ما الذي تبقى من مهرجان دمشق السينمائي؟!

 فوضى تنظيمية وأخبار هيفا وهبة ومعارك مع السينمائيين والنقاد والصحفيين

 

شام نيوز- تيسير أحمد

 

أسئلة كثيرة طرحها مهرجان دمشق السينمائي لهذا العام، ولكن أهمها هو سؤال وجودي يتعلق بهوية المهرجان ودوره في هذه اللحظة الراهنة.
لماذا مهرجان دمشق السينمائي، كان الجواب ببساطة قبل سنوات أنه مهرجان إقليمي يتعلق بسينما العالم الثالث، حيث يوفر فرصة لقاء وتعارف بين سينمات آسيا وإفريقيا العربية وأمريكا اللاتينية، في مواجهة طغيان السينما الهوليودية، فكان مهرجان دمشق ومهرجان قرطاج توأم مهرجان دمشق، وثم مهرجان القارات الثلاث في مدينة نانت الفرنسية والمتخصص بسينما إفريقيا، وأمريكا السوداء، وأمريكا اللاتينية، وآسيا، وغير ذلك من مهرجانات كانت تحاول أن تجد لها صوتاً في عصر كان يتسم بالصراع الإيديولوجي بين معسكرين شيوعي ورأسمالي.
ولكن وبعد انتهاء الحرب الباردة، تبين أن الصراع الثقافي تحول من الشرق والغرب إلى الشمال والجنوب، أو بالأحرى بين الدول الفقيرة والدول الغنية، ثم ما لبث أن تحول إلى شيء آخر بعد إجهاز الولايات المتحدة الأميركية على ما كان يسمى بالمجتمع الدولي، وظهرت سينمات جديدة غزت العالم الغربي في عقر داره مثل السينما البوسنية والإيرانية والفلسطينية و ربما الإفريقية السوداء، وأصبحت تنافس على كبريات جوائز المهرجانات الأوربية، وبات ما يسمى الإنتاج المشترك السمة البارزة لهذه السينمات فضاع الحد الفاصل بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغرب، كما بدأت هوليود نفسها بالتخلص من عبء الحرب الباردة الذي كان يقيدها بالايدولوجيا المعادية للشيوعية لتنطلق متحررة من هذا القيد ولتبلغ ذرى متقدمة على صعيد الشكل والمضمون، حتى أن أكثر السينمائيين انتقاداً للإدارة الأميركية الآن هم من داخل هوليوود نفسها.
وقد ترفق كل ذلك مع ثورة معلوماتية كبرى تمثلت في مواقع "التيوب" على الشبكة العالمية وقرصنة آخر إنتاجات السينما الهوليودية وغيرها وبسعر يكاد لايذكر على بسطات البحصة، فحصل الجمهور السوري الشاب وفي سنوات قليلة على ثقافة سينمائية تفوق ثقافة صناع السينما أنفسهم، وهي ظاهرة فريدة من نوعها، أي أن يتفوق الجمهور السينمائي على صناع السينما أنفسهم من حيث الثقافة السينمائية.
ولذلك بدأ السينمائيون السوريون منذ سنوات يطرحون أسئلة حول جدوى المهرجان ومعنى وجوده في ظل هذه التسارعات، فكان قرار تحويله إلى مهرجان سنوي متخلياً عن صفته الإقليمية، لكي يكون مهرجاناً دولياً، وهي فكرة من حيث الشكل تبدو منطقية، ولكنها من حيث المضمون كانت قفزة في الخلاء.
ما معنى أن يكون لدمشق مهرجاناً دولياً للسينما لا يستطيع هذا المهرجان أن يدعو إليه إلا زبائنه القدامى من أسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وما معنى أن نسمي مهرجاننا مهرجاناً دولياً في وقت ظهرت فيه مهرجانات دولية في المنطقة وخصوصاً في دول الخليج العربية التي استوردت كل شيء لهذه المهرجانات وخصصت جوائز فاحشة؟
 وما معنى أن نحشد هذا الكم الكبير من أفلام هوليود في تظاهرات متعددة ومتنوعة وهي في نهاية الأمر أقراصاً مدمجة يسهل الحصول عليها من أي محل للأفلام في البحصة والشيخ محي الدين ودمشق القديمة؟
هل الهدف كما قالت إدارة المهرجان إعلامي، أي تسويق صورة حضارية عن سوريا؟ أم أن الموضوع تسجيل نشاط يضاف إلى سلسلة نشاطات بمعزل عن جدواها وفائدتها الحقيقة لتضاف إلى رصيد هذا المسؤول أو ذاك، وهل يستحق أي (C.V) لأي مسؤول كان كل هذه المبالغ؟!!
لقد بدت مشكلة هذا المهرجان في الدورة الحالية في أوضح صورها، ولا مجال بعد الآن للمجاملة والمداراة والادعاء بتحقيق منجزات وهمية، فالإنتاجات السينمائية السورية هي هي.. أعمال ترضي أذواق وأمراض أصحابها فقط، ولا تعرض إلا في مهرجانات لا تعني أحداً، وكأن الجمهور السوري ما يزال تحت وطأة أفلام الحرب العالمية الثانية والصراع الايديولوجي بين الشرق والغرب، التي تربينا عليها في سينمات الكندي.
كان حرياً بمهرجان دمشق أن يجنح نحو التخصص أكثر وليس نحو الدولية هذا الخيار غير المفهوم الذي لجا إليه، فالتخصص هو سمة العصر، ولو توجه حقاً هذا الاتجاه لوجد لنفسه مكاناً بين مهرجانات السينما في العالم، وليس كما هو الأمر الآن مهرجان دولي ولكنه ليس دولياً.
والآن ماذا تبقى من أخبار مهرجان دمشق السينمائي في دورته الثامنة عشر بعد أربعة أيام من انطلاقه.. أخبار هيفا وهبة وانسحابها ثم تكذيبها للخبر، وأخبار فوضى التنظيم ولا شيء آخر.. هل هذا ما كان يطمح له منظمو مهرجان دمشق السينمائي؟؟ وهل يستحق الأمر كل هذا العناء.. من المؤسف أن يصبح سؤال مهرجان دمشق السينمائي بعد عقود طويلة على انطلاقه يتعلق بمعناه وبضرورته.

 

فوضى تنظيمية


ما جرى في مهرجان دمشق السينمائي لهذا العام يستدعي وقفة تأمل ومراجعة ومحاسبة إن أمكن ذلك! فليس من المعقول أن يشعر طيف واسع من الصحفيين والنقاد والسينمائيين السوريين بأن المهرجان لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد، وليس معقولاً أن يتحول هذا الحدث الثقافي والإعلامي الهام، على كافة الأصعدة، إلى معركة مهاترات تسببت بها إدارة المهرجان في وقت كان مطلوباً منها أن تتصرف بحكمة أكبر وأن لا تستعدي أحداً وأن لا تشتم أحداً، إضافة إلى قيام مدير المهرجان شخصياً بالإشراف على كل شيء بدءاً بالتنظيم الذي كان أولى أن يعطى لشركة متخصصة تتحمل المسؤولية عن أي خطأ، وانتهاء بإخراج حفل الافتتاح الذي كان مرتجلاً وخالياً من أي لمسة فنية ونفذ على عجل!!!