ماذا حل بقرار إزالة الصحون اللاقطة؟؟!!
شام نيوز – وجيه موسى
مشهد واحد لا ثاني له نراه ونحن نجول بنظرنا على أسطح الأبنية القديمة والحديثة في دمشق، كتل حديدية مصفوفة تشبه الصحون الطائرة ولكنها لا تطير إلا عندما تهب العواصف والرياح الشديدة وإن حدث ذلك فلن تكون رؤوس المارة ولا السيارات بمنأى عنها.
دخلت تلك الصحون مع بداية التسعينيات وانتشرت بسرعة كبيرة بعد أن فكت قيوده المادية من قبل المحتكرين والتجار فكانت كأسراب الغربان السوداء على جميع الأسطح، وكانت في البداية ذات أحجام كبيرة تصل إلى المترين حيث القاعدة التي أقنع بها فنيو الدشات زبائنهم تقول إنه كلما كبر الصحن زاد عدد القنوات الفضائية، والأقمار التي يستطيع التقاطها.
ولتنتهي هذه القاعدة قبل سنتين مع ثبوت العكس، ودخلنا معه عهداً جديداً من الانفتاح العالمي حملت رياحه الكثير من التغيرات في المجالات كافة، وعهداً من التحول الاجتماعي والأخلاقي في أسرنا ومجتمعنا ، وحتى جيلنا الذي عاصر التلفاز الأرضي والفضائي، فكان حلقة وصل بينهما، ويمكننا القول إنه بوجود الستالايت أصبح لدينا جيل تربى على الفضائيات وجيل يتربى عليه حالياً.
ومن الطبيعي أن يؤثر على نمط العلاقة بين الأجيال، وكان التلفاز سابقاً مضبوطا أكثر مما عليه الآن ، وتتحكم به الضوابط والقوانين التي تحكم المجتمع, ولكن مع الانفلات الفضائي أصبح لا وجود لتلك الضوابط والقوانين وعلى كل حال أصبحت الستلايتات أمراً واقعاً إلى أن أصبحت أسطح المنازل غابة معدنية شوهت المنظر الجمالي للمدينة حسب أراء البعض.
إلى أن أصدرت محافظة دمشق قرار بإزالة الصحون اللاقطة "الدش" من على أسطحه المباني والمنازل في أحد أحياء دمشق والاستعاضة عنها بلاقط مركزي ، وأتت هذه الخطوة ضمن خطة المحافظة لتجميل المدينة والتي بدأت مع بداية احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية حيث تكون تكلفة إزالتها وتركيب اللاقط المركزي على عاتق السكان ، وسوف يتم تطبيق الفكرة في حال نجاحها على الجميع.
ليأتي بعدها قرار وزارة الإدارة المحلية في العام ذاته، القاضي بإزالة الصحون اللاقطة (الدش) من على أسطح المباني والمنازل، والاستعاضة عنها بلاقط مركزي خلال مدة زمنية محددة، وكانت البداية من مشروع دمر حيث نفذ بنسبة / 95 % / .
البعض رأى في حينه إن هذه الخطوة جيدة جدا في إطار السعي لتجميل المدن والتقليل من التلوث البصري الذي تعاني منه ، كما أنها تخلص مستخدمي اللاقط من المشاكل والأعطال حيث يكون هناك جهاز مركزي واحد للجميع .
بينما كان البعض الأخر غير راضين عن فكرة إزالة الإطباق وذلك لأن تكلفة إزالتها وتركيب اللاقط المركزي تكون على عاتق السكان ، وبذلك فإن بعض لجان الأبنية تلقى صعوبة في هذا المجال ، حيث أن هذه اللجان تصطدم بصعوبة جمع الأموال من أجل تنفيذ المطلوب،كما أن هناك لا مبالاة من قبل الشاغلين تجاه مشروع الجمالية، خاصة وأنه يرتب عليهم دفع مبالغ معينة، وهناك تشدد كبير وتمسك بعدم إزالة الصحون اللاقطة بمبررات مختلفة .
نقل التلوث البصري من أسطح المباني إلى جدرانها
ولقد لجأ أصحاب المكاتب التجارية في دمشق إلى التحايل على قرار إزالة "الدش" من على أسطح المباني والمنازل ، حين قاموا بتثبيت صحون صغيرة على كل النوافذ والشرفات، ولعل برج دمشق المبنى الذي يبعد عشرات الأمتار عن بناء المحافظة خير مثال على انتقال التشوه البصري من على أسطح الأبنية إلى جدرانها، حيث لم يجد هؤلاء من يبلغهم أن غاية القرار هو الاستعاضة عن جميع اللواقط بأخر مركزي يوضع على سطح المبنى .
أسطح مباني المزة ودمشق الجديدة والحريقة خالية من الصحون اللاقطة
وتنفيذا لقرار إزالة الصحون اللاقطة أصبحت أسطح مباني كل من المزة ودمشق الجديدة والحريقة خالية من الصحون اللاقطة، وكان من المفترض أن تتوالى الحملة وتتجه إلى منطقة كفرسوسة والعديد من المناطق الأخرى وسط المدينة في إطار سعي المحافظة لتجميل المدينة والتقليل من التلوث البصري ومن ثم لتعم أرجاء القطر، ولكن ماذا حصل فيما بعد ..؟
هل الخسارات التي قدرت بالملايين أوقفت القرار ..؟
لقد لاقى قرار إزالة الصحون اللاقطة انتقادات كثيرة من عدة شرائح من المجتمع ولعل أهمها ما قاله أحد خبراء الاقتصاد: «يوجد ما لا يقل عن 15 مليون صحن لاقط مستخدم في سورية.. وهذا يعني أنّ هناك حوالي 30 مليون إبرة، و15 مليون قاعدة حديدية، و.. و.. وكمحصلة نهائية، وبالقيمة، هناك ضياع وخسارة بما يعادل 30 مليار ليرة، قيمة هذه الأطنان من كتل الحديد المجهول مصيرها.. أضف إليها 45 ملياراً ما يحتاج إليه الناس لتغطية تكاليف تطبيق القرار الجديد.. ألا يعدّ هذا استنزافاً مالياً على قيم جمالية تعدّ ثانوية أمام سوء خدمات الصرف الصحي والشوارع البدائية التي تعكس حالة غير حضارية وغير جمالية للمدينة.. ومن جانب آخر، وطالما هدفنا تجميل المدينة أليس بالإمكان تجاوز هذا التوحيد إلى الشكل المعمول به عالمياً، كأن تعلن الحكومة عن بدء الترخيص لشركاتٍ تعمل على تخديم المنازل بنظام الكابلات، بدلاً من توحيد الصحون.. لأنّه لاحقاً ستدخل مثل هذه الشركات، وسيكون لدخولها ضرورة اجتماعية ومالية، وسيتحتم على المواطن رمي صحنه الموحّد من جديد، والانتظام ضمن نظام تلفزيّ جديد .
فهل اقتنعت وزارة الإدارة المحلية ومحافظة دمشق بهذا الرأي وأوقفت تطبيق القرار ، لتظل الصحون اللاقطة هابطة على اسطحة المنازل تنتظر قرار عاصفة شديدة تجبرها على الطيران ولكن ليس في الفضاء وإنما على رؤوس المارة في ليلة شتوية باردة .