متى يسقط نظام مبارك؟

 

يوم السبت الماضي، ذهبت المذيعة الشهيرة دينا عبد الرحمن لتقدم حلقتها اليومية في قناة «التحرير» ففوجئـت بأن ادارة القناة قررت منعها من الظهور، واكتشفت أنهم أعدوا مذيعة أخرى لتقدم برنامجا بديلا لبرنامجها..
 

دينا عبد الرحمن من أنجح المذيعـات في مصر بفـضل كفاءتـها وشجاعتها وحرصها على تقديم الحقائق، وعدم انصياعها لأي ضغوط سياسية مهما يكن مصدرها. وقد كشفت دينا في برنامجها عن الجرائم البشعة التي ارتكبها أفراد الأمن والجيش في حق المتظاهرين..

 


في الصيف الماضـي كانت دينا تعـمل في قـناة «دريم» وعنـدما حـاول مالك القناة الضغط عليها من أجل تخفيف نقـدها لسياسـات المجـلس العسكري، استقالت دينا من قناة «دريم» وانتقـلت الى قنـاة «التحرير»، وها هي بعد شهور يتم منعـها من العـمل بواسطة سليمـان عامـر، مالك قناة «التحرير» وهو رجل أعمال متهم بالاستـيلاء على مساحـات شاسعة من أراضي السليمانية وتخصيصها لغير الأغــراض التي أنشـئت من أجلها.

وقد نشر موقع البديل انه قد حدث بين سليمان عامر والمجلس العسكري اتفاق يتخلص بموجبه عامر من البرامج التي تسمح بانتقاد المجلس العسكري، وفي المقابل يغلق المجلس العسكري ملف أرض السليمانية بشكل نهائي. وفعلا، خلال أسابيع انسحـبت من قنـاة «التحرير» كل الأسماء التي تنتقد سياسات المجلس العسكري: الأساتذة حمدي قنديل وابراهيم عيسى ودعاء سلطان وها هي دينا عبد الرحمن تلحق بهم..

 


ان ادارة القناة تردد الآن أن الخلاف مع دينا عبد الرحمن وقع حول مسائل مادية لكن كلام قناة «التحرير» للأسف غير مقنع ولا يمكن أبدا أن يبرر تصرفها غير اللائق. لن تتأثر دينا عبد الرحمن بهذه الصغارة، فهي قررت ألا تساوم على مبادئها أبدا، وان كانت خسرت برنامجا، فقد كسبت احترام ملايين المصريين.

 


في اليوم نفسه نشرت الصحف أن الدكتور ممدوح حمزه سوف يتم التحقيق معه في نيابة أمن الدولة بتهمة التخريب والعمل على اسقاط الدولة. والدكتور حمزه واحد من أهم مهـندسي الانشــاءات في العــالم، وهو حاصل على جوائر دولــية رفيــعة ومشرفة لكل مصـري، وهو في الوقت نفسه أحد رموز الـثورة المصـرية الذين بذلوا مجـهودا كبــيرا من أجـل دعمهـا وتحقـيق أهدافــها. تحقيق نيــابة أمن الدولة سوف يتم بناء على شريط تم تسجــيله للدكتـور ممـدوح حمزه يتعـهد فيــه بتدمـير مصر وحرقها بالكامل ويكشف بنفسه عن مخططه الجهنمي الرهيب(!).

 


أي طفل في مصر سيدرك بسهولة أن التسجيل المزعوم مختلق ومفبرك بطريقة تفتقر الى الحرفية والذكاء. ليست هذه أول مرة يعاقب ممدوح حمزه فيها على انتقاده سياسات المجلس العسكري. فقد أحيل من قبل الى التحقيق مع ثوار آخرين بتهم من بينها التهمة التالية: «ايهام الرأي العام بأن الفساد ما زال موجودا». وهذه آخر صيحة في التهم المطاطة التي تعود نظام مبارك أن يعاقب بها معارضيه مثل «تكدير السلم الاجتماعي واثارة البلبلة بين المواطنين والحض على كراهية النظام»..

 


مرة أخرى فان ممدوح حمزه في علمه ومكانته الرفيعة واخلاصه لبلاده أكبر بكثير من هذا الصغار .لكنها حملة واسعة قد بدأت للتنكيل بكل من يعترض على سياسات المجلس العسكري .ولم يقتصر الأمر على تلفيق القضايا والتضييق في العمل، فقد تم تدبير مجموعة من الاعتداءات ارتكبها مأجورون، كان آخرها الاعتداء على النائب محمد ابو حامد عقابا له على مطالبته بنقل السلطة فورا من المجلس العسكري الى سلطة مدنية.

