ما في حدا لا تندهي...

هيام حموي . البعث
حوار من المشهد رقم 1:
"تخيّل أن نصل إلى يوم نجد فيه أن 30 % من الأميركيين غير قادرين على تدفئة منازلهم... فاحتياطي الوقود والطاقة يتراجع بسرعة كبيرة، والواقع أن 90 % من الاحتياطي المتبقّي موجود في الشرق الأوسط، هذا يفرض صراعاً بلا هوادة حتى الموت!!!"
حوار من المشهد رقم 2:
"ها أنت قد تعرفت على إحدى أكبر الشركات النفطية الأميركية وأكثرها ربحاً...
ـ أكثرها ربحاً؟ ممكن، شرط أن تدوم الفوضى في الشرق الأوسط!!!"
حوار من المشهد رقم 3:
"الفساد؟ الفساد حماية، إنه يوفر لنا الرفاهية والأمان... الفساد هو ما سيجعلنا ننتصر!!!"
هذه العبارات التي تنطبق تماماً على أوضاع نعرفها، بل نعيشها اليوم، عالمياً ومحلياً، جاءت على لسان شخصيات أساسية في الفيلم الذي يحمل العنوان الغريب "سيريانا" SYRIANA والذي شوهد مطلع عام 2006، في صالات السينما بمختلف أنحاء العالم، بين مؤيد من النقاد الذين وجدوه من أفضل إنتاجات 2005، وبين مشاهدين باحثين عن متعة سريعة فاعترفوا بأنهم لم يفقهوا شيئاً من السيناريو المعقّد الذي تدور أحداثه ما بين طهران ونيويورك ولبنان، جهة حزب الله، وبلد خليجي لا على التعيين.
الفيلم من بطولة الوسيم الجذاب جورج كلوني، الذي يقوم بدور روبرت بانرز، وهو عميل متعَب من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية "الـسي آي إيه"، والذي تتخلى عنه وكالته بعد تسرّب معلومات حول دورها في محاولة اغتيال أحد أمراء الخليج، الأمير ناصر الذي كان مرشحاً لاستلام مقاليد الحكم من بعد والده ذي الصحة المتدهورة، وكان الوالد يمضي أيامه المتبقية في أحد الفنادق الفخمة بعاصمة أوروبية كبيرة.
ولي العهد، الأمير ناصر، كان يحاول التقليل من اعتماد بلاده على أميركا وشركاتها في أعمال التنقيب عن النفط ، واتفق مع شركة صينية لاستكشاف حقول الذهب الأسود. كما كان يسعى إلى إحداث تغييرات ديمقراطية وتنموية في بلاده، والتقليل من اعتمادها على النفط كمصدر رئيسي للدخل، والحد من التواجد العسكري الأميركي على أراضيه.
غير أن هذا الطموح لا يرضي الأميركيين، ويجدون ضالتهم في أخيه الأصغر، الذي يبدي سعادته لإبقاء الوضع كما هو عليه في حكم والده، إذا ساعده الأميركيون على خلافة والده. وهكذا كان، بعد اغتيال الأخ الأكبر في الفيلم المذكور، وفي الواقع كما يعرف كثيرون.
كاتب السيناريو ومخرج العمل، ستيفن غاغان، ذكر أنه اعتمد في السيناريو على كتاب وضعه ضابط سابق في المخابرات المركزية الأميركية، روبرت باير، شارحاً أن عنوان الفيلم "سيريانا" مأخوذ عن الكلمة المستخدمة كشيفرة سياسية كانت متداولة في المراكز البحثية التابعة للمحافظين الجدد، ومستمدة، في المفهوم التاريخي، من نظرية إعادة التشكيل الجغرافي السياسي، ضمن آلية الاستخدام النفطي لمنطقة الشرق الأوسط، حيث سورية الطبيعية مركزها.
الفنان الهوليوودي السوداني الأصل، الكسندر صدّيق، الذي قام بدور الأمير الخليجي ناصر، صرّح مراراً بأن التعامل بكثير من التعالي والفوقية مع الشعوب العربية لا يقتصر فقط على السينما الأميركية وإنما أيضاً على الواقع السياسي، وأن هناك الكثير من الأفكار المسبقة الرائجة كأن تكون حتماً قليل الفطنة والذكاء في شؤون المال والأعمال، إذا كنت عربياً، وهذا يظهر في حوارات الفيلم المذكور، فيما قال المخرج: إنه لم يضطر للسفر مسبقاً إلى أي بلد عربي من أجل إعداد الفيلم، فقد كان يكفي أن يذهب إلى الشاطئ اللازوردي في فرنسا، وأن يتجوّل في المدن المتناثرة على امتداده، نيس وكان وسان تروبيز وغيرها، للالتقاء بكل من يريد من شخصيات تمتهن تجارة السلاح والسمسرة وتسيير أعمال أصحاب الثراء الفاحش.
أكثر ما يُدهش في استعادة الذاكرة لهذا الفيلم، أنه من إنتاج عام 2005 وأنه عُرض قبل حرب تموز 2006 بشهور قليلة، وأنه كان يكشف عن سيناريوهات متشابكة نراها اليوم قيد التنفيذ، ولا نعرف ما إذا كان القائمون على العمل قد سعوا لتنبيه المشاهد العربي إلى ما يتم الاستعداد له، أم أن هوليوود هي التي تضع سيناريوهات الأحداث، وهي على قناعة بأن لا أحد يقرأ بين السطور أو بين المشاهد والحوارات، وإن قرأ فإنه لا يمتلك القدرة على استخلاص النتائج والعبر، على مبدأ "ما في حدا.. لا تندهي..."