وقت كانت الظروف الموضوعية في البلد تحتم إنشاء هذه المؤسسة، فالقطاع الخاص لم يكن على قدرالمسؤولية، وكان لابد من تقديم لغة سينمائية مختلفة عن الأفلام الساذجة التي كانت تقدمها السينما العربية آنذاك. فنجحت في مهمتها ايما نجاح وقدمت أعمالاً تعد الآن من كلاسيكيات السينما العربية، وليس غريباً ان يكون من ضمن أجمل عشرة أفلام في تاريخ السينما العربية ثلاثة أفلام من إنتاج المؤسسة العامة للسينما حسب استطلاع صحيفة اليوم السابع الباريسية في ثمانينيات القرن العشرين.
ولكن هل  ما تزال السينما هي نفسها التي عمل بها نبيل المالح ومحمد شاهين وصلاح دهني وسمير ذكرى ومحمد ملص وغيرهم، أم أن تغيرات بنيوية طرأت عليها بعد ظهور وسائل اتصال جديدة وطرائق فنية مبتكرة في التعامل مع الصورة؟

لقد ولى منذ زمن بعيد ذلك التقليد عهد الصالات التي تتسع لخمسة آلاف مشاهد، وحتى لألف مشاهد، ويبدو أن الكاميرا السينمائية الكلاسيكية في طريقها إلى الاندثار.
وقد أصبح زبائن السينما في هذه الأيام شريحة محددة من الشباب لا يتخطون مرحلة العشرينيات من العمر، وهم تحديداً طلاب المرحلة الجامعية، الذين يتواصلون مع أحدث التقنيات السمعية والبصرية في العالم، ويتابعون الجديد في السينما الأمريكية لحظة إنتاجه وعبر شبكة الانترنت، فهل فكرت المؤسسة العامة للسينما بهذا الواقع الجديد؟ أي جمهور السينما الذي هو في النهاية جمهورها كما يفترض بالأمور أن تكون.
لابد وان تعيد المؤسسة العامة للسينما النظر في عملها وفي دورها في الحياة الثقافية السورية، بناء على المعطيات الجديدة، فمن غير المعقول أن يتحمل دافع الضرائب السوري إنفاق الملايين على مؤسسة لا تحقق له أي مردود اللهم إلا المشاركة في بعض المهرجانات السينمائية الإقليمية ، وحتى هذه المشاركات أصبحت أكثر من خجولة في الأعوام الأخيرة.
يمكن لمؤسسة السينما أن تبحث لنفسها عن دور جديد في الحياة الثقافية والإعلامية السورية، وما المانع من أن تستفيد من تجربة إحداث المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي التي أحدثت أخيراً وينتظر أن تنعكس إيجاباً على الإنتاج الدرامي السوري؟
ولماذا لا تتحول المؤسسة العامة للسينما إلى مؤسسة للإنتاج السينمائي المنفتح على التجارب الخاصة، أو القطاع الخاص، وان تستغل الإمكانيات الممنوحة لها بتطوير مدينة سينمائية تحقق مردودات مالية كبيرة وتقدم الخدمات المأجورة للشركات الخاصة، بحيث تعود إلى إحدى وظائفها الرئيسة وهي الوظيفة الاقتصادية؟
أما أن تستمر المؤسسة العامة للسينما على ما هي عليه، من إنتاجات لا يراها السوريون ولا يعلمون عنها شيئاً وقد لا تعني للكثيرين منهم أي شيء، وبهذه المبالغ التي تكلف الميزانية العامة الكثير الكثير، فهذا ما يفرض علينا وقفة جدية أمام هذا المؤسسة التي كانت ضرورية في فترة ما، ويمكن أن تصبح ضرورية في الوقت الراهن.