 


اننا نكتشف الآن بوضوح أن حكم المجلس العسكري نسخة طبق الأصل من نظام مبارك. كان هدف مبارك الاستمرار في الحكم وتوريثه لابنه من بعده، أما المجلس العسكري فقد ارتاح الى الغاء التوريث وأعلن حمايته للثورة، وبالرغم من ذلك فان كل ما فعله على مدى عام، كان بهدف حصار الثورة واجهاضها، وتحويلها الى انقلاب يتغير فيه شخص الحاكم ويبقى النظام كما هو.
 

لقد تحالف المجلس العسكري مع الاخوان المسلمين ليستفيد من شعبيتهم وقدراتهم التنظيمية، وبالمقابل سهل لهم الحصول على الأغلبية في البرلمان. أعد المجلس العسـكري لوائح الانتخابات بطريقة تسهل فوز الاخوان، وتم انـشاء لجنة عليا للانتخابات تتفرج على المخالفـات ولا تفـعل شيـئا. وهكذا ارتكب الاخوان والسلفيون كل المخالفات الانتـخابية، بدءا من شراء الأصوات وتوزيع السكر والزيت واللحم على الناخبين، الى استعمال موظفين منتمين الى الاخوان، الى التأثير على الناخبين داخل وخارج اللجان، الى رفع الشعارات الدينية، الى استعمال المساجد في الدعاية.. في النهاية أحرز الاخوان والسلفيون النتيجة التي أرادها لهم المجلس العسكري.

 
قد تكون هذه الانتخابات غير مزورة لكنها بالتأكـيد غـير عادلة.. لقـد وقعت الثورة المصرية بين مطرقة العسكر وسندان الاخوان.. العسكر يريدون أن يجهضوا الثورة ويستمروا في الحكم من خلف الستار، والاخـ وان يريدون أن يصلوا الى الحكم بأي ثمن.. لقد قبض الاخوان ثمن الاتفاق فحصلوا على أغلبية البرلمان، وقد حان دورهم في دفع نصيبهم.

 


السؤال الآن: هل يستطيع مجلس الشعب الحالي أن يحقق مع اللواء حمدي بدين قائد الشرطة العسكرية في الجرائم التي ارتكبها جنوده وكلها مسجلة بالصوت والصورة؟!

 


هل يستطيع مجلس الشعب أن يسـحب الثقة من الجنزوري رئيس الوزراء أو حتى من ووزير الداخلية؟ بعد مذبحــة بورسعــيد التي تم تدبيرها بخسة للانتقام من شباب الثورة، أعضاء «الألــتراس»؟ اكتفى مجلس الشعب بارسال لجنة تقصى حقائق كتبت تقريرا حملت فيه المسؤولية لرجال الأمن واتحاد الكــرة والجــمهور، لكــنها لم تذكر أن الشرطة العسـكرية كانت موجـودة أثناء المذبـحة ولم تفــعل شيــئا لانقاذ حياة الضحايا.. كل الشواهد تؤكد (وأتمــنى أن أكون مخــطئا) ان مجلس الشعب لا يستطيـع تجاوز الخــط الذي حدده له المجلس العسكري.. هناك بعض النواب (ليبراليون واسلاميون) يسعون جاهدين لاتخاذ المواقف الصحيحة، لكن تظل الأغلبية للاخوان المسلـمين، الذين أقسموا على السمع والطاعة لمرشدهم الذي ينفذ اتفاقه مع المجلس العسكري..

 


ان المجلس العسكري قد احتفظ بكل المسؤولين المنتمين الى نظام مبارك: بدءا من القضاة الذين اشرفوا على تزوير الانتخابات، والنائب العام، الى رئيس جهاز المحاسبات، ومحافظ البنك المركزي، الى قيادات الشرطة التي قتلت المصريين وأهدرت آدميتهم.

 


نشرت الصحف أن وزير الداخلــية السابق اللواء العـيسوي قد أصـدر أمرا سريا بصرف مبالغ مالية منتظـمة الى جميع الضــباط المتــهمين بقتل الشهداء من أجل رفع روحهم المعنوية.. وهكذا بينـما كان أهالي الشهداء يطالبـون بالقصـاص كان وزير الداخـلية يصــرف مكافآت شهرية للقتلة.. ان الانفلات الأمني وانتشار الفوضى والبلطجة وارتفاع الأسعار واختفاء المواد التموينــية، كل هذه الأزمات المسـؤول الوحـيد عنها هو المجلس العسكري، لأنه يتولى سلـطة رئـيس الجــمهورية أثــناء الفترة الانتقالية.. ولا يمكن هنا أن نعذر المجلس العسكري لقلة خبرته السياسـية، لأنه هو ذاته الذي رفــض تشكــيل مجلس رئاسي مدني، وأصر على أن يستأثر بالسلطة، وتعامل مع الوزراء باعتبارهم أفراد سكرتارية.

 


لقد تم قطع الطرق وايقاف القطارات واحراق الكنائس أمام أعين أفراد الشرطة العسكرية الذين يتفرجون ولا يتدخلون أبدا الا في حالتين، اما لانقاذ مسؤول ينتمي لنظام مبارك من حصار المتظاهرين، واما لقمع المتظاهرين المناوئين للمجلس العسكري بارتكاب جرائم وحشية بدءا من القتل بالرصاص، الى فقء الأعين بالخرطوش، الى هتك أعراض البنات مصر وسحلهن في الشوارع.. ولم يكتف المجلس العسكري بترك المصريين يتخبطون في هذه المحن بل انه ــ امعانا في ترويع المواطنين ــ ظل يردد في كل مناسبة أن هناك مؤامرات كبرى لاسقاط الدولة بدون أن يقدم مرة واحدة دليلا واحدا على ذلك.
لقد كان المتوقع أن المواطن المصــري المنهــك من الأزمـات المذعور من انعدام الأمن، في النهــاية، سوف يكــره الثورة ويقــبل كل ما يريده المجلس العسكري، لكن المظاهرات المليونية التي انتـشرت في محافظات مصر في الذكرى الأولى للثورة أثبتت أن المصـريين لازالوا متمــسكين بتحقيق أهداف ثورتهم. أما شباب الثـورة، أنبل وأشجع من أنجبت مصر، فقد شن المجلس العسكري ضدهم حملات قمعية متعــاقبة تحولت الى مذابح محزنة بغرض كسر ارادتهم.. وبرغم سقوط عشــرات الشهـداء وآلاف المصابين، الا أن شباب الثورة خــرجوا منتــصرين ولم تنكسر ارادتهم. وهنا بدأت وسائل الاعلام حمـلة واسعة منظمة لتشويه سمعة الثوار الذين عاملهم الاعلام في البدايــة باعتـبارهم أبطالا قوميــين، ثم تحول الى اتهامهم بأنهــم عمـلاء خونة ممـولون من الخارج.. وقد اتهم اللواء الرويــني حــركة «6 ابريل» وحــركة «كفاية» بأنهـما ممــولتان من الخارج، ولما فشل في اثبات اتهامـاته الفارغة لم يكلف خاطره بالاعتذار...

 


أخيرا فاجأنا المجلس العسكري بحملة شرسة على بعض منظمات المجتمع المدني واتهمها بتلقي أموال غير شرعية، وأنها تسعى الى تقسيم مصر الى ثلاث دويلات (زادوا بعد ذلك الى خمس دويلات). هذه الحملة غريبة وتثير أسئلة كثيرة: لماذا سكت المجلس العسكري طوال عام كامل على هذه المنظمات التي كانت تعمل تحت نظره؟ لماذا لم يتصرف المجلس العسكري بهذا العنف عندما انتهكت القوات الاسرائيلية حدودنا وقتلت ستة من ضباط وجنود القوات المسلحة؟ هل حدث بين المجلس العسكري والادارة الأميركية خلاف غير معلن فقرر عقاب الأميركيين بهذه الحملة؟ اذا كان المجلس العسكري يرفض التمويل الأجنبي ويحرص على شفافية ميزانية كل المنظمات والأحزاب، فنحن بالطبع نؤيده تماما، لكـننا نلاحظ أن الرقابة على التمويل الأجنبي تقتصر على الهيئات المدنية دون الدينية.. لماذا لم يفتش المجلس العسكري على تمويل «الاخوان» و«السلفيين» ومن أين لهم بملايين الجنيهات التي أنفقوها أثناء الانتخابات؟ هل الاخوان حلفاء المجلـس العسكري ولذلك فهو يتغاضى عن مصادر تمويلهم بيـنما لعبت المنظمات المدنية دورا مهما في كشف الجرائم البشعة التي تمت ضد المتظاهرين بالتالي فان المجلس العسكري يعاقبها..

 


ان بقاء المجلس العسكري في السلطة بالاضافة، سيؤدي الى كتابة دستور معيب تحت وصاية المجلس العسكري وسوف يؤدى بالضرورة الى انتخاب رئيس الجمهورية الذي يحدده المجلس العسكري و يتحكم فيه من وراء الستار، تماما كما يتحكم في رئيس الوزراء الآن.. لقد آن الأوان كي يسلم المجلس العسكري السلطة الى هيئة مدنية منتخبة، حتى يعود الجيش الى ثكناته، ليؤدي مهمته الأساسية في الدفاع عن الوطن. الثورة مستمرة حتى تنتصر وتحقق أهدافها.

 



الديموقراطية هي الحل