محاضرة حول شعائر الدفن لدى المزارعين الأوائل في جنوب سورية

كشفت التنقيبات الأثرية في تل قراصة الواقع في محافظة السويداء عن معلومات جديدة تتعلق بطقوس الدفن لدى إنسان العصر الحجري الحديث، وتحديداً عند المزارعين ومربي المواشي الأوائل.
والقى الباحثان الأثريان الاسبانيان خابيير بيلاسكو وجوناثان سانتانا محاضرة أمس في معهد ثربانتس بعنوان الشعائر الجنائزية عند المزارعين ومربي المواشي الأوائل في سورية موقع تل قراصة حيث قدما نتائج بحوثهما والمكتشفات الأثرية التي ظهرت في هذا الموقع وأهميتها بالنسبة للتاريخ الإنساني.
وقدم الباحثان نتائج أعمال الفريق الإسباني عن دراسة البقايا البشرية التي تم العثور عليها في الموقع وأهميتها التي تشكل مصدراً غنياً من المعرفة حول سكان المنطقة الأوائل.
وتحدث بيلاسكو عما تشكله دراسة الشعائر الجنائزية والبقايا البشرية من ضرورة للوصول إلى معرفة حقبة تعرض فيها المجتمع لتغيرات كبيرة بالانتقال من مجتمع الصيادين إلى المجتمع الزراعي .
وأشار بيلاسكو إلى أن سورية تعد احد أهم الأماكن التي بدأت فيها هذه التجربة فكانت مسرحا لبداية حقبة زمنية استمرت عدة آلاف من السنوات وفي مراحل أساسية لافتا إلى أن تل قراصة جنوب سورية هو أحد المواقع الأثرية الاستثنائية بسبب المعلومات الكثيرة التي يمكن للباحث الحصول عليها بفضل المكتشفات الأثرية الغنية التي يوفرها من خلال ما يحتويه من بقايا العصر السيراميكي والفخاري.
وأشار إلى أن البحث الأثري في هذه المنطقة يهدف إلى تحليل كل المحتويات التي يمكن العثور عليها للوصول إلى تصور لكيفية انتقال البشرية من مرحلة إلى أخرى مبينا ًأن الباحثين الآثاريين في حملة المكتشفات الأثرية لعام 2010 عمدوا إلى تحديث مفهوم الرموز الأثرية وتدعيمها في هذا المجال وتحليل التغيرات المناخية التي حدثت وتأثيرها على المجموعات البشرية ومعرفة الطريقة التي استطاعت المجموعات البشرية الاستمرار في الحياة والتأقلم معها.
ولفت إلى أهمية تأهيل عمال الآثار المشتغلين في سورية والتعاون معهم لاغناء الإرث الأثري السوري الذي يفيد جميع سكان البشرية.
بدوره أشار الباحث سانتانا إلى أن دراسة المواقع الجنائزية تسمح بتعلم علم الآثار الحيوية ودراسة أولئك الأشخاص الذين عاشوا في تلك الحقبة من خلال دراسة العظام والتحولات التي طرأت عليها.
وكشف أن البعثة الآثارية لعام 2010 عثرت على بقايا بشرية محدودة استطاعت من خلالها تحديد كيفية تأثير المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وهي بقايا مهمة جدا تشمل العظام والمخازن والمستودعات.
ولفت إلى أن هذه المكتشفات نبأت عن وجود مهمات مرتبطة بالممارسات الاجتماعية التي كشفت عنها عمليات الدفن ضمن المناطق المعيشية مبينا أن البعثة عثرت على بقايا لتسعة عشر فردا بالغا و20 شخصا في مرحلة المراهقة وأربع نساء و25 شخصا لم يحدد جنسهم.
كما بينت المكتشفات أن عمليات الدفن في تلك المرحلة كانت معقدة حيث كانت تتم بعد بناء المدافن كما كانت الجثث تنقل من منطقة لأخرى وكان هذا الفعل مرتبطا بالشعائر الجنائزية.
وأشار إلى أن موقع تل قراصة كشف عن وجود عدد كبير من القبور الفردية والجماعية منها ما تم وضعه بوضعيات مختلفة كما استخدمت نفس القبور لعدة عمليات دفن .
واعتبر أن الشعائر الجنائزية تمثل لغة مليئة بالرموز التي كانت تتكرر لافتا إلى انه كان يتم تخصيص غرفة لتصبح مدافن داخل أماكن المعيشة وكانت هناك رموز تستخدم لتحديد مكان دفن كل شخص.
كما عرف الباحثان بأبطال تلك الحقبة وعرجا على أمور متنوعة مثل متوسط العمر والأمراض التي سادت والأعمال الجسدية التي مارسها أولئك السكان وغذائهم الأساسي و أشكال وظروف الحياة السائدة وخاصة الشعائر الجنائزية من أوقات الدفن وإنشاء وتنظيم المستودعات الخاصة بذلك.
وقدم الباحثان في نهاية المحاضرة بانوراما تاريخية شاملة توصلت إليها البعثة بفريقها العامل بمختلف الاختصاصات وتعطي رؤية أكثر كمالاً وشمولاً عن المزارعين الأوائل في منطقة اللجاة .