ماذا عن حلب بعد عامين على التحرير؟

شام إف إم - خاص
عامان على تحرير «درة الشمال» السوري من قبضة الميليشيات المسلحة التي كانت تنتشر في الجزء الشرقي من عاصمة الصناعة السورية، فـ حلب التي بقيت خارج خارطة الأزمة السورية حتى منتصف عام 2012، أمست بعد هذا التاريخ في عين العاصفة، فأرهقت بدخولها في دوامة الحرب الصناعة السورية، إلا أن الخراب الذي لحق بمدنها الصناعية كان في صالح دول كتركيا التي استفادت من سرقة المعامل، ومن ثم هجرة رؤوس الأموال إليها، ناهيك عن الخسائر البشرية الكبيرة في صفوف المدنيين الذين لم يقدروا على مغادرتها لأسباب متنوعة، وما بين العاطفة والفقر، كان المدنيون هدفاً لقذائف متنوعة أطلقها المسلحون على الأحياء الغربية فيما يشبه العقاب الجماعي لرفض هذه الأحياء دخول خارطة الحرب ضد الدولة السورية.
أهم معارك المدينة
عاشت حلب خلال أربع أعوام بعد دخول المسلحين إليها معارك ضارية، بدءاً من معارك الشمال الحلبي وحصار بلدتي نبل والزهراء إلى معارك المدينة والكليات العسكرية بجنوب غرب حلب، فيما كان فتح طريق خناصر شريان حلب الوحيد الشغل الشاغل للجيش حيث تمكن من تأمينه وإبعاد المسلحين عن طرفيه.
تحرير حي بني زيد كان بمثابة الضربة القاصمة للميليشيات المسلحة، حيث تمكن الجيش من قطع طرق إمدادهم من الريف الشمالي إلى أحياء حلب الشرقية، ليتمكن بعدها من استعادة السيطرة على عدد من الأحياء أهمها بني زيد ومحالج الليرمون والحيدرية والانذارات وبستان الباشا والهلك.
كما إن تحرير جمعية الزهراء من أهم جولات الحرب التي شهدتها حلب، حيث استطاع فيها الجيش تحرير الأجزاء التي سيطرت عليها الجماعات المسلحة داخل الحي خلال هجوم مباغت، وبعد معارك عنيفة تمكن الجيش من تطهير الحي من المسلحين وفرض السيطرة الكاملة، وإبعادهم إلى أطراف منطقة صالات الليرمون.
عملية التحرير
قلعة حلب التاريخية كانت هي الأخرى شاهداً على معارك عنيفة دارت في محيطها، بل وفي بعض الأحيان وصلت الاشتباكات إلى داخلها لتمتد إلى الأسواق والأحياء القديمة وغيرها من المعارك التي حولت المدينة إلى مدينة منكوبة بسبب الدمار الذي لحق بها، لتصل بعدها المعارك إلى خواتيمها مع إطباق الجيش الحصار على الميليشيات المسلحة في أحياء حلب الشرقية وتحرير المدينة القديمة و تأمين محيط القلعة، ليضغط على المسلحين ويجبرهم على الدخول في اتفاق يقضي بخروجهم إلى ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب عبر الوسيط الروسي، ليخرج آخر مسلح من أحياء شرقي حلب في الـ 23 من كانون الأول عام 2016.
كانت هذه الخواتيم بداية تغير في خارطة الحرب السورية، وبداية لما يعرف بعهد المصالحات وعودة المناطق إلى كنف الدولة السورية بموجب اتفاقات مع الجماعات المسلحة تحت عباءة الحليف الروسي، حيث يستطيع المتتبع للحرب السورية استقراء أن مدينة حلب كانت بمثابة «بيضة القبان» في توازنات الحرب السورية، فبعد سيطرة الجيش السوري على أحيائها الشرقية رجحت كفة الميزان العسكري لصالح الجيش السوري، لتتهاوى بعدها المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة في مختلف بقاع الأرض السورية.
واقع ما بعد التحرير
خلف المسلحون وراءهم دماراً وخراباً بالأحياء التي كانوا متركزين فيها وهي أحياء بطبيعتها شعبية وسكانها الأصليون ينتمون إلى الطبقة ما دون الوسطى، ورغم ذلك ما إن مضت عدة أشهر بالتزامن مع انتهاء عمليات التمشيط داخل الأحياء، بدأ أهالي الأحياء الشرقية بالعودة إلى بيوتهم، حيث تم تسجيل عودة أعداد كبيرة من الأهالي إلى البيوت حتى المتضررة منها.
منذ التحرير وحتى الآن والأحياء الشرقية المحررة تعاني من سوء كبير في الأوضاع الخدمية وتأمين سبل الحياة الأساسية لأهاليها التي عادوا إليها، حيث لاتزال الكهرباء غائبة عنها بعد عامين من التحرير كما لا تزال الأنقاض مترامية داخلها، حيث ترزح اليوم أحياء حلب الشرقية تحت واقع خدمي مزري، ومرحلة إعادة الإعمار داخلها كانت مقتصرة على التجميل والساحات والأمور السطحية فقط.
تحرير لم يكتمل بعد
ينتظر سكان حلب اكتمال التحرير بسبب تواجد لبعض الجماعات المسلحة داخل المدينة، وتحديداً على أطراف حي جمعية الزهراء وساحة النعناعي ودوار المالية ومحيطها، مؤكدين أن هذا الحي هو حي سكني وجزء من حلب المدينة، حيث يمتلك المسلحون القدرة النارية على قصف الأحياء السكنية الحلبية، وهو ما لا تتوقف الجماعات المسلحة عن فعله، حيث تستهدف بشكل مستمر ميليشيات «هيئة تحرير الشام» – النصرة سابقاً- الأحياء المجاورة مخلفة المجازر في صفوف المدنيين.
هذا المشهد يكرر نفسه في ضاحية الراشدين غربي حلب، حيث تخضع المنطقة لسيطرة المسلحين، وتقوم الميليشيات المتمركزة فيها بقصف أحياء غرب وجنوب غرب المدينة، الأمر الذي يجعل أحياء حلب حتى اللحظة غير آمنة وأي نقطة فيها معرضة للقصف بما فيها ساحة سعد الله الجابري.
وعلى مدار عامين من القصف المستمر على أحياء حلب، التي لم يكن آخرها استهداف الجماعات المسلحة بقذائف محملة بغاز الكلور لحيي شارع النيل والخالدية، على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، ينتظرُ الحلبيون حسماً جديداً للجيش في المناطق التي تستهدف منها الميليشيات الأحياء السكنية، لتدور عجلة مدينة الصناعة السورية في رحلة إعادة إعمارها بشكل حقيقي ومجدي.