محاولة فاشلة لتهويد العقل والذاكرة

 

منذ الاحتلال ١٩٦٧ بدأت اسرائيل حملة استيطان وتهويد جغرافي داخل القدس وفي حاراتها وازقتها وفي محيطها القريب والبعيد وتحت ارضها ومقدساتها، وبمخططات التهويد والاستيطان المستمرة والسعي لتقليص عدد المواطنين باخراج نحو ١٥٠ الف فلسطيني من «حدود» المدينة التي يريدونها بعد استكمال بناء الجدار.

 


وبعد سنوات من الحفريات والبحث عن آثار يبررون فيها توسعهم وادعاءاتهم، لم يجدوا سوى اثار مسيحية او اسلامية او تاريخية غير دينية، ولهذا فقد بدأوا حملة او حرباً لتهويد العقل والذاكرة بالمدينة المقدسة بصورة خاصة، واستخدام اصطلاحات دينية يهودية او سياسية مضللة. لدى بدء الاحتلال، مثلاً، قالوا ان غزة والضفة هي مناطق مدارة وليست محتلة. واطلقوا على قيادة الاحتلال وضباطه ومخابراته اسم «الادارة المدنية»، حاولوا في القدس فرض المناهج الاسرائيلية على المدارس وقد فشلوا فشلاً ذريعاً واضطروا الى التراجع بعد ان خلت المدارس التابعة لادارتهم من الطلاب وازدحمت المدارس الخاصة وزادت اعدادها كثيراً.

 


بعد سنوات طويلة «نجحوا» في استقطاب اكثرية الطلاب والطالبات في المدارس التابعة للبلدية او وزارة المعارف وحين قدموا المساعدات السنوية الكبيرة لعدد كبير من المدارس الخاصة، «حيدوا» هذه المدارس رسمياً. اليوم تجيء خطوة جديدة لفرض الكتب الفلسطينية المعدلة واضافة مقررات اخرى لكي تتوافق المناهج مع مفاهيم الاحتلال وضم القدس و«تهويد العقل». وتدور مواجهة حول هذا الموضوع حالياً.

 


في هذه الفترة يزداد هوسهم بتغيير الاسماء والسعي لاعطائها الطابع اليهودي، والامثلة كثيرة ومعروفة ويومية تقريباً. ويقع بعضنا، من اعلام واشخاص في خطأ الترويج لهذه التسميات الجديدة وهو يندد بها فيقال انهم اسموا شارع السلطان سليمان بشارع......والمنطقة الفلانية باسم....والجبل الفلاني باسم كذا.

 


واكثر من كل ما سبق، فإنهم اليوم يطالبون بقوة الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، لكي تكتمل الصورة.
نحن على المستوى الرسمي لا نجد ردوداً على هذه الخطوات سوى اجترار كلمات واصطلاحات وبيانات انتهى مفعولها كالشجب والاستنكار والادانة والاحتجاج والتحذير والمطالبة ومناشدة المجتمع الدولي، وكلها أقوال فارغة لا تدل الا على عجز أصحابها وقلة حيرتهم.

 


نحن على المستوى الشعبي امر مختلف الى حد كبير، ونتمسك بالجذور والتاريخ والذاكرة والارض والتطلع الى المستقبل. القدس لن تصبح اورشليم ابدا. وشارع السلطان سليمان سيظل شارع السلطان سليمان وباب العامود لن يصبح باب نابلس، وباب الخليل لن يصبح باب يافا. وسلوان ستظل سلوان والبستان سيظل حي البستان. سيظل الفلسطينيون يتكاثرون ويزدادون، ويملأون شوارع القدس وازقتها في ايام الجمعة والاعياد والمناسبات وفي كل يوم.

 


في هذه الحالة يبرز دور الاعلام هاما للغاية، ولا بد ان يتوقف تماما كل ذكر للاسماء الجديدة والتمسك بالمصطلحات والمسميات التاريخية والوطنية.
لا بد اخيرا من التذكير باصطلاح نجحوا في تمريره علينا وهو اطلاق اسم «عرب الداخل» على الاخوة الفلسطينيين، وهم عرب بالتأكيد ولكنهم فلسطينيون اولا ولا بد من تسميتهم بالفلسطينيين لتأكيد الترابط والوحدة الوطنية.

 



يوسف الخطيب
وذكرى لا تنسى
في اواخر الستينات وقد كنت ادرس في جامعة دمشق، أقام حزب البعث الحاكم مهرجانا خطابيا، وكان الحماس قويا بين الطلاب للمشاركة، وكنت واحدا من هؤلاء.
كان حاضرا امين الحافظ زعيم سوريا آنذاك وقادة بعثيون وغيرهم كثيرون، والقوا جميعا خطبا مؤثرة قوبلت بالتصفيق الحاد المنظم والشعارات البعثية المكتوبة يقرأها اشخاص ينتشرون في ارجاء القاعة.
بالنسبة لي نسيت كل شيء الا بعض الاسماء، وظل عالقا في ذهني حتى اليوم القصيدة التي القاها الشاعر الفلسطيني الكبير يوسف الخطيب والتجاوب العفوي الواسع الذي قوبل به والقاؤه الحماسي المؤثر. كان مطلع القصيدة:
اكاد اؤمن من شك ومن عجب
هذي الملايين ليست امة العرب
انا سقينا خطوط النار من دمنا
فليسقها الشيخ بعض المال ان يهب
رحم الله الفقيد فقد كان شاعرا مميزا ووطنيا مميزا

 



بين بولارد وغرابيل

من غرائب السياسة الاميركية، وما اكثرها، ان واشنطن تضغط على القاهرة للافراج عن الجاسوس الاسرائيلي ايلان حاييم غرابيل الذي يعمل للموساد وحاول زرع الفتنة والانقسامات وجمع معلومات واختراق ائتلافات الثورة وشوهد في اكثر من موقع يحمل لافتات تحريض وادلى باعترافات، حسب وسائل الاعلام المصرية.
وجه الغرابة ان واشنطن تواصل سجن الجاسوس اليهودي جوناثان بولارد وترفض الضغوط الاسرائيلية واليهودية داخل اميركا للافراج عنه، وهي نفسها تطالب القاهرة بالافراج عن الجاسوس غرابيل.
لقد ارتفعت اصوات فلسطينية ومصرية وغيرها، تدعو الاخوة في مصر الى عدم الافراج عن هذا الجاسوس مجانا، بل في صفقة للافراج عن سجناء مصريين وفلسطينيين وعرب اخرين لدى اسرائيل، او تقديمه للمحاكمة لينال عقابه.
وهذا هو المنطق فعلا، ونأمل ان تتبع مصر هذه الطريق دون سواها، ولاسيما ان نبيل العربي وزير خارجية مصررفض استقبال السفير الاسرائيلي لبحث الموضوع.




*نحن على المستوى الشعبي امر مختلف الى حد كبير، ونتمسك بالجذور والتاريخ والذاكرة والارض والتطلع الى المستقبل. القدس لن تصبح اورشليم ابدا. وشارع السلطان سليمان سيظل شارع السلطان سليمان وباب العامود لن يصبح باب نابلس، وباب الخليل لن يصبح باب يافا. وسلوان ستظل سلوان والبستان سيظل حي البستان. سيظل الفلسطينيون يتكاثرون ويزدادون، ويملأون شوارع القدس وازقتها في ايام الجمعة والاعياد والمناسبات وفي كل يوم.

 

ابراهيم دعيبس - القدس