ما بعد الانقسام الأسود

هل انطلقت قاطرة المصالحة الفلسطينية؟ السؤال هذا بدا في حضور لافت لا في الداخل الفلسطيني فقط، بل وعلى الامتداد العربي الإقليمي والدولي المهتم والمتابع للشأن الفلسطيني خاصة وشأن الوضع الشرق أوسطي بأزمته المتداعية والمتفجرة بوجه عام، إثر إعلان اتفاق الدوحة يوم الاثنين الماضي.
في الدوحة وباستضافة ورعاية قطرية، جرى لقاء تحاوري وصف بالمثمر بين الرئيس الفلسطيني الذي يترأس أيضاً حركة التحرر الوطني الفلسطيني “فتح” محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل، أفضى إلى التوقيع على اتفاق اعتبر في نظر بعض المراقبين بداية موفقة لإطلاق المصالحة في الحياة الفلسطينية التي لم تعد تحتمل استمرار الانقسام السياسي الذي سقط على الأرض في الضفة الغربية وقطاع غزة بين حركة “فتح” و”حماس” .
يضع الاتفاق نهاية للخلافات في شأن الحكومة التي دارت منذ توقيع اتفاق المصالحة في نيسان العام المنصرم بتنافر على رئاستها وتشكيلها ومهامها، وكان هذا كافياً لتعطيل خطوات عمل المصالحة وفق ما تحدد بالاتفاق .
يقضي اتفاق الدوحة في هذا الشأن على تشكيل حكومة مؤقتة قد لا تزيد مدتها علِى نهاية العام الجاري، ولن تكون الحكومة بمحاصصة سياسية بين “فتح” و”حماس”، ولا من هذا القبيل بمشاركة الفصائل والفعاليات السياسية الفلسطينية الأخرى، والاتفاق جاء على حكومة تكنوقراط من كفاءات مستقلة، وحسم موضوع رئاستها الذي كان مثار خلاف بالاتفاق على أن يترأسها الرئيس محمود عباس، والأهم من هذا وذاك أن مهمة الحكومة المؤقتة حددت بقضيتين، الأولى الإعداد والتحضير للانتخابات النيابية والرئاسية، والثانية إعمار غزة .
في ردود الأفعال الفلسطينية كان هناك قدر من التفاؤل وهناك غير قليل ممن قرنوا ترقبهم على ما ستكون الأعمال بمحاذير الإفراط في التفاؤل بالركون إلى مجرد إعلانات تحلق في سماء وضع مأساوي فاق الاحتمال .
السؤال الآن ما الذي يعنيه اتفاق الدوحة لطرفي الانقسام؟
من المناسب الإشارة هنا إلى أنه في ذكر المواجهات أو الاتفاقات بين حركتي “فتح” و”حماس” كان التذكير باختلاف التوجهات يصير حاضراً، وعلى هذا كانت اللقاءات والاتفاقات منذ سقوط الانقسام على الأرض تصير في نظر متابعين ومراقبين ومحللين ومهتمين في حكم “شراء الوقت”، والواقع أن هذا الشراء جلب للفلسطينيين الخسائر الفادحة والمعاناة الأليمة وكان زمناً ذهبياً لاسرائيل في تكريس سياسة تصفيه القضية الفلسطينية .
وعلى هذا يمكن القول إن مترتبات الانقسام وتداعيات السياسة الاسرائيلية المكرسة في حرب مفتوحة على الشعب الفلسطيني بحقوقه وتاريخه ووجوده ومصيره، ألقت بظلالها على طرفي الانقسام السياسي، في حال وفاق ودونما اتفاق .
وفي أبرز ملامح هذا ال “وفاق” أن الجماهير التي بدأت متألمة من الانقسام مناشدة ومطالبة بإنهائه في سياق وطني يعزز وحدة “الشعب الفلسطيني”، باتت في حال انتفاض وغضب ليس تجاه الانقسام بطبيعته وتداعياته وحسب، بل وأطرافه أيضاً .
ثانياً أن الوضع الانقسامي أحدث توافقاً سياسياً مزدوجاً، ف “حماس” تقترب من “فتح” سياسياً من خلال عدة استدلالات ومؤشرات منها تبني قيادتها إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، وأخذها هدنة وتهدئة مع إسرائيل والتحول في اتجاه إعلان المقاومة الشعبية وإن لم يترجم إلى عمل..
في المقابل فإن التحرك السياسي والدبلوماسي الذي قادته “فتح” خارج المجرى والإرادة الغربية ومن ذلك التحرك باتجاه الأمم المتحدة للحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية بحدود عام ٦٧ وجناحها العسكري استعاد عمليات مواجهة ومقاومة الاحتلال وإن لم تتخلص من قيود أوسلو .
هنا يمكن القول إن ما جرى ويجري من تواصل ولقاءات واتفاقات بين حركتي “فتح” و”حماس” لا يقوم على استحقاق، بل على مسؤولية شاخصة بما كان عليه الانقسام وما ترتب عنه من وضع فلسطيني لا يستقيم تحت الاحتلال .
وقع طرفا الانقسام على اتفاق الدوحة وعليهما أن يبادرا إلى تنفيذه، وهما سيجدان الدعم والمشاركة من الأطراف الفلسطينية وجماهير الشعب الفلسطيني لتجاوز هذا الوضع في اتجاه استعادة الحركة الوطنية الفلسطينية دورها وطابعها كحركة تحرر وطني لشعب يريد الخلاص من الاحتلال وهي في الوقت ذاته يمكنها أن تدير المهمات المجتمعية لأن لا سلطة حقيقية لحال شعب تحت الاحتلال